مقالاتمقالات مختارة

القابلية للعبودية في عصر الفيمتو ثانية

القابلية للعبودية في عصر الفيمتو ثانية

بقلم د. عيسى بنغني

منذ سبعين عاماً حذر المفكر الإسلامي مالك بن نبي من عودة الإستعمار بنظريته التي مفادها أن المستعمر لا يحط رحاله إلى عتد شعوب قابلة للإستعمال، اليوم إنتفي الإستعمار العسكري الأجنبي وحل مكانه القابلية الإستعباد، وهي ظاهرة أشد وأدهى، فالقابلية للإستعمار تكون بين دول، أما القابلية للأستعباد فهي تتم بين الفئة التي وصلت إلى سدة الحكم، أي كانت فرد دكتاتور أو مجموعة متسلطة  أو قبيلة باغية أو طائفة منحرفة أسأت إستعمال السلطة وإستحودت على ممتلكات الدولة وبغت فشردت وأهلكت الحرث والنسل، وبين الجموع التي ترعرعت على الخنوع والذل والمهانة والحمد والشكر بإسم من يمتلك رقابها.

قابلية الشعوب العربية للإستعباد واضحة للعيان، فالجموع في دول عربية كبرى مثل مصر وسوريا وحتى الجزائر لا يهمها سوى لقمة الخبز، وعندما إنتفض البعض منها لدفع الضرر وجلب المكاسب العامة حوربت من الجموع المغفلة لقمعها وتم إستبدال سيد ليئم بسيد أكثر لؤما من سابقه.

أما دول الخليج فلقد إرتهنت شعوبها لقبائل معينة على مر الزمن وباعت الجموع حقوقها مقابل سهولة العيش ووفرة متطلبات الحياة، وفي هذه الحالة ضاعت قيمة تلك الدول، وأصبحت شركات خاصة تستخدم موارد الدولة لدفع رواتب شعوبها بلا عمل من أجل تكميم أفواه المواطنين رغبة أو رهبة.

القابلية للإستعباد على المستوى الليبي أكثر وضوحا، حيث تقوم قبائل ومن يمثلها بالتسبيح والحمد بإسم العسكر سابقا أيام القذافي حيث كان آخر إجتماع لهم في صبف 2011 في زليتن رغم إهانتهم والتضييق عليهم بل أن الكثير منهم لا يتقاضي مرتبه لستة أشهر ومنهم من شرد وهجر ومن المدن ما تم محاصرتها، رغم ذلك التطبيل والتصفيق لم يتوقف من أولئك الذين يتلذذون بالألم.

اليوم في الجنوب والغرب الليبي يوعز لعسكريين شواد (عن السلك العسكري) وأعيان مزورين للتصفيق والترويج لحكم العسكر نكاية في مخالفيهم وليس عن رؤية وبصيرة، فحكم العسكر لا يبني دولة.

ضم معسكر الكرامة للجنوب الليبي صوري مبرمج لأجل مكاسب سياسية إلى حد كبير ولن يكون له أي أثر على المدى المنطور، فالجنوب من سماتهم قبائل متناحرة منذ العهد العثماني ويكمن النزاع بسبب شح الموارد والمنافسة على التهريب، فعندما تكون الدولة قوية تدعن لها رقاب المهربين والحداق وأعيان القبائل، وعندما تضعف الدولة نرى الكثير من الفيادات الوهمية تتحدث عن حقوق فزان ودولة التبو ومجموعات إغلاق النفط وأخرى لإقفال المياه أو قطع الطرق.

طبيعيا عند لملمة الكرامة لفصيل قبلي ومجموعات سلفية كان لها قوة قادرة على فتح طريق يكفي لتصوير لقطات تلفزيونية في كل من سبها وغات والقطرون، وبذلك يظهر لغير المراقب أنها إنتصارات واسعة، وهذا بالتأكيد لا يعني تأمين للجنوب، فالتأمين يحتاج إلى جيش دولة بخط إمداد وقواعد ثابثة وكتائب مسلحة ودعم لوجستي مستمر وليس إلى فصيل قبلي هنا أو هناك.

ظاهرة العبودية تحتاج إلى دراسة معمقة عن أسبابها ودوافعها ووسائل تغييرها، هل يرجع ذلك إلى التراث الديني ( وأعني به تاريخ المسلمين وليس نصوص القرآن) الذي يهتم كثيرا بالأمير والإمام ويطلق يده بلا حسيب ولا رقيب؟ أم هل هي في التربية البيتية التي تمنع بزوغ أي رأي آخر مخالف، وأن المخالف يعتبر نشاز وخروج عن المألوف؟ أما ألإحباطات المتكررة للشعوب العربية وفقدان الأمل من أي نجاحات سيؤدي لها أي تغيير قد يحدث؟ أم أن الإستعمار وإستخبراتهم قد أمعنت في ترويج كل ذلك مما جعل الأنسان لا يفكر إلا في نفسه وفي لقمة العيش التي سيتحصل عليها؟ الغريب في الأمر أن العالم المتحضر (والذي ينعثه المتنطعون من القوميين أو المتاسلمين بالكفر والتأخر وغياب العقل) لا يوجد به هكذا أمراض والتي إنقرضت ولم تعد مقبولة في عصر يتم قياس زمنه بالفيمتو ثانية.

زوبعة تحرير الجنوب وبعض بيانات المغرر بهم من أعيان المنطقة الغربية والجنوبية (أعيان ليلة الغفلة) لن يغير شئ من الموقف الحالي رغم محاولة إستثماره في إجتماع أبوظبي، فقوات الكرامة لن يكون لها دور في الغرب الليبي بسبب الرفض الكامل من جموع قيادات الجيش والمؤسسات الأمنية في الغرب الليبي والكثير من المدن التي ترفض حكم العسكر والأنظمة الدكتاتورية أي كانت.

(المصدر: موقع “عين ليبيا”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى