مقالاتمقالات المنتدى

الفكر السياسي مابين ابن باديس والغزالي (1-2)

الفكر السياسي مابين ابن باديس والغزالي (1-2)

 

بقلم عنتر فرحات بن هداد

تمهيد:

لا يستطيع أي دارس للعقل والفكر الإسلامي أو مجرد مطلع إطلاعات خفيفة أن ينكر أن الفضل الأكبر لنشوء وتطور العقل الإسلامي هو للمعتزلة، ومعروفة الحركة العلمية الواسعة والطفرة الكبيرة التي تحققت إبان فترة الخليفة المأمون، فكل ما انتجه العقل الإسلامي من القرن الثاني الهجري حتى يومنا هذا يرجع الفضل فيه للمعتزلة وإن كانت هذ الطائفة قد تم القضاء عليها كمؤسسة أو جماعة إلا أن آثارها باقية ما بقي علم النحو والمنطق والفلسفة والأصول والمقاصد.

-ولكن في الوقت نفسه لا يستطيع أحد أن ينكر أنه لولا المجهودات الكبيرة والعقول الجبابرة للأشاعرة لما استطاع أهل الحديث مجابهة المعتزلة لأنهم كانوا أصحاب عقول لا تعرف المستحيل، ولن يقف أمامهم إلا عقول لا حدود لمعرفتها وهذا ما وجدناه عند الأشاعرة، حيث وجدنا الإمام أبا الحسن الأشعري (324هـ) وهو المعتزلي قبلها يبطل حججهم في مؤلفه العظيم الإبانة، ثم من بعد الخطابي (319)والباقلاني (338هـ) والجويني (478)، ثم جاء الإمام الغزالي (505هـ) واستطاع استخلاص هذا المنتوج الفكري العظيم للأشاعرة وأصبحت مدرسة عملية إلى يومنا هذا.

-مثلما لا ننكر أن الفضل للمعتزلة في خدمة العقل الإسلامي، كذلك لا ننكر أن الفضل للأشاعرة في القضاء على المذهب الاعتزالي، ولهذا جعل بعض المستشرقين الأمان مثل – غلهلم شبيتا 1883م، و ألفردفون كريمر(1889) وهلموت رتّر(1971)، يرون في انتصار الأشاعرة على المعتزلة تعطيلا للعقل الإسلامي؛ لأنهم قضوا على الحركة العلمية الفلسفية.

-الفكر السياسي عند الإمام الغزالي:

لسنا في حاجة للتعريف بالإمام الغزالي، هذه العقلية الإسلامية السنية الجبارة، والذي يعتبر نتاجا علميا وفكريا للمدرسة الأشعرية، والتي أصبح هو المنظر الحقيقي لها، وكيف تبحر في العلوم العقلية والنقلية.

-ويظهر هذا:

أولا: في رده على الفلاسفة، والنقاشات الكبيرة التي دارت بينه وبينهم، حيث دونها في أكثر من مؤلف.

ثانيا:وتظهر عظمة هذا الإمام أكبر في أنه استطاع تشخيص داء الأمة العضال، وعالجه بطريقة سياسية محضة، ظهرت آثارها فيما بعد في الأجيال التي قادها الزنكيون ثم صلاح الدين لتحرير الشام ومصر ثم بيت المقدس.

-وهنا نُعَرِّج مع الإمام الغزالي كيف استطاع أن يسترد الأمة ويعيد إحياء الروح الإيمانية فيها، حيث بفكره الدقيقة و التراث الفقهي الذي توسع فيه استطاع أن يشخص داء الأمة؛ ثم وصف له الدواء الشافي، ويظهر هذا في نقاشاته مع الفلاسفة، ثم ما تضمنه كتابه العظيم الإحياء، الذي كان فعلا حياة للأمة الإسلامية، وأي مجموعة اليوم تجعل هذا الكتاب العظيم (الإحياء) قانونها؛ إنها بإذن الله سَتُرْشَدُ.

– بهذا الفكر السياسي الدقيق خرجت أجيال على يد هذه المدرسة العظيمة (مدرسة الغزالي)، حيث أن الغزالي لم يكن عالم شرع فقط؛ بل كان فيلسوفا متضلعا، ومفكرا حقيقيا بمصطلح اليوم، وهذ الأجيال التي نشأت في رحاب الفكر الذي أسسه الإمام الحجة، هي الأجيال التي وجدناها جنودا في جيوش الزنكيين، ثم أبطالا مع صلاح الدين فاتحين للأقصى وطارديين للصليبين وقبلهم الفاطمين، والمتتبع لحرب صلاح الدين ضد الفاطمين الشيعية فسيجدها كانت تدور في جزئيات دقيقة جدا (وهو ما سنخصص له كتابت خاصة)، وليس بغريب أن ينتصر الناصر صلاح الدين في هذه الجزئيات البسيطة على الشيعة الفاطمين؛ لأنه من مدرسة الإمام الغزالي.

-هذا مثال بسيط للفكر السياسي  للإمام الغزالي وكيف أن فكره كان السبب المباشر في تحرير الأقصى وبلاد الشام من الصليبين، وتحرير القاهرة من الشيعة الفاطمين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى