مقالاتمقالات مختارة

القمة الإسلامية المصغّرة.. حقائق ومؤشرات

القمة الإسلامية المصغّرة.. حقائق ومؤشرات

بقلم إبراهيم هاشم السادة

أيامٌ قليلة تفصلنا عن حدث عظيم قد يلقي بظلاله على مجريات الأمور في الشرق الأوسط ويتعدى إلى أقاليم أخرى مجاورة، حيث أعلن رئيس الوزراء الماليزي الدكتور مهاتير محمد أن بلاده ستستضيف قمة إسلامية مصغرة، تضم 5 دول هي: ماليزيا، وإندونيسيا، وباكستان، وتركيا، وقطر، وبمشاركة عدد كبير من القادة والمفكرين والمثقفين من العالم الإسلامي يناهز الخمسمائة مشارك، وقال رئيس الوزراء الماليزي إن القمة ستتمحور حول «دور التنمية في الوصول إلى السيادة الوطنية»، وأضاف أن هذه القمة ستعنى بتناول قضايا العالم الإسلامي، واقتراح الحلول المناسبة لها، في حين أكد أن تلك الدول تجمعها هواجس ومشاكل مشتركة.
قال مهاتير محمد، وكأنه يعني طمأنة المتوجسين من عقد هذه القمة، إن القمة الإسلامية المصغرة ليست بديلاً عن منظمة التعاون الإسلامي، وأضاف «لقد أردنا البداية مع عدد قليل من الدول، لمناقشة مشاكلنا وإيجاد الحلول، لذا اخترنا 5 دول». والجدير بالذكر أن منظمة التعاون الإسلامي قد تأسست في الرباط عام 1969، قبل أن ينقل مقرها إلى مدينة جدة السعودية، وتضم المنظمة في عضويتها 57 دولة ذات غالبية مسلمة من أربع قارات، هي: أوروبا، وإفريقيا، وآسيا، وأميركا الجنوبية، ومن المفارقات أن أول أمين عام لها هو الماليزي السيد تونكو عبدالرحمن (1970 – 1974).
وفي قراءة مختصرة للواقع السياسي للدول الخمس ولمؤشراتها البشرية والتنموية وإمكاناتها العسكرية، يتضح لنا مدى قوة هذا التحالف وانسجامه وثقله، وبالتالي فرص نجاحه في خلق بيئة أكثر ديناميكية في التعامل مع القضايا المتعلقة بدول التحالف الجديد، ولعب دور فعّال في قضايا الأمة الإسلامية في الوقت الذي تبدو فيه منظمة التعاون الإسلامي منقسمة على نفسها ومشلولة الحركة، وتتجاذبها حسابات دولية وإقليمية لا تخدم مصالح الشعوب الإسلامية ولا مستقبلها. ويشكل تعداد سكان التحالف الجديد ما يقارب نصف تعداد سكان الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مما يجعل هذه الدول الخمس مركز ثقل المسلمين، خصوصاً إذا ما أضفنا للعنصر البشري إمكاناتها المهولة والتي تتمثل -لا حصراً- فيما يلي:

أولاً: الجغرافيا
يمتد هذا التحالف، إذا صح التعبير، من تخوم أوروبا، حيث مدينة اسطنبول التركية، مروراً بالخليج العربي، فباكستان المطلة على بحر العرب، وصولاً إلى جنوب شرق آسيا، حيث ماليزيا، ومن ثم إندونيسيا في أقصى الجنوب الآسيوي، بطول يعادل تقريباً نصف قطر الكرة الأرضية، ويغطي مساحة تعادل أربعة ملايين كم2، ويشرف على ثمانية أبحر مهمة هي المحيط الهندي، وبحر العرب، والبحر الأبيض المتوسط، وبحر الصين، والخليج العربي، وبحر تيمور، والبحر الأسود، وبذلك يمتلك العديد من الموانئ الحيوية التي تلعب دوراً رئيساً في حركة التجارة العالمية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ميناء جوادر الواقع شرقي باكستان على بحر العرب، والذي يعتبر الطرف الغربي لطريق الحرير الجديد، حيث يربط بين شمال باكستان وغرب الصين بالمياه العميقة في بحر العرب.
وتشرف تلك الدول أيضاً على عدة مضائق وممرات بحرية منها اثنان من أهم الممرات المائية في العالم، إحداها مضيق ملقا الواقع بين إندونيسيا وماليزيا الذي تمر من خلاله ربع الملاحة العالمية ونصف تجارة العالم من النفط وبمعدل 50 ألف سفينة سنوياً، والثاني مضيق البسفور، حيث تعبر من خلاله الصادرات النفطية لدول بحر قزوين التي تشكل 3% من إنتاج النفط العالمي، وبمعدل 48 ألف سفينة سنوياً، كل ذلك يعطيها الفرصة في عمل تحالفات مع الدول الواقعة في أقاليمها، مما يوسع دائرة تأثير هذا التحالف سياسياً واقتصادياً.

ثانياً: القوة العسكرية
حسب مصادر دولية حديثة (Business insider)، يضم التحالف ثلاثة من أقوى خمسة وعشرين جيشاً في العالم، حيث تحتل تركيا المركز التاسع، تليها باكستان في المركز الخامس عشر، وهي الدولة الإسلامية الوحيدة من بين تسع دول في العالم تمتلك سلاحاً نووياً، وتأتي إندونيسيا في المركز السادس عشر.
ويمثل تعداد أفراد جيوش دول القمة المصغرة تقريباً نصف تعداد جيوش الدول الإسلامية مجتمعة، وهي تمتلك الإمكانات الأكبر في التصنيع العسكري في مختلف المجالات، وتلعب تركيا دوراً محورياً مع كل طرف من هذه الدول الخمس، ضمن اتفاقيات عسكرية في مجالات عدة، منها التصنيع الحربي، والدفاع المشترك، فبالإضافة إلى صناعة الدبابات والطائرات المسيرة وصناعات الفضاء، تحتل تركيا المرتبة العاشرة دولياً في تصنيع السفن الحربية، في حين تزخر باكستان بالصناعة العسكرية الثقيلة، فلديها تكنولوجيا صناعة الغواصات والدبابات والطائرات، بالتعاون مع بعض الدول منها فرنسا والصين.

ثالثاً: المؤشرات الاقتصادية
في أحدث دراسة أعدّتها شركة «ستاندرد تشارترد بي.سي» توقعت أن تصبح إندونيسيا وتركيا في قائمة أكبر 5 اقتصادات حول العالم بحلول عام 2030م، وذلك بعد الصين والهند والولايات المتحدة، فضلاً عن ذلك فإن قطر على سبيل المثال تتمتع بأعلى دخل للفرد في تقرير نشر للأمم المتحدة عام 2018 تليها تركيا في المرتبة الـ 32، من أصل 187 دولة شملها التقرير.
من ناحية أخرى، تعد قطر ثالث أكبر منتج للغاز في العالم، وهي تمد باكستان بهذه الطاقة الحيوية، في حين من المتوقع أن تتصدر ماليزيا بحلول عام 2021م قائمة منتجي الغاز الحيوي في آسيا.
من هنا يتضح فرص التكامل بين هذه الدول في مجال الطاقة، إذا ما استثنينا إندونيسيا التي لديها اكتفاء ذاتي من الغاز، فإن تركيا تعد من كبار المستهلكين للغاز الطبيعي.
ويبلغ إجمالي الناتج المحلي لدول القمة الإسلامية المصغرة ما نسبته 73% من إجمالي الناتج المحلي للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، كل ذلك يعكس مدى تأثير هذا التحالف على واقع اقتصاد أعضائه وفرص نموه مستقبلاً.
لا شك أننا على أعتاب حقبة جديدة ننظر من خلالها إلى تبلور وميلاد تكتل إسلامي واعد، تربطه قضايا مشتركة وأهداف واضحة، ومما تقدم من حقائق ومؤشرات يتضح لنا قوة وأهمية هذا التحالف وما يشكله من ثقل سياسي واقتصادي وعسكري، يستطيع أن يلعب دوراً مهماً ومؤثراً على مستوى العالم، وفضلاً عما سبق ذكره، تمتلك هذه الدول الخمس قواسم مشتركة وتتقاطع عندها العديد من الرؤى والمصالح المشتركة مما يدفعها لتجاوز تبعات ضعف أداء منظمة التعاون الإسلامي في التعاطي مع قضايا الأمة، ذلك الضعف الذي أعطى الفرصة لهيمنة القوى الإقليمية والدولية على مقدسات ومقدرات الشعوب الإسلامية والانفراد بها، والتدخل في شؤونها، وابتزازها سياسياً واقتصادياً على مرأى ومسمع من العالم الإسلامي.
وتشترك الدول الخمس في تفاعلها الإيجابي مع قضايا الشعوب الإسلامية، وخصوصاً الشعب الفلسطيني، وترى مشروعية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وتناهضه في كل المحافل الدولية، إضافة لذلك فإن هذه الدول يغلب عليها الحكم الرشيد، وحرية الرأي، والنزعة لمكافحة الفساد، والتصدي له.
أعتقد أن مبادرة الدكتور مهاتير محمد بدعوة الخمس دول لهذه القمة، مبادرة موفقة وذكية جداً، مبادرة تمتلك مقومات هائلة للنجاح، لم تأت إلا بعد دراسة متأنية وثاقبة للمشهد الدولي، وأعتقد أن لدى هذه الدول فرصة عظيمة لإعادة تشكيل مفهوم التعاون الإسلامي في وجدان المسلمين، وبناء نسيج قوي قادر على تحقيق تطلعات الشعوب الإسلامية، وقائم على احترام كرامة الإنسان، وتقديم مصالح الأمة الاستراتيجية على المصالح الضيقة قصيرة المدى، وهنا يصبح هذا التحالف حري باحترام العالم الذي لا يعرف غير منطق القوة بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

(المصدر: صحيفة العرب الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى