المربط الصفوي مقاربات عقدية وسوسيولوجية وسياسية وتاريخية “2”
إعداد أكرم حجازي
الفصل الأول : عقائد الرافضة ومرجعياتها
المبحث الأول
ماهية الشيعة و الرافضة
لا شك أن تعريف عقيدة الرافضة، بالمحتوى الفارسي لها قبل الإسلام وبعده، مسألة شائكة للغاية! فإذا ما توقف الباحث عند معاينة المصادر الأساسية للتشيع فسيجد نفسه وعقله إزاء:
(1) دين أشبه ما يكون بكتاب « الياسق» أو « الياسا» لجنكيز خان، والذي « اشتمل» بحسب « البداية والنهاية» لابن كثير: « على بعض الأحكام من المجوسية واليهودية، وبعض الأحكام اقتبسها من الشريعة الإسلامية، وأحكام أخرى وضعها من عنده، فجمع وغيَّر وبَدَّل كما يشاء»، مع ملاحظة أن مصنفات الشيعة، العقدية والتاريخية، أزخر ما تكون بالأهواء من أية فلسفة أو عقيدة وضعية، ناهيك عن أن تكون عقيدة إسلامية كما نزلت على محمد r؛
(2) دين يمتد، في جذوره، إلى ما قبل الإسلام؛ أو إلى الأديان الفارسية والبابلية، التي سيطرت على العالم القديم.
(3) دين على شاكلة كتاب« التلمود»، الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة بحياة اليهودي، باعتباره مفسرا وشارحا للتوراة، ومادتها الأساسية، ومتقدما عليها في بنية الشخصية « اليهودية» والمكونات الثقافة والنفسية لها.
لذا فالسؤال: ليس عما إذا كانت الرافضة قد التزمت بكلام الله، عز وجل، أو سنة نبيه r، أو غيرت وبدلت واستعانت بعقائد التحريف، أو استحدثت دينا جديدا، بل في التساؤل عن ماهية المرجعيات العقدية والاجتماعية والنفسية التي خرجت منها فرق الرافضة، وشكلت بمجموعها العقلية الرافضية في كل زمان ومكان ظهرت فيه عبر التاريخ، لاسيما عقيدة « الإمامية» أو « الجعفرية» أو « الاثنى عشرية» .. هذه الطائفة التي يصفها د. ناصر القفاري في مقدمة أطروحته في الدكتوراه أنها: « الطائفة الشيعية الأكبر في عالم اليوم»، والتي:« احتوت معظم الفرق الشيعية التي وجدت على مسرح التاريخ، وتمثل مصادرها في التلقي، خلاصة الأفكار الشيعية المختلفة ومستقرها التي ظهرت عبر الزمن، حتى قيل بأن لقب الشيعة إذا أُطلق لا ينصرف إلا إليها»[1]. بل أن الفرق الأخرى، رغم اختلافها وتباينها في بعض الأصول والفروع، وجدت في الطائفة « الاثنى عشرية» أو « الإمامية»، مظلة تستظل بها، وتحتمي بها، وتتحالف معها، وترتبط معها في المصير ذاته، في النوازل الكبرى.
أما بيان الفرق بين لفظتي « الشيعة» و « الرافضة» فسيعني في المحصلة الوقوف على النشأة والتباين في المواقف والعقائد بين اللفظتين. لكن وباختصار؛ فإن « التشيع» لفظة تعني الولاء أو الانحياز لأمر أو موقف ما، أو جهة ما، وسمي أهله بـ « الشيعة»، بخلاف « الرفض» الذي يعني التبرؤ التام من أمر ما، بحيث يستقر المفهوم على أهله باسم « الرافضة».
وبحسب أغلب المؤرخين والدارسين، مع بعض التباينات الوجيهة، فإن التشيع بدأ بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، على يد الخوارج سنة 35هـ، وتولي علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، الخلافة في ظروف عصيبة. وفي ذلك الحين كان معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، واليا على الشام. لكنه رفض مبايعة علي إلا بشرط الاقتصاص من قتلة عثمان. هذه الثغرة هي التي دفعت قتلة الخليفة إلى الانحياز لعلي، ومعهم مواليه ومن شايعه. وهؤلاء هم من حظي فيما بعد بلقب « شيعة علي»، وفي مرحلة لاحقة « الشيعة». لكن هذا التولي لم يكن ليعني بأية صورة قبول علي بما فعله القتلة، أو بما آل إليه التشيع على امتداد التاريخ الإسلامي. والأرجح أن علي بن أبي طالب، وبلسانه، وقع بين مطرقة المطالبين بالقصاص وسندان العجز واتساع دائرة الفتنة[2].
أما « الرافضة» فيغلب القول أنه ذلك الاسم الذي أُطلق على أولئك الذين رفضوا خلافة زيد بن علي، لأنه أبى على الغلاة من الشيعة التبرؤ من أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. وتبعا لذلك فالذين وافقوا زيدا سموا باسم « الزيدية». ويرى البعض أن الخوارج، وإنْ صاروا من شيعة علي، إلا أنهم أول من بدأ الرفض، حين رفضوا خلافة عثمان. وفي كلا الحالين فإن خلفية الرافضة الاجتماعية والسياسية وأسسها العقدية وغاياتها أشد سوء من خلفية الشيعة.
المهم في الأمر أن التشيع القائم، في صيغته الأولى، وكذا القائم على تفضيل « آل البيت» على غيرهم من الصحابة قد لا يكون خروجا عن الإسلام بقدر ما كان اجتهادا. وهؤلاء بلا شك واقعون، رغم غلوهم وبغيهم، في دائرة الإسلام وليس الكفر. لكن المشكلة في عقائد « الرافضة» التي قالت بـ « الولاية» و « الوصاية» و « البداء» و« التقية» و « الغيبة» و « الرجعة» و « العصمة» و « الحلول والاستنساخ» و « المتعة» و « علم الغيب» وإتيان « الخوارق والمعجزات» و « التحكم بذرات الكون»، وألَّهت عليا وفاطمة وفقهاءهم، وآمنت بـ « تحريف القرآن» وزادت عليه، و «وضعت الأحاديث»، وشابهت « الخوارج» في « إنكار السنة النبوية»، و « طعنت بأمهات المؤمنين»، و « كفرت الصحابة وعموم المسلمين» ما لم يكونوا في صفهم، وقالت بـ « ردة المسلمين» بعد وفاة النبي إلا من ثلاثة[3]! ، بل ودعت إلى حربهم وقتلهم وسبي نسائهم وذراريهم وعدم أكل ذبائحهم أو مناكحتهم، ووجوب لعنهم ومخالفتهم حتى في الحق، وجعلت منهم عدوها الأزلي … لذا فمن « الرافضة»، وليس من « الخوارج»، خرجت أغلب الفرق المنحرفة في الإسلام. أما لماذا؟
فلأن (1) التأريخ للتشيع العقدي، وليس السياسي، ( = الرفض) بدأ من عند عبدالله بن سبأ اليهودي، الذي وجد في التحالف مع رؤوس الخوارج أمثال عبد الرحمن بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر وغيرهم، من قتلة الخليفة عثمان، أقوى فرصة لتوطين الفتنة وتصعيدها! ولأن (2) العجم كانوا من بين جمهور الشيعة فيما كان جمهور الخوارج الأولين، قبل أن يتحولوا لاحقا إلى الجهمية والمعتزلة وأهل الكلام، من العرب الأجلاف وأهل الجفاء والغلظة في الطباع! ولأن (3) القوى المناهضة للإسلام، ممثلة بالزنادقة وأهل الأهواء والبدع والخصوم، من المجوس على وجه الخصوص، وجدوا في التشيع منفذا لتمرير معتقداتهم وأفكارهم وانحرافاتهم لممارسة الهدم بأمان من الداخل. أي تحت غطاء ديني. ولأن (4) طبيعة التشيع قامت على تقديس الأشخاص، بخلاف الخوارج الذين غلوا في الدين والأحكام.
ووفقا لوقائع التاريخ؛ فإن الانتقال من « التشيع العلوي» إلى « التشيع الرافضي» لا بد وأن يمر عبر (1) « اليهودية» أولا، و (2) « المجوسية» ثانيا، ثم (3) « الصفوية» ثالثا. وخلال هذه الرحلة الطويلة لا بد من ملاحظة أنه ما من فائدة تذكر في التفريق بين «التشيع العلوي» و « التشيع الفارسي» أو « الصفوي». وهو ما يعني بالضرورة أن الانحراف بنيوي في أساساته العقدية، وإلا ما كان له أن يواصل الانحراف إلى هذا المستوى طوال 1400 عام من البعثة النبوية. ولو كان الأمر غير ذلك لكان من الأولى أن ينحرف الإسلام في أصوله وفروعه عبر مذاهبه الأربعة.
حين معاينة عدد فرق الشيعة في المصادر التاريخية والدينية فسنجد رقما يتراوح ما بين 45 إلى 300 فرقة[4]. وكلها تجتمع على الأصول وتفترق عليها. بل أن المطلع على مصادر الشيعة « الإمامية»[5] لا يمكن له أن يلحظ اتفاقا ولو على مسألة واحدة. كما أن محتوياتها لا يقبلها عقل ولا دين. ولئن تميزت بتقديمها مادة خصبة للمستشرقين وخصوم الإسلام للطعن فيه، فإن شهادة المستشرقين أنفسهم، في محتوياتها، نأت بنفسها عن اعتبارها مصادر معتبرة، بل طعنت فيها أشد ما يكون الطعن، لكثرة ما احتوت من الأساطير والخرافات والمعجزات وحتى البهلوانيات. ووصل الأمر بالمستشرقين، وليس فقط بالمسلمين، إلى وصف ما يسمى بـ « المذهب الجعفري الاثنى عشري» بكونه دين جديد!!! لذا فقد اضطروا إلى الاعتماد على المصنفات الإسلامية لاستخراج ما أمكنهم من الشبهات للطعن في الإسلام.
في السياق تجدر الملاحظة إلى أن هناك من يقول، من علماء الشيعة ومفكريهم، كالموسوي وكمال الحيدري وعلي شريعتي، بأن مصنفات الشيعة قاطبة تعرضت للدس والتحريف من جهات مجهولة على مر التاريخ! وأن الدس بدأ على وجه الخصوص من العهد الصفوي. لكن السؤال الذي يبقى قائما هو: ما الذي يجعل من المصنفات الشيعية، وحتى طقوس عاشوراء، قابلة للتحريف على الدوام، ومرتعا للبدع، فيما تبقى المصنفات الإسلامية وشعائرهم محفوظة!!!؟ ولماذا يتقبل الشيعة التحريف لقرون طويلة حتى يستقر لديهم ثقافة؟ فيما يرفض عامة المسلمين أي تحريف من أي نوع كان ولو للحظة من الزمن؟
الجواب ببساطة ليس بسبب التخلف والجهل أو سياسة « الاستحمار» كما يقول د. علي شريعتي، بل لأنه فعلا دين جديد. فأي دين وضعي سيكون قابلا بالضرورة للتشكُّل، زيادة ونقصانا، بحسب الحاجة ومصالح القائمين عليه. ودين الرافضة، كـ « النصرانية» و « اليهودية»، هو « دين كهنوتي» بامتياز، تديره طبقة، أفرزتها العقائد ذاتها. وما حصل بالضبط هو إسقاط هذه العقائد، المتعددة المصادر والمنابت، على الدين الإسلامي في كل صغيرة وكبيرة. وهو ما نجده صريحا في كافة المصنفات الشيعية بلا استثناء، فضلا عن خطاباتهم الوعظية في الحسينيات. وبطبيعة الحال لا يمكن أن تكون النتيجة إلا دينا جديدا. لكن هذه النتيجة لا يتوقف عندها الشيعة، بقليل أو بكثير، بقدر ما يتحينون الفرص، ويجتهدون في إشاعة وتوطين البدع والانحرافات والكفر والموبقات والزندقة والإباحية ليس بين أتباعهم بل في عموم بلاد العالم الإسلامي.
وفيما يلي بعض النماذج من أقوال علماء الشيعة وفقهائهم حيث لا إله فيها بريء، ولا دين، ولا رسول، ولا آل بيت، ولا صحابة، ولا سابقون، ولا لاحقون، ولا عامة المسلمين:
يقول نعمة الله الجزائري عن عامة المسلمين: « لم نجتمع معهم على إله ولا نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيه، وخليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا»، ( الأنوار النعمانية 2/279) . ويروي الكليني عن أبي جعفر قوله: « كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري»، ( روضة الكافي: 8/246)، وينسب رواية لجعفر بن محمد الصادق يقول فيها عن أمة محمد، r، بأن: « هذه الأمة أشباه الخنازير، هذه الأمة الملعونة»، (الكافي: 1/336). أما الخميني فقد وصف العرب في ( كشف الأسرار* /20): بـ « وحوش نجد». وفي رواية أخرى له في نفس الكتاب: « إن الناس كلهم أولاد زنا أو قال بغايا ما خلا شيعتنا»، ( الروضة 8/135). لذا فهم بالنسبة إليه في موضع آخر من ذات الكتاب: « كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنـهم شر من اليهود والنصارى، وإن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه في الإمامة»، (الأنوار النعمانية 2/206-207)[6].
وينقل الخميني أيضا عن أبي إسحاق الأرجاني قوله:« قال أبو عبد الله: أتدري لم أمرتم بخلاف ما تقول العامة؟ فقلت: لا أدري. فقال: إن علياً لم يكن يدين لله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلتبسوا على الناس»، ( التعادل والترجيح/82).
وفي رواية عن داود بن فرقد وردت في ( وسائل الشيعة 18/463)، و ( بحار الأنوار 27/231)، جاء فيها: « قلت لأبي عبد الله u: ما تقول في قتل الناصب؟ فقال: حلال الدم، ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل». ويعلق الخميني عليها بقوله: « فإن استطعت أن تأخذ ماله فخذه، وابعث إلينا بالخمس».
وفي كتابه« كشف الأسرار، ص55» يقولالخميني: « من الواضح أن النبي لو كان قد بلَّغ بأمر الولاية طبقا لما أمره الله وبذل المساعي في هذا الأمر لما نشبت في البلدان الإسلامية كل تلك الخلافات والمشاحنات والمعارك»! وفي نفس الكتاب (ص 123)، ينقل عن المجلسي القول: « إننا لا نعبد إلهاً يقيم بناء شامخا للعبادة والعدالة والتدين، ثم يقوم بهدمه بنفسه، ويُجلِس يزيداً ومعاوية وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس، ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبي».
وفي باب اللعن والسباب، الفريضة الثانية لدى الشيعة، يقول الخميني: « غيرنا ليسوا بإخواننا وان كانوا مسلمين. فلا شبهة في عدم احترامهم بل هو من ضروري المذهب كما قال المحققون، بل الناظر في الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرقة لا يرتاب في جواز هتكهم والوقيعة فيهم، بل الأئمة المعصومون، أكثروا في الطعن واللعن عليهم وذكر مساوئهم»، ( المكاسب المحرمة1/251). وأورد أبو الحسن المرندي في ( مجمع النورين، 208)، حديث علوي نقل من خط محمد بن الحسن الحر العاملي المجاور بالمشهد المقدس الرضوي، جاء فيه: « أن أمير المؤمنين كان يطوف بالكعبة فرأى رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يصلي على محمد وآله ويسلم عليه ومر به ثانيا ولم يسلم عليه فقال يا أمير المؤمنين لمِ لمْ تسلم علي هذه المرة فقال: خفت أن أشغلك عن اللعن وهو أفضل من السلام ورد السلام ومن الصلوة على محمد وآل محمد». أما الخوئي في ( مصباح الفقاهة، 1/323) فقال: « ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم، وإكثار السب عليهم، واتهامهم، والوقيعة فيهم: أي غيبتهم، لأنهم من أهل البدع والريب. بل لا شبهة في كفرهم، لان إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم، والاعتقاد بخلافة غيرهم، وبالعقائد الخرافية، كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة، وتدل عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية، وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة، وما يشبهها من الضلالات. ويدل عليه أيضا قوله (ع) في الزيارة الجامعة: ومن جحدكم كافر».
وعن زواج المتعة نسب فتح الله الكاشاني لجعفر الصادق القول: « إن المتعة من ديني ودين آبائي، فالذي يعمل بها يعمل بديننا, والذي ينكرها ينكر ديننا بل إنه يدين بغير ديننا، وولد المتعة أفضل من ولد الزوجة الدائمة، ومنكر المتعة كافر مرتد»، (منهج الصادقين/356).وفي التفاصيل فإن زواج المتعة يعفي الشيعي من إتيان أية فضيلة تذكر، فضلا عن ارتكاب أعظم الموبقات كون التمتع يوفر له حصانة مضطردة، ويسبغ عليه جبال من الحسنات وعفوا وغفرانا من الذنوب، بل ويحيلها على أهل السنة يوم الحساب!!!!
مع هذه الأحكام؛ سيكون من البلاهة والجهل المدقع أن يأتي أحد ما ليقول بأن هذه النماذج من الروايات يجري الاستدلال بها لإدانة عقائد الشيعة في حين أنها مجرد سقطات هنا وهناك. وسيكون من الغبن الاعتقاد بأن هذه العقائد متناثرة في كتب الشيعة، وأنها تقع في سياق الاجتهادات أو الغلو الموجود في كل مذهب أو دين. فالمسألة تتعلق بنحو 300 ألف حديث موضوع. والحقيقة أن الحديث يجري عن « دين الإمامية» كما يسميه ابن بابويه القمي .. « دين لا لقاء فيه من قريب أو من بعيد … »، ومن « ضرورياته» عند المجلسي في « الاعتقادات – 90 و التوحيد 331»: « استحلال المتعة، وحجّ التّمتّع، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية». أما عند الخميني، ولدى حديثه عن مناقب الأئمة الاثني عشر،فيذكر في كتابه ( الحكومة الإسلامية /52): « إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل .. وقد ورد عنهم (ع) أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل».
فالخلاف، إنْ صح التعبير أصلا، بين المسلمين والشيعة، واقع في: (1) أصول العقائد وفروعها، وفي (2)
منظومة التشريعات برمتها، وفي (3) منظومات القيم والأخلاق، وفي (4) الأهداف والغايات، وحتى في (5) الشعائر، وفي (6) قابلية العقل للأساطير والخرافات … بحيث يستحيل الاجتماع، ولا حتى عبر ما يسمى زورا بالتقارب أو « التقريب بين المذاهب»، وكأن الشيعة « الإمامية» مذهب من المذاهب التي يمكن التعبد بها. فما الذي يمكن التعبد به مع هكذا عقائد لا يمكن الالتقاء معها لا على إله ولا دين ولا رسول ولا صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صوم ولا جهاد ولا حقيقة توافق الفطرة أو يستسيغها العقل!!!؟
الحقيقة الأعجب في « دين الإمامية»، أن « الرافضة» اعتمدت، في مسيرتها التأصيلية له، منهجا تخريبيا لا نظير له في كافة الأديان الوضعية. والمسألة هنا تتعلق بالدرجة الأساس في صياغة الرواية الشيعية، عبر منهج التعويم للمسألة الواحدة، سواء تعلق الأمر بفتوى أو حديث أو حدث تاريخي أو صفة أو موقف أو نقل أو استشهاد أو إسناد … . فلو طلب مثلا أحد العامة من الشيعة من مرجع شيعي أن يخبره عن لون قلم أزرق فسيتلقى إجابة بأنه كذلك. لكن لو تلقى عشرة مراجع ذات السؤال فسوف يكون للقلم عشرة ألوان! ولأنه من المستحيل، بمثل هذا المنهج، الوصول إلى الحقيقة بالنسبة لعامة الشيعة، فسيكتفي أحدهم باختيار لون ما، والتعبد به بقية العمر، بقطع النظر عن صحة الاختيار من خطئه. هذا هو بالضبط ما يسمى بـ « مبدأ التقليد»، الذي يعتمده ملأ « الإمامية»، فـ: « على كل شيعي يبدأ الصلاة بسن البلوغ أن يختار شخصا، عالما فقيها في الدين، مرجعا ويقلده، أي يتبع رسالته ويكون ملزما باتباع فتواه».
وتبعا لذلك صار « دين الإمامية»، وأمثاله، من الفرق الضالة، يتسع (لـ) ويجمع (بين) المؤمن والكافر، والملحد والزنديق، والظالم والمظلوم، والمجرم والبريء، والكاذب والصادق، واللص والنزيه، والخائن والأمين، والعاهر والعفيف، والضال والمضل … دين يقدم « الإمامة» كما لو أنها رسالة سماوية، تساوي النبوة أو الرسالة أو تزيد عنهما!!! بل صار الشيعي يؤمن بالإمام وخوارقه أكثر مما يؤمن بالله خالقه، ويأخذ دينه من الإمام والفقيه والمجتهد وكل أفاك أثيم، كما يأخذه من الله وسنة الرسول … يكفر حيث ينبغي عليه أن يؤمن، ويؤمن حيث يجب الكفر والبراءة منه.
وقد يبدو الأمر، حتى للمتابع والمطلع على عقائد الشيعة، أقرب ما يكون إلى الهزل والسخافات، لكثرة التناقضات وما تحتويه من أساطير وخرافات صرفة، وخوارق وأكاذيب وما إلى ذلك. والحقيقة أن مثل هذا المنهج، في الرواية، لا يمكن أن يكون له من غاية إلا التحريف والتخريب والمسخ والتدمير للإسلام، وحتى لأطروحة آل البيت التي يتسترون بها لتحقيق غاياتهم. وبالتأكيد سيكون الأمر مريعا، حين يتجاوز هذا المنهج حدود الرواية، ليغدو الأساس الذي يقوم عليه نمط الحياة برمته، سواء في السياسية والاقتصاد والمال والتجارة، أو في الاجتماع والتحالفات والعلاقات، أو في الأخلاق والقيم، أو في التاريخ والحضارة والدين، بكل تفصيلاتها. وهذه النتيجة هي التعبير الأمثل عن ثقافة المجوس من الفرس ولا شيء آخر.
[1] د. ناصر القفاري، « أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية: عرض ونقد»، المجلد الأول – ط1، 1993، ص10.
[2] بويع علي رضي الله عنه بالخلافة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وكان كارهاً رافضاً البيعة، وما قبلها إلا لإلحاح الصحابة عليه، وفي ذلك يقول رضي الله عنه:
« ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنما صدع قلبين، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى). رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وعندما تمت البيعة لعلي رضي الله عنه، دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة رضي الله عنهم وطلبوا إقامة الحدود، والأخذ بدم عثمان رضي الله عنه. فاعتذر علي رضي الله عنه عن هذا الأمر مؤقتاً لأن هؤلاء القوم لهم مدد وأعوان، فطلب منه الزبير أن يوليه الكوفة ليأتيه بالجنود، وطلب طلحة البصرة ليأتيه بالمدد، للسيطرة على الخوارج والأعراب وكسر شوكتهم. فقال علي رضي الله عنه مهلاً علي حتى أنظر في الأمر.
وانتظروا، ولم يكن انتظارهم طويلاً، فاجتمعوا ومعهم عدداً من الصحابة رضي الله عنهم بعلي رضي الله عنه، فقالوا: « أن هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم الرجل، وأحلوا بأنفسهم. فقال لهم: « يا إخوتاه، أني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم!؟ ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، هم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا، فهل ترون موضعاً لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا. قال: « فلا والله لا أرى إلا رأياً ترونه إن شاء الله. أن هذا الأمر أمر جاهلية، وإن لهؤلاء القوم مادة … إن الناس من هذا الأمر إن حُرك أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق، فاهدؤوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا». وقال رضي الله عنه: « أن الأمر الذي وقع لا يدرك إلا بإقامته، وإنها فتنة كالنار، كلما استعرت ازدادت واستنارات» .
[3] بحسب أحاديثهم هم: عمار والمقداد وسلمان، رضي الله عنهم! وبهذا المعنى يكون حتى « آل البيت» مرتدين.
[4] ينقل الباحث العراقي، علي الكاش منها: « الكيسانية، العبيدية، الرافضة، الشيخية، القرتية، البابية ( البابكية ومنها فرقة المحمرة)، التعليمية، الكريمخانية، الخطابية، الزيدية، الدرزية، المخطئة، المستعلية، الحافظية، الجارودية (3 فرق)، البترية، الدكينية، الخلفية، الخشبية، السبعية، المختارية، المرئية، الإسحاقية، الحربية، السبئية، السيابية، الكربية، الواصلية السبعية ( الصاحبية والناصرية). البهرة ( هم ثلاث فرق علوية وداودية وسليمانية)، الكاملية ( الكميلية)، الأبرقية، الممطورة، =
= السميطية، الأفطحية، الواقفية ( الواقفة)، الثلاث عشرية، النفيسية، البزيغية، القرامطة، النصيرية، اليعفورية، الغرابية، الربعية، اليعقوبية، الغمامية، الإسماعيلية، الأزورية، الإثنى عشرية ( الإمامية)، الكشفية، البيانية، الرزامية، السنانية، الصالحية، البثرية، الخرمدينية، التوابين، الكربية، الباقرية، الجناحية، الجعفرية الواقفة، الطالبية، الشميطية، الحلولية، المباركية، الغالية، الكاملية، العلبائية، المغيرية، المنصورية، الشريعية، الطيارية، العجلية، العميرية، الكيالية، النعمانية، اليونسية، النحيلة، القطيعية، الغرابية، المحمدية، الحسينية، الشيخية، الزرارية ( التميمية) الجريرية، اليمانية، الرنودية، الصفرية، الأحمرية، الحصنية، ( الأحمدية)، المهدوية، الحشاشون، القاديانية، الرشتية، العقبية، الركنية، الكوهرية، النوربخشية، الثنوية، الهشامية (4 فرق)، الشيطانية ( شيطان الطاق)، الميمونية، الخابطية، الأغاخانية، المفضلية الموسائية، المفضلية، النزارية ( الصباحية أو الحميرية). والذمية( بفتح المعجمة، سموا كذلك لذمهم النبي محمد)، البدائية ( وهم القائلون بجواز البداء على الله تعالى لعدم علمه بعواقب الأمور». « مختصر اليمانيات المسلولة على الرافضة المخذولة/7»، … إضافة إلى الفرق الجديدة التي استحدثت كالصفوية والشبك والعلى اللهية والأباضية والقزلباشية والبكتاشية وغيرها في الدول العربية وإيران والهند والباكستان والأفغان إلى الفرق المذكورة، والفروع الأخرى التي تشعبت عن القديمة … علي الكاش، « اغتيال العقل الشيعي: دراسات في الفكر الشعوبي»، منشورات E – ktub، لندن – المملكة المتحدة، ط1/ 2015، ص 220.
[5] مصنفات الشيعة الرئيسية هي: (1) « الكافي»، لمحمد يعقوب الكليني، وورد في مقدمته (ص25) أنه عرضه على الإمام الثاني عشر في سردابه في سامراء، فقال الإمام الثاني عشر سلام الله عليه « الكافي كاف لشيعتنا». و (2) « الاستبصار» و (3) « التهذيب»، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، و (4) « من لا يحضره الفقيه»، لأبي جعفر، محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه القمي، الملقب بالشيخ الصدوق. وتضمنت المصنفات الأربعة 44244 حديثا. أما بقية المصادر فقد كتبت قبل قرون قليلة لا تتعدى الثلاثة الأخيرة إلا بعقود قليلة، وتصادف تدوينها خلال العهد الصفوي. من أبرزها في القرن الحادي عشر الهجري: (1) « الوافي»، لمحمد بن مرتضى الملقب بالفيض الكاشاني المتوفى سنة 1091هـ، و (2) « بحار الانوار»، لمحمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1110هـ، و (3) « وسائل الشيعة»، لمحمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة 1104هـ، و (4) « مستدرك وسائل الشيعة»، للمرزا حسين النوري المتوفى سنة 1320هـ. مع الإشارة إلى مؤلف « سليم بن قيس الهلالي»، المتوفي سنة 76هـ، ويعتبره المجلسي « أصل من أصول الشيعة وأقدم كتاب صنف في الإسلام». لكن الشيعة تبرؤوا منه لكونه يتحدث عن 13 إماما وليس 12. وفيما خلا هذه الجزئية يبقى الكتاب مصنفا يصعب التخلي عنه بالجملة. نفس المرجع.
* بالتأكيد؛ لم تكن مصادفة أن يكون هذا الاسم للكتاب اختيارا اعتباطيا لدى الخميني. فهو ذات الاسم الذي سبق واختاره أبو يعقوب السجزي لأحد كتبه، وهو أحد كَتَبَة فرقة « القرامطة» ومؤرخيها آنذاك.
[6] إنْ كان ما قاله الجزائري وأمثاله بحق المسلمين من الماضي « المدسوس»، فإن من النماذج الحية والراهنة على تكفير المسلمين، ما نقله الموقع الرسمي لأهل السنة والجماعة عن وكالة « مهر» الإيرانية للأنباء ((29/2/1387 بحسب التقويم الإيراني))، من تصريحات وردت على لسان الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد وهو يقول: « إن فاطمة الزهراء كانت أسوة لجميع الأنبياء والأئمة والصالحين»، وأضاف: « إن الله تعالی مع أسمائه قد تجلّی في صورة فاطمة الزهراء وإنه تعالی يعرّف نفسه إلی العالمين عن طريق فاطمة». وتابع قائلاً: « إن مصير العالم والكون في اختيار فاطمة وهي التي تتصرف في العالم كيف تشاء». وأكد أحمدي نجاد علی أن « العالم لم يتحمل مصيبة مثل مصيبة فاطمة، وأن الأشقياء هم الذين ظلموها، لأنها خلاصة الكون». وأضاف بالقول: « إن الذين ظلموها هم الذين لا يؤمنون بالنبي ولا بالرسالة ولا بالإمامة ولا بالله تعالی، والظلم بالنسبة إلی فاطمة ظلم إلی الله تعالی»! راجع بالفارسية: « حضرت زهرا (س) الگوی همه پیامبران ، ائمه و صالحان است»، موقع وكالة « مهر»: http://cutt.us/N8QT. =
= وكذلك ما نقلته وكالة « الأناضول» التركية للأنباء من تصريحات للمرشد نفسه، علي خامنئي، في كلمة له نقلها الأمين العام لـمجلس صيانة الدستور، أحمد جنتي، في 25/2/2016، بمناسبة تأبين 46 إيرانيا قتلوا في سوريا، حيث وصف القتال الدائر في سوريا بأنه: « حرب الإسلام على الكفر». موقع« الجزيرة نت»: http://cutt.us/QwNbq. الطريف أن ما يقوله الرئيس نجاد بات« ثقافة كفر» فولوكلورية لدى عامة الشيعة. وهذا فيديو بعنوان:« لا إله إلا الزهراء – 7/10/2010، نشره الشيخ أبو المنتصر البلوشي على قناة« وصال»، عن تأليههم لفاطمة الزهراء، رضي الله عنها. على موقع « يوتيوب»: http://cutt.us/SjBh، وفيديو آخر بثته قناة« وصال»، ونشر في 23/11/2011 على موقع « يوتيوب»: http://cutt.us/Ut2ZE بعنوان: « معمم شيعي يقول أن فاطمة الزهراء إله»، وأخرى للمعمم رضوان الدرويش تقول بأن « فاطمة من حريم الله»!، موقع « يوتيوب»: http://cutt.us/ogglH
(المصدر: رسالة بوست)