المسلمون في سريلانكا
بقلم د. عبدالله بن فيصل الأهدل
سريلانكا أو سرنديب أو سيلان جزيرة تقع جنوب الهند؛ يسيطر عليها البوذيون، وفيها أقلية مسلمة متزايدة العدد والنسبة؛ يقارب عددهم الثلاثة ملايين.. وفيها ثلاثة ديانات رئيسة: الإسلام والنصرانية والبوذية، أخبرني أحد الحجاج السريلانكيين الذين قابلتهم في موسم الحج في أعقاب زلزال تسونامي إندونيسيا المدمر سنة 2004م أنَّ الإسلام انتشر في سريلانكا في أعقاب تسونامي -وكانت سريلانكا من الدول التي تضررت منه بشكل كبير-، وأخبرني أنَّ السبب هو أنَّ جثث المسلمين لم يكن المسلمون يتركونها ملقاة على الأرض -كما هو الحال في جثث المسيحيين والبوذيين-، بل يسارعون في أخذها وغسلها والصلاة عليها ودفنها.. كما أنَّ العفن لم يكن يُسارع إليها كجثث النصارى والبوذيين، فأسلم خلق كثير في سريلانكا نتيجة هذا المشهد وقالوا هذا دين عظيم. ويقول: لو كانت هناك دعوة منظمة للإسلام لربما أسلمت سريلانكا برُمَّتها في ذلك الوقت.
قبل أيام قليلة قررت حكومة سريلانكا البوذية حظر ارتداء الحجاب الإسلامي وإغلاق أكثر من ألف مدرسة إسلامية في أحدث إجراءات معادية بصورة صريحة للأقلية المسلمة في البلاد.. قال وزير الأمن العام -ساراث ويراسيكيرا- في مؤتمر صحفي -عقد قبل أيام-: إنه وقَّع كتابًا لموافقة مجلس الوزراء على حظر غطاء الوجه الكامل الذي ترتديه بعض المسلمات لأسباب تتعلق “بالأمن القومي”.
وقال ويراسيكيرا: إنَّ الحكومة تخطط لإغلاق أكثر من ألف مدرسة إسلامية؛ قال: إنها تنتهك سياسة التعليم الوطنية.. وأضاف: لا أحد يستطيع أن يفتح مدرسة وأن يعلم الأطفال كل ما يريد..
وتابع الوزير المذكور: في أيامنا الأولى لم تكن النساء والفتيات المسلمات يرتدين البرقع قط؛ إنها علامة على التطرف الديني الذي ظهر مؤخرًا… نحن سنحظره بالتأكيد…
وجاءت تحركات الحكومة بشأن الحجاب الإسلامي والمدارس الإسلامية في أعقاب أمر صدر قبل أشهر قليلة يقضي بإحراق جثث ضحايا كورونا والذي يعد إجراء ضد تعاليم الإسلام..
ونقول وبالله التوفيق:
إنَّ حربًا عالمية تجتاح عامة الأرض ضدَّ الالتزام والملتزمين بالإسلام؛ سمات هذه الحرب: مهاجمة الحجاب الإسلامي ومنع الذبائح الحلال والتضييق على المراكز الإسلامية والدُّعاة ومنارات العلم الشرعي..
وكل هذه الحملات الهوجاء تدلُّ على استهداف الكفار لدين المسلمين نفسه؛ وإلا فما شأن أولئك الكفار بملابس المسلمات وذبائح المسلمين ودراستهم الدينية؟!! وكلها أمور سلمية ليس فيها قتال ولا مواجهات ولا إرهاب مزعوم…
وقد كان لمسلمي سريلانكا نصيب من هذه الحملة، ولا ننسى ما كان قبل سنتين من حظر ارتداء الحجاب في سريلانكا بعد قصف لبعض الكنائس والفنادق من قبل مجهولين.. وقد كان المتوقع -عند العقلاء- حظر السلاح والقنابل وليس حظر الحجاب..
واليوم وبعد انتخاب غوتابايا راجاباكسا -وهو وزير الدفاع السابق المتهم بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان- رئيسًا للبلاد بعد أن وعد بشن حملة على الإسلام بزعم التطرف تَظهَرُ خطط إيذاء المسلمين وقهرهم..
إنَّ من الواضح امتلاء قلوب أولئك البوذيين غيظًا على المسلمين رغم قلة عددهم بالنسبة إليهم، وأضف إلى ذلك انشغال عامة المسلمين عن الدفاع عن إخوانهم المستضعفين..
وأدلة وجوب نصرة المسلمين المظلومين ظاهرة لا تخفى، ونصر المظلوم فطرة فطر الله عزَّ وجلَّ عليها البشر جميعًا؛ قال الشوكاني رحمه الله تعالى -عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾-: “فأغاثه؛ لأن نصر المظلوم واجب في جميع الملل”. اهـ [فتح القدير (4/ 233)].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول اللَّه صـلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ..». [رواه البخاري (2442)، ومسلم (2580)].
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنـه قال: قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». [رواه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللفظ له].
وقال صـلى الله عليه وسلم -أيضًا-: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى، ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه». [رواه مسلم (2564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنـه].
وفي بيان معنى الخذلان في هذا الحديث يقول النووي رحمه الله تعالى: “قال العلماء: الخذل: ترك الإعانة والنصر، ومعناه: إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي”. اهـ [شرح مسلم (16/ 120)].
وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنـه قال: «أمرنا النبي صـلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم…» الحديث. [رواه البخاري (1239)، ومسلم (2066)].
قال النووي: “وأما نصر المظلوم فمن فروض الكفاية، وهو من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنما يتوجه الأمر به على من قدر عليه ولم يخف ضررا”. اهـ [شرح مسلم (16/ 120)].
وهذه الأدلة -وغيرها كثير جدًّا- تجعل كل مسلم يستشعر حجم المسؤولية التي عليه تجاه إخوانه، ومهما كانت الأحداث متكاثرة والفتن متلاحقة فينبغي أن لا ننسى مسلمًا واحدًا يعيش في أقصى البقاع وأوعرها؛ ولن ندع الدعاء لإخواننا وبذل الممكن من الجهود للتذكير بالمسلمين وأحوالهم.. وهذه النصوص -بعمومها- ترشد لوجوب السعي لمعرفة واقع المسلمين وخطط الأعداء الذين يكيدون الشرَّ للمسلمين في كل زمان ومكان، ووجوب معرفة أحوال المسلمين المستضعفين في العالم، وأن يهتم المسلم لما يصيب المسلمين في أي مكان، وأن يُعرِّف بقضاياهم قدر الإمكان، وأن يعينهم بنفسه أو بماله أو بدعائه..
وما يحدث من كيد وفتك الكفار بالمسلمين ليس جديدًا، وقد أخبرنا الله تعالى بشدة عداوة الكفار؛ قال تعالى: ﴿… إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [النساء/ 101].
يقول الطبري رحمه الله تعالى: “… ثم أخبرهم جلَّ ثناؤه عما عليه أهل الكفر لهم فقال: ﴿… إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾، يعني: الجاحدين وحدانية الله كانوا لكم عدوًّا مبينًا، يقول: عدوًّا قد أبانوا لكم عداوتهم بمناصبتهم لكم الحرب على إيمانكم بالله وبرسوله، وترككم عبادة ما يعبدون من الأوثان والأصنام، ومخالفتكم ما هم عليه من الضلالة”. اهـ [جامع البيان في تأويل القرآن (9/123- 124)].
وقال تعالى: ﴿وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ [الممتحنة/ 2].
فمهما فتح حكام المسلمين أبواب نفاق لهؤلاء البوذيين -وغيرهم من الكفار- بفتح المعابد لهم، وتيسير حركاتهم وكفرهم وفجورهم في أرض المسلمين؛ فلن يؤثر ذلك في عدواتهم كما رأينا ونرى كل يوم من عباد الأصنام البوذيين تجاه المسلمين في الصين وميانمار وسريلانكا…
فيا أيها المسلمون اعرفوا عدوكم وانصروا إخوانكم واثبتوا حتى تلقوا الله عزَّ وجلَّ غير مبدِّلين..
أعزَّ الله تعالى عباده المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها..
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)