مقالاتمقالات المنتدى

القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي وجهوده في التوحيد والتحرير (21)

(ضم دمشق)

القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي وجهوده في التوحيد والتحرير (21)

(ضم دمشق)

 

 

بقلم د. علي محمد محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

اتفق صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله) منذ فترة مبكرة مع سلطانه نور الدين محمود (رحمه الله) على أن توحيد مصر والشام هو الهدف الأقوى والأجدى للإطباق على الصليبيين في الساحل الشامي وفلسطين؛ لذا أسرع صلاح الدين نحو الشام لتأكيد هذا التوحيد، وليكون وصيًا على ولد سلطانه نور الدين، فقد رأى نفسه الأحق بهذه الوصاية، والأجدر على الاستمرار في تحقيق هدف الوحدة والجهاد على السواء، وقد زادت قناعة صلاح الدين حين رأى تهاون بعض الأمراء في الشام في تسليم بعض المناطق للصليبيين دون مسوغ أو مبرر أو جهاد، وسجنهم للأمير الكبير شمس الدين بن الداية وأخوته، وهم من كبار الأمراء الموالين لمشروع نور الدين محمود في دمشق، وزاد من حماسته إرسال عدد من الأمراء الآخرين له كي يُسرع لضم الشام إلى مصر، وهو ما تحقق بدخوله دمشق سنة 570هـ.

  • إعداد العدة ورسالته إلى الخليفة العباسي

 تجهَّز صلاح الدين للزَّحف نحو بلاد الشام، بعد مكاتبة ومراسلة ودعوة، وقد خرج من القاهرة في «شهر صفر عام 570هـ» أيلول عام 1174م على رأس سبعمئة جندي، والفرنج في طريقه، وعهد إلى أخيه العادل بإدارة شؤون مصر أثناء غيابه، كما احتاط للمحافظة عليها، فوزَّع بعض عساكره على ثغورها ومداخلها، وقد أرسل صلاح الدين رسالةً إلى الخليفة المستضيء يوضح فيها سبب زحفه على بلاد الشام، وكان الهدف من الرسالة إضفاء الصِّفة الشرعية للعمل الذي يقوم به، وكذلك لإشعار الخلافة العباسية بولائه لها، وقد جاء في الرسالة: ” والمراد الآن هو كلُّ ما يقوِّي الدولة، ويؤكِّد الدَّعوة، ويجمع الأمَّة، ويحفظ الألفة، ويضمن الرأفة، ويفتح بقية البلاد، وأن يطبَّق بالاسم العباسي كلَّ ما تطبقه المهاد، وهو تقليد جامع بمصر واليمن، والمغرب والشام، وكلَّ ما تشتمل عليه الولاية النورية، وكلَّ ما يفتحه الله تعالى للدولة العباسية بسيوفنا، وبالجملة فالشام لا تنتظم أموره بمن فيه، والبيت المقدَّس ليس له قْرن يقوم به ويكفيه، والفرنج فهم يعرفون منا خَصماً لا يَمَلُّ الشرَّ حتى يملُّوا، وقرْناً لا يزال محرم السيف حتى يجلوا، وإذا شَدَّ رأينَا حُسْن الرأي؛ ضربنا بسيف يقطع في غمده، وبلغنا المنى بمشيئة الله تعالى ويَدُ كلِّ مؤمنٍ تحت بُرْده، استنقذنا أسيراً من المسجد الذي أسرى الله إليه بعبده”. وقد استجاب الخليفة لمطالب صلاح الدِّين، وأنعم عليه بحكم مصر والشَّام، وأرسل إليه رسل دار الخلافة عندما كان يحاصر حماة في عام (570هـ/1174م) تحمل التشريفات والتقليد والتمليك والتفويض، وهذا دليلٌ على رغبة الخلافة العباسية في التعامل الصَّادق مع صلاح الدين؛ الذي رأت فيه الشَّخصية التي سوف تملأ الفراغ الذي تركه نور الدين محمود، واعترافٌ له بالسلطنة، وأنَّه أصبح الشخصية المؤهَّلة للدفاع عن المسلمين. وقد أضفى هذا التقليد عليه المهابة أمام الأمراء المسلمين بعامة، والصَّليبيين بخاصةٍ (مصطفى، صلاح الدين الملك الزاهد، ص153).

  • دخول صلاح الدين دمشق

فلما وطئ أرض الشام قصد بصرى وكان بها حينئذ صاحبها وهو من جملة من كاتبه، فخرج ولقيه، واجتمع بالقاضي الفاضل، ثم سار صلاح الدين إلى دمشق فخرج كل من بها من العسكر إليه فلقوه وخدموه ودخل البلد، ونزل في دار والده المعروفة بدار العقيقي، واستقبل استقبالاً طيباً، وفتح له ابن المقدَّم في اليوم التالي أبواب المدينة، وسلَّمها له، وامتنعت عليه القلعة، وكانت بيد خادم اسمه جمال الدين ريحان، فاستماله صلاح الدين، وأقنعه بتسليمها له، وهكذا ضَمَّ صلاح الدين دمشق وقلعتها بحجَّة حماية الصَّالح إسماعيل من خطر الصَّليبيين والأمراء الطامعين، واستردَّ الأملاك التي استولى عليها سيف الدين غازي أمير الموصل والجزيرة، واعتمد صلاح الدين في دمشق سياسة تأييد الناس له، فأمر بإنفاق الأموال على النَّاس، وإبطال الضَّرائب، وإزالة المكوس وإطابة النفوس، وأكرم العلماء لما كان لهم من تأثيرٍ كبيرٍ على العامة؛ حيث زار دار القاضي كمال الدين الشهرزوري، وأزال سوء التفاهم بينهم، وأجابه القاضي الشهرزوري بقوله: طب نفساً فالأمر أمرُك، والبلد بلدك، فكانت كلمات القاضي إعلاناً للدِّمشقيين بالتسليم المطلق لصلاح الدين والانقياد له، فأعلنوا فرحتهم وسرورهم، وسلموا مقاليدهم إلى صلاح الدين، وقابلهم بالإكرام والترحيب، وإظهار السرور بهم. (ابن الأثير، مختصر الكامل في التاريخ، ص1761).

وألقى صلاح الدين كلمةً في أهل دمشق قال فيها: إنَّ الله ملَّكنا دمشق عنايةً لا عنوةً، ولم يكتب فيها ـ بحمد الله ـ إلى خطيئةٍ خطوةً ولا حدثت عثرةٌ، فيقال في أمرها: لعلَّه يقال، ولا استعبدت حقه في ذكرها لعله يقال: فعلموا: أن الهشيم تذروه الرياح، والصَّريم يمحوه الصباح، والسيف أصدق أنباءً، والحق أعزُّ بناءً، والباطل يضمحل عناءً، والزَّبد يذهب جفاءً. ألا وإنا رأينا العفو أقرب للتَّقوى، وأمثل في سلوك الطريقة المثلى، فحفظنا الدماء في أهبتها، وأرحنا القلوب من نصبها، وأبقينا السلطنة في منصبها، ورددنا السيف عن قرب نقيضها في قربها، وتركنا الرِّياح وأطرافها تضطرم، وستضطرب وقداً، وقلنا لنار الغيظ يا نار كوني برداً، ونظرنا في أحوال البيت النوري ـ أعلاه الله ـ فإذا قد انطفأت مصابيح نوره: وكاد ذكره في الذَّهاب يلحق بمذكوره (المقدسي، الروضتين، م2/ ص244).

بعد ضم دمشق أخذ صلاح الدين ينفِّذ سياسته في إعادة بناء الجبهة الإسلامية المتَّحدة، بحيث تمتدُّ من شمالي العراق إلى بلاد الشام فمصر؛ ليتمكن بعد ذلك من البدء في حركة الجهاد الإسلامي ضدَّ الصليبيين؛ والمسلمون أشدُّ ما يكونون قوةً وتماسكاً، ولمَّا حصل على دمشق وقلعتها، واستوطن بقُعتها؛ نشر عَلَم العَدْل والإحسان، وعفَّى آثار الظلم والعدوان، وأبطل ما كان الولاة استجدُّوه بعد موت نور الدين من القبائح والمنكرات، والمؤن والضَّرائب والمحرَّمات.

المراجع:

  1. صلاح الدين الأيوبي، علي الصلابي، ط1، دار ابن كثير، دمشق، سوريا، 2009م.
  2. الروضتين في أخبار الدولتين، أبي شامة المقدسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2022م.
  3. صلاح الدين الفارس المجاهد والملك الزاهد المفترى عليه، شاكر مصطفى، دار القلم، دمشق، ط2 .2003م.
  4. مختصر الكامل في التاريخ، ابن الأثير، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، عمان، الأردن، ط1، 2009م.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى