المسيح.. هل تلاعبت نتفليكس بأفكارنا الدينية؟
إعداد حسام فهمي
ربما يظن البعض من مجرد قراءة اسم هذا المسلسل “Messiah” أنه يدور حول حقبة المسيح عليه السلام، أو قد يعتقد آخرون أنه يدور حول الرواية الدينية الإبراهيمية لعودة المسيح، أو فتنة المسيح الدجال، إلا أن ذكاء شبكة نتفليكس وصناع هذا العمل يظهر في كل هذا معا، وبشكل رئيسي في قدرتهم على التلاعب بالأفكار المسبقة لدى المشاهدين.
وفي هذا العمل يتم التلاعب بقصة نعرفها جميعا، حيث ينطلق المسلسل من خلال فكرة أو معتقد نعرفه جميعا، ثم سرد قصة مختلفة تماما، لدرجة تجبرنا على إعادة التفكير في أفكارنا المسبقة التي بدأنا معها المشاهدة.
كيف حدث هذا إذن، وكيف استغل صناع مسلسل “المسيح” (Messiah) ما نعرفه دينيا للتلاعب بأفكارنا السياسية داخل هذا العمل؟
الشك
عنصر التشويق الأول والأهم في المسلسل أنه لا يحسم بشكل واضح إن كنا نشاهد شخصا يملك قدرات خارقة، أو يدعي هذا، أم أننا أمام لاعب خفة محتال يملك أجندة سياسية ما؟
منذ البداية ينتقل الرجل الذي يلقبه من حوله باسم “المسيح” بين الشرق الأوسط، سوريا تحديدا، ثم فلسطين، الحدود مع دولة الكيان الصهيوني، ثم بشكل مفاجئ إلى الولايات المتحدة، وفي كل مكان يظل الشك حاضرا.
يصنع هذا الرجل أشياء خارقة، مثل عاصفة ترابية تنهي حصار تنظيم الدولة (داعش) لإحدى المدن السورية، أو عاصفة شبيهة في إحدى ولايات الجنوب الأميركي الفقيرة، ولكن في كل مرة يبقى الشك في أنه يستغل هذه الأجواء، لا أكثر ولا أقل، وكلما يستمر الشك يستمر المشاهدون في متابعة المسلسل بشكل أكبر، لأن هذا بالتحديد هو السؤال الرئيسي، من هذا ومن أين أتى؟
الحرب
الأجندة السياسية لهذا الرجل الذي يدعي أنه المسيح تبدو واضحة أحيانا، وغامضة في أحيان أخرى.. في البداية يتحدث بكلام مليء بالإشارات عن السلام والوئام والتآخي، ثم يقود مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين إلى حدود الأراضي التي يحتلها الكيان الصهيوني، ثم يتركهم هناك دون ماء ولا غذاء ولا سلاح بالطبع، حتى ينخرهم الجوع والعطش.
على جانب آخر، يذهب هذا الرجل إلى أميركا ليطلب من رئيسها اليميني المتدين أن يسحب كافة القوات الأميركية في كل مكان حول العالم، وهنا يلعب المسلسل على فكرة الحرب، خصوصا مع إظهار أصول إيرانية لهذا المسيح المنتظر، بشكل لا يمكن أن نتجاهل معه صورة الإيراني “الإرهابية” بالنسبة للإعلام الأميركي.
نقطتا ضعف وقوة
نقطة قوة المسلسل هنا تأتي من خلال معالجته بشكل غير نمطي لشخصيات أبطاله، عميلة الاستخبارات الأميركية، التي تقوم بدورها “ميشيل مونغان”، والتي تبدو مشتتة وغير ملمة بكل التفاصيل على غير العادة.
الضابط الإسرائيلي الذي يقوم بدوره الممثل الفرنسي الإسرائيلي تومر سيسلي، الذي يبدو عنيفا ودمويا مع إعطاء مساحة لتفهم أسباب ذلك، على عكس شخصية الضباط الإسرائيليين الذين تقدمهم الإنتاجات الأميركية عادة أبطالا، بالإضافة لشخصية بطل العمل الرئيسي الذي يظل الشك حاضرا في كونه ممثلاً للخير أم للشر طوال الأحداث.
نقطة الضعف الأهم، تبرز في هذا السياق أيضا من خلال معالجة شديدة السطحية لشخصية قائد تيار التشدد بين الإسلاميين في فلسطين، حيث نرى شخصية قاتمة الوجه لا تبتسم أبدا، يتحدث بغلظة طوال الوقت، حتى يتورط في عملية تفجير تودي بحياة عشرات الأبرياء، هكذا دون أي مبررات درامية أو بشرية.
ما الإيمان؟
بشكل مكتمل يبدو المسلسل إذن مشغولاً بالإشارات، والأفكار المسبقة لدى مشاهديه، فبطل العمل الذي يقوم بدور المسيح اسمه الحقيقي هو “مهدي”، وهو ممثل بلجيكي من أصول عربية، أما الفتى الذي يساعد مهدي في أداء مهمته منذ البداية، ويترجم أفكاره إلى أفعال يُدعى “جبريل”.
تستمر الإشارات من خلال أفعال خارقة للعادة يضعها المسلسل دون شرح كاف على يد بطله، بدءًا من المشي على الماء، وصولا لإحياء الموتى في بعض الأحيان، ويبدو المسلسل غير مهتم بتأكيد حقيقة تلك الأفعال، بل يقدم لنا في بعض الأحيان مقاطع إخبارية تحاول تفسير تلك الأفعال على أنها “ألعاب خفة” فعلها من قبل العديد من السحرة المتجولين!
لكن الشك يستمر في التشكل، والشك هنا بالأساس في قدرة هذا الرجل على إقناع كل خصومه بالإيمان به، خصوصا أنه يستغل في سعيه هذا كل ما جعلهم مؤمنين في الأساس، الأمر يشبه إعادة اختبار إيمانك بما أنت مؤمن به بالفعل، هل آمنت به لأنك لم تره، أو أن الحكايات والتاريخ والسياسة بشكل خاص في عالم اليوم أكثر قوة من الإيمان؟
(المصدر: الجزيرة)