مقالاتمقالات مختارة

المسجد الأقصى على قيد الهدم

المسجد الأقصى على قيد الهدم

بقلم صالح عوض

أيُّ مشاعر وغيرة بقيت في صدور الأمة تكفي لكي تنتفض من أجل المسجد الأقصى؟ نكاد نجزم أن جملة المشاعر في صدور الأمة أصابها ما يصيب كل شيء حي من الموت أو الرقاد أو الغفلة أو التخدير.. ولكنه بلا شك أمر صعب أن تُمس الأمة في أقدس مقدساتها وتستكين للذل، كما هو حالها إزاء ما يحصل للمسجد الأقصى.

المسجد الأقصى ليس للفلسطينيين فقط، بل ليس للعرب فقط؛ انه المسجد المعجزة ليس كمثله مسجد في عقيدة الإسلام وله في روحانيات الدين وغيبياته الشطر الأهم والأخطر وهو مكان لزعامة الأمة وسيادتها، كما انه بوابتها للسماء روحيا وماديا ليروا الآيات الكبرى..

فكيف يتلقى العرب والمسلمون أخبار اقتحام المسجد الأقصى من قبل المستوطنين وإقامتهم طقوسهم في باحاته الشريفة، معتدين على الآمنين من المرابطين من نساء ورجال وصبية وشباب عزل بالضرب والاعتقال وشتى أنواع الاستفزاز، محاولين تكريس الأمر الواقع بتقسيم زماني ومكاني في الأقصى بين المسلمين واليهود.

القدس قدس العرب الكنعانية من عديد القرون تتعرض اليوم لعملية نهب واستحواذ يتورط فيها بعض من باعوا دينهم وشرفهم وارتضوا مكانة الذل والهوان.. القدس بعد أن أثبتت كل البحوث التاريخية والأثرية الغربية والإسرائيلية أن لا وجود تاريخي لليهود في القدس وأن أساطيرهم محض افتراء.. القدس العربية تتضاءل شيئا فشيئا، فبعد أن كانت القدس هي عاصمة فلسطين قسموها جزأين، والآن جاءوا إلى الجزء الذي أسموه الشرقية أو العربية ليقتطعوه جزءا بعد جزء، مغيِّرين معالم المدينة بعد أن اعتدوا على مقابر الصحابة والصالحين.

عمليا، يمكن اليوم وزن العمل العربي والإسلامي المنافح عن فلسطين والقدس والأقصى بمعيار من أقل المعايير قيمة وأهمية.. والأنكى من ذلك أن تتجه قوة العرب وثرواتهم لتصبح مادة قوة للأعداء الغربيين، ويتحالف النظام العربي في معظمه مع العدو الصهيوني، معترفا بالأمر الواقع وأن إسرائيل دولة ذات شرعية قانونية وتاريخية.

لقد زحزحونا عن حقنا عندما خدعونا بقبول دولة على 20 بالمائة من أرض فلسطين بما فيها القدس الغربية، وبعد ذلك بدأ الحديث عن تبادل أراض بمعنى نبادل أرضنا بأرضنا، وبعد رحلة التيه، اكتشف الفلسطينيون أن المفاوضات العبثية لم تكن إلا خدعة محكمة أدارتها المؤسسة الصهيونية مدعومة من المعسكر الامبريالي..

لم يبق من الضفة الغربية إلا 40 بالمائة ستكون مقترحة للفلسطينيين ليقيموا عليها دولتهم أو أي شيء له اسم من هذا القبيل مع أن نتنياهو يعلن الموقف الصهيوني أن لا تنازل أمنيا على كل فلسطين من النهر إلى البحر.. وغزة محاصرة، مقيدة باختلافات نفسية وسوء ظن وتنازع على السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية فيما شعبها يعاني الأمرين.

لكنها أمة ولود سينتفض فيها روح بومدين وبن باديس وعز الدين القسام وعمر المختار وعبد الكريم الخطابي، وقافلة الكرامة والإباء الممتدة على طول تاريخنا العظيم، ليكون مستقبلنا بيد أشرفنا وأقوانا وأعزنا وأوعانا وأزهدنا وأشدنا بأسا على عدونا وأكثرنا رحمة بنا.

عن صحيفة الشروق الجزائرية

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى