بقلم مدحت القصراوي
في الحديث «القابض على دينه كالقابض على الجمر».. لكننا اليوم نرى أيضا أن القابض على (عقله) وبديهياته، كذلك قابضا على الجمر.. إذ يترافق الدين، ويتبعه العقل؛ فإن ثبت أحدهما استدعى الآخر، وإن ذهب الدين تبعه العقل وفقده صاحبه.. قال أصحاب النار {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} فالسمع لما أنزل الله، والعقل لما في الفطرة..
ويبدو أن النار يدخلها من حُرم السمع، ومن حُرم العقل أيضا. ومن ظن العقل يناقض الوحي ويراه مناقضا فهو واهم.. فالماديون والعلمانيون والملاحدة والليبراليون كما لا يقبلون الوحي فهم أيضا لا يعقلون. فالعقل إدراك لقوى الفطرة، وهي شاهدة للوحي، والوحي مؤكد لها، وهما مستقيمان ومترافقان ومتلازمان.. ولا يتناقضان إلا توهما لأحدهما.. إما يظن أن السمع يدل على أمر لا يدل عليه في الحقيقة، وإما يظن العقل يقول رأيا وهو واهم. ولو صح هذا وذاك لاتفقا وكان صاحبهما ممن قال فيهم خالقُهم {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
أما اليوم فترى فرارا من الدين وانسلاخا منه.. يرافقه فرارٌ من العقل وإنكارٌ للبديهيات وجحدٌ للمحسوس وللواقع المنظور.. قد يدرك من يعي هذا الكلام بعض ما في قوله تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا}.