مقالاتمقالات المنتدى

المسيح عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله (1)

(قضية المباهلة بين النبي ﷺ وبين نصارى نجران في حقيقة المسيح ﷺ)

المسيح عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله (1)

(قضية المباهلة بين النبي ﷺ وبين نصارى نجران في حقيقة المسيح ﷺ)

 

بقلم د. علي الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

ذكرت كُتب السيرة والدلائل أن وفدًا من نصارى نجران قدِموا على النبيّ (ﷺ) وجادلوه وناظروه في أمر المسيح وألوهيته، وقد رويت هذه الواقعة بأسانيد متعددة وروايات كثيرة وألفاظ متقاربة في بعض الأحيان، ومختلفة في أحيان أخرى. ومعنى المباهلة: أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا لعنة الله على الظالم منّا، وأن يخلص كلا الطرفين في الدعاء واللعن على الكاذب منهم. (عجيبة، أحمد علي، نصارى نجران بين المجادلة والمباهلة، ص114)

وعندما فصل الله سبحانه وتعالى بين نبيّه محمد (ﷺ) وبين الوفد من نصارى نجران بالقضاء الفاصل والحكم العادل ـ أمره ـ إن هم تولّوا عما دعاهم إليه من الإقرار بوحدانية الله، وأنّه لا ولد له ولا صاحبة، وأنّ عيسى عبده ورسوله، وأبَوا إلا الجدل والمخاصمة أن يدعوهم إلى الملاعنة.

ولذلك قال الله لرسوله (ﷺ): ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: 61].

  • ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ﴾ أي: جادلك يا عيسى.
  • ﴿فِيهِ﴾ في المسيح عيسى ابن مريم.
  • ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ الذي بيّنه الله لك في عيسى أنّه عبد الله.
  • ﴿فَقُلْ﴾ لهم قولاً يظهر علمك الحق وارتيابهم.
  • ﴿تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ منّا ومنكم في أنّه عيسى عبد الله ورسوله.

أي فإن استمروا على مُحاجّتهم إيّاك مكابرةً في هذا الحق أو في شأن عيسى فادعهم إلى المباهلة، والملاعنة، ذلك أنّ تصميمهم على معتقدهم بعد هذا البيان مكابرة محضة بعد ما جاءك من العلم وبيّنت لهم، فلم يبقَ أوضحُ مما حاججتهم به، فاعلم إنما يحاجّوك عن مكابرة وقلة يقين، فادعهم إلى المباهلة بالملاعنة الموصوفة في الآية السابقة. (عاشور، محمد الطاهر، التحرير 3/264)

ولذلك قال لهم رسول الله (ﷺ): إنّ الله تعالى أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم، فقالوا: يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك. (الالوسي، محمد بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني، 3/188)

وبعد مشاورات بين وفد نصارى نجران كان القرار النهائي رفض المباهلة بأي حال من الأحوال، فأتوا رسول الله (ﷺ) فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك وأن نتركك على دينك ونرجع على ديننا. (ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2/162)

1 ـ لماذا امتنعوا عن المباهلة:

لقد امتنعوا عن المباهلة خوفًا من عذاب الله لما يعلمون من صدقه (ﷺ) وصحّة نبوّته، فقد أكدت الروايات الواردة عنهم اعتراضهم بأنّه النبيّ الذي بشّرت به الكتب.

ـ حيث قال عبد المسيح ـ العاقب ـ لهم: لقد علمتم ما لاعن قوم نبيًّا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم.

ـ وقال السيد للعاقب: قد والله علمتم أنّ الرجل لنبيٌّ مرسل ولئن لاعنتموه إنه لاستئصالكم.

ـ ولما رأى وفد نصارى نجران رسول الله (ﷺ) ومعه فاطمة والحسن والحسين وعلي، قالوا: هذه وجوه لو أقسمت على الله أنّ يزيل الجبال لأزالها ولم يباهلوا. (عجيبة، أحمد علي، نصارى نجران بين المجادلة والمباهلة، ص139)

إنَّ امتناعهم عن المباهلة برهانٌ واضح على نبوّته (ﷺ)، فما الذي كان يمنعهم من المباهلة لولا أنّهم عرفوا يقينًا أنّه نبي، وأنهم عرفوا صحّة نبوّته بالدلائل وبما وجدوا من نعته في كتب الأنبياء المتقدمين.

وإذ كان امتناعهم عن المباهلة يدل على صحّة نبوّته (ﷺ) فإنّه أيضًا يدل بالضرورة على صحّة ما جاء به من أنّ عيسى عبد الله ورسوله وأنّه ليس كما يقول النصارى إله أو ابن إله، ولذلك لو كانوا متيقنين من صحّة ما يقولونه في عيسى لما خافوا من المباهلة والدعاء باللعنة على الكاذبين.

إنّه قد ظهر بالدعوة إلى المباهلة انقطاع حجج المكابرين، ودلّ نكولهم عنها على أنهم ليسوا على يقين من اعتقادهم ألوهية المسيح، وفاقد اليقين يتزلزل عندما يدعى إلى شيءٍ يخاف عاقبته (عجيبة، أحمد علي، نصارى نجران بين المجادلة والمباهلة، ص150)

2 ـ طلب وفد نجران الصلح:

رفض القوم المباهلة وأرادوا صلحًا يدفعون بسببه الجزية، ووافق رسول الله (ﷺ) على الصلح، وحدّد لهم الجزية وكيفية تأديتها، وشرح لهم فيه الحقوق والواجبات، وأسس التعامل بينهم وبين المسلمين.

وقالوا لرسول الله (ﷺ): إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلاً أمينًا ولا تبعث معنا إلا أمينًا، فقال (ﷺ): «لأبعثن معكم رجلاً أمينًا حق أمين»، فاستشرف له أصحاب رسول الله (ﷺ) فقال: «قم يا أبا عبيدة بن الجرّاح»، فلما قدم قال رسول الله (ﷺ): «هذا أمين هذه الأمّة».

وفي قولهم: (إنّا نعطيك ما سألتنا) أي ما صالحكم عليه النبي (ﷺ) ألف حلّة في رجب وألف حلّة في صفر. (العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، 7/118)

وقد أكّد الكتاب الذي كتبه رسول الله (ﷺ) لأهل نجران عدالة الإسلام وسماحته في التعامل مع غير المسلمين، وفيه أيضًا التأكيد على حقوقهم وعلى التزام الدولة الإسلامية بحمايتهم وتوفير الأمن لهم، وعدم التدخل في شؤونهم الدينيّة بالتغيير أو خلافه، فلا يغير أسقف ولا راهب، ولا كاهن، ولا حق من حقوقهم ولا سلطانهم، لهم جوار الله ورسوله وأمانه وحمايته ما داموا ملتزمين بالصلح. (عجيبة، أحمد علي، نصارى نجران بين المجادلة والمباهلة، ص168)

3 ـ الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى:

عندما بين الله سبحانه وتعالى القول الحق في شأن عيسى عليه السلام وأقام الحجج والدلائل على الغالين فيه ـ بجعله ربًّا وإلهًا ـ ثم إلزامهم عن طريق الوجدان بما دعاهم إلى المباهلة، لم يبقَ إلا أن يأمر نبيّه بأن يدعوهم إلى الحق الواجب اتّباعه في الإيمان، ويدعوهم إلى أصل الدين الذي اتفقت عليه دعوة الأنبياء والرسل. (رضا، محمد رشيد، تفسير المنار، 3/267)

قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ  فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64].

إنّ النّبيّ (ﷺ) كان حريصًا على هداية القوم، وأورد على نصارى نجران أنواع الدلائل وأقام الحجة عليهم، ودعاهم إلى المباهلة كما أمره ربّه، ثم بعد الصّلح أمره بدعوتهم إلى كلمة سواء، والوصول إلى الحقيقة الإيمانية المجرّدة من الهوى والتعصّب، والتقييد الأعمى.

فالإيمان بالله وحده لا شريك له هو هدف الرسالات السماويّة، ولذلك دعاهم النّبيّ إلى هذا الإيمان الذي هو الأساس والأصل الذي يربط بين الرسالات السماويّة كلها.

لقد دعاهم النّبيّ (ﷺ) إلى الالتقاء عند هذا الأصل المشترك الذي يؤمن به كل أتباع الرّسل ﴿تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 64].

ولذلك كان النّبيّ (ﷺ) يدعو بهذه الآية أهل الكتاب إلى الإسلام كما ثبت في كتبه إلى هرقل، والمقوقس، وغيرهما، ولولا أن هذه الآية الكريمة أساس الدين وعموده لما جعلها آية الدعوة إلى الإسلام. (عجيبة، أحمد علي، نصارى نجران بين المجادلة والمباهلة، ص179)

___________________________________________________________

المصادر والمراجع:

  • التحرير والتنوير: محمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر، دون تاريخ.
  • تفسير المنار (تفسير القرآن الكريم)، محمد رشيد رضا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1990م.
  • روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي، باكستان: مكتبة إمدادية ملتان.
  • الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1407هـ، 1987م.
  • المسيح عيسى ابن مريم الحقيقة الكاملة، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 1440هـ.
  • نصارى نجران بين المجادلة والمباهلة، د. أحمد علي عجيبة، القاهرة: دار الافاق العربية، ط1، 2004م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى