مقالاتمقالات مختارة

الماسونية في العالم العربي.. بين التهويل والتسفيه

الماسونية في العالم العربي.. بين التهويل والتسفيه

بقلم صلاح الدين حفافصة

موضوع الماسونية يعتبر مؤخرا موضوعا دسما للكتابة فيه، فلا يمر يوم تقريبا بدون أن يمر علينا منشور أو مقطع فيديو أو مقال يتحدث عن الماسونية وكيف تتحكم في العالم وتسيّره في الخفاء، وعلى النقيض من ذلك ستجد من يسفّه هذا الأمر ويستصغره ويعدّه نوعا من الهوس بنظرية المؤامرة.. نحاول في هذا المقال توضيح الأمور وكشف الابهام المحيط بموضوع الماسونية عندنا في العالم العربي.

لا يمكن لأي عاقل أن ينكر أنّ الماسونية موجودة بالفعل ككيان قائم يتم إدارته من خلال منظمة عالمية تتكون من أناس يتشاركون نفس الأفكار والتوجهات، وعادة ما يتم ربط الماسونية بعبادة الشيطان والإلحاد والشر المطلق، وهذا الكلام صحيح من نواحٍ عدة، ولكن الماسونية حسب ما هو مُدوّن لا تفرض على أتباعها اعتناق دين معين، حيث ألغت قانون الزام الأفراد المنضمين لها بأن يكونوا ملحدين أو عبدة للشيطان سنة 1815 ببريطانيا أثناء تعديل الدستور الماسوني آنذاك، هذا الدستور المشكّل من أربعين صفحة الذي كتبه جيمس أندرسون عام 1723 وقال أنه اقتبس أحكامه من كتب الفراعنة والفلاسفة.

و حقيقة لا يمكننا الجزم بصحة هذه المعلومات أو محاولة إعطاء صورة بريئة وجميلة للماسونية وأعضائها، فهي منظمة لها منهج ظاهر وآخر باطن لا يطلّع عليه إلا القليلون، ولكن المثير للسخرية أنّ هناك صفحات على مواقع التواصل الإجتماعي وقنوات على اليوتيوب في عالمنا العربي صارت تخبط خبط عشواء، وتلصق أي مشكلة أو أزمة صغيرة كانت أم كبيرة تقع عند العرب والمسلمين بالماسونية، وتحمّلها المسؤولية بدون أي قيد أو شرط، وكأنّ الماسونيين لديهم قوى خارقة أو لا همّ لهم إلا المسلمين والعرب ليل نهار.

ونقول أنّ الماسونية ببساطة هي منظمة لديها أهداف تعمل لتصل إليها بعيدا عن كونها صالحة أو شريرة، ويمكن أن نصنّفها مثل باقي الطوائف حول العالم التي تعبد أشياء غريبة وتحمل أفكارا شاذة، ومما لا شك فيه أنّ الماسونية تتميز بالقدرة المالية الضخمة التي تسمح لها بالانتشار والعمل في كل دول العالم، ومن بينها بالتأكيد الدول العربية والاسلامية التي تتغلغل فيها من خلال بعض الهيئات والمنظمات الخيرية والعملاء المأجورين ورجال مال، وقد رُصد بالفعل وجود مؤسسات خيرية تابعة للمنظمة العالمية الماسونية تنشط في دول عربية منها دول مغاربية، كما سُجل بضعة مئات إن صح القول قد شاركوا في المحافل الماسونية التي تقام بشكل سري وبعيدا عن الأنظار.

وكما أشرنا في العنوان فإن نظرة العرب للماسونية على فريقين، الأول يهوّل من تأثيرها وقدرتها على الاختراق والتدمير وأنها هي من تعيّن الرؤساء والحكومات التي تسيّرنا، والفريق الآخر يستصغر من أمرها ويراه مجرد تفاهات لا أساس لها من الصحة، ويمكننا القول أنّ كلا الفريقين على جانب من الخطأ، فالماسونية موجودة على الأرض ولها نشاطاتها وأعضائها، ولكن في نفس الوقت هي لا تملك تلك القدرة الخارقة التي تسمح لها بفعل ما تريد ومتى شائت في أي بقعة في العالم، كما أنّها بدون شك لا تعيّن الرؤساء والملوك الذين يحكمون الدول العربية، وإن كانت وجدت نصيبا من الحرية أثناء حكمهم، مما شكّل نوعا من الغموض حول العلاقة التي تربط الحكام بالماسونية، ومدى صلتهم بالتنظيم العالمي الذي يسيّر الأعضاء الماسونيين حول العالم.

نظرتنا للماسونية ينبغي أن تبنى على أساس موضوعي بعيد عن الخرافات والتهويل أو التقزيم والتحجيم، حتى نتمكن من التشخيص الفعلي لهذه المنظمة ومدى قدراتها الفعلية، والغريب أنّ كلا الفريقين من يهول ويستصغر الماسونية لا يقومون بأي شيء لمواجهتها سوى كثرة الكلام والنحيب، فلو جزمنا بأنّ الماسونية منتشرة بشكل كبير بين الشباب العربي، فما هو السبيل للحدّ منها؟ وكيف يمكننا تحصين أفكار الشباب وعقيدتهم حتى لا يغترّوا بالماسونية ويذعنوا لها؟

ربما لاحظ جميع من قرأ المقال أنّني لم أتعمق في الحديث عن الماسونية وطبيعة هيكلتها وطقوسها، فهذا ليس الدافع لكتابة المقال، ولكن أردت منه توضيح الطريقة التي يتعامل بها العرب مع هذا الموضوع، فلو كلّ واحد منا لزم ثغره، وعمل على نشر الوعي وتحبيب الاسلام وشرعه للناس، لما وجد الماسونيون أو غيرهم موطء قدم في بلداننا، فبعض الأطراف تستغل هوس الناس بالبحث عن الماسونية وأسرارها، وتعمد الى جعل الجماهير تغوص في مثل هذه الأمور حتى تخلو لهم الساحة لفعل ما يريدون

هذه دعوة للعمل بجدّ لبناء وعي هذه الشعوب ووضعها أمام الواقع بكل موضوعية، وربطها بدينها وعقيدتها وشرع ربّها، الذي بيّن لها خيري الدنيا والآخرة، ووعدهم بالسيادة والتمكين والأمن إذا ما قاموا بأوامره، وانتهوا عند حدوده، فالأمر بسيط وليس معقدا كما يظن البعض، يحتاج ارادة ونية خالصة لوجه الله سبحانه للعمل لأجل هذا الدين وهذه الأمة التي تعصف بها رياح الشهوات والشبهات، والتي تعاني منذ عقود من الظلم والقهر وطمس الهوية.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى