مقالاتمقالات مختارة

الفريضة التي غيبتها الجماعات الإسلامية!

الفريضة التي غيبتها الجماعات الإسلامية!

بقلم وائل البتيري

علينا أن نعترف بأن الخصام الواقع بين الجماعات الإسلامية، لا يعدو كونه معول هدمٍ يقدّم لأعداء الدعوة هديةً لا يستحقّونها، وبأن عدم التفات القيادات الدعوية إلى هذا الخطر الداهم، ليس إلا خدمةً مجانية تمنحها هذه القيادات للمتربصين بالدعوة الإسلامية شراً.

وعلينا أن نقر بأن ما مرّت به الأمة الإسلامية -وما زالت- من أحداث جسام، ومن هجمة صليبية يهودية شرسة، ومن تغوّل في إراقة دماء الشعوب على أيدي أنظمة قمعية؛ لم يشكل هاجساً عند الجماعات الإسلامية لجمع الكلمة وتوحيد الصف، مما يدلّ دلالة ظاهرة على أنها إن لم يجمعها نور الوحي، والأوامر الإلهية والنبوية التي تحضّ على والتعاون والاعتصام؛ فلا خير في اجتماعها بعدئذ، بل ولا أمل في مثل هذا الاجتماع!!

وعليه؛ فإن هذه الجماعات مطالَبة بأن تستجيب لأوامر الشارع التي توجب عليها التعاون والتحابّ فيما بينها، وخاصة أنها هي نفسها التي تدعو عامة الناس إلى الرجوع للشريعة، وتجرّم الحكام لعدم حكمهم بها في الأرض. وإن لم تُقْدم هذه الدعوات على هذا الأمر؛ فنخشى أن ينطبق عليها قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (البقرة: 44).

وإنه لمن المعيب حقاً؛ أن يدعو الإسلاميون الدول العربية والإسلامية إلى الوحدة في مواجهة الغرب الكافر، ويفتقرون في الوقت ذاته إلى مثل هذه الوحدة فيما بينهم ..

وإنه لمن المعيب أيضاً؛ أن تتعاون بعض الجماعات الإسلامية مع غيرها من التيارات العلمانية، وتُعقد بينها اللقاءات الودية والاجتماعات المتتالية للخروج بأوراق عمل مشترك، ولا نجد نفس الحماس -أو أقلّ منه- للتعاون فيما بينها وبين غيرها من الجماعات الإسلامية الأخرى، أو لعلها تجد أبواب تلك الجماعات مؤصدة أمام هذا التعاون.

من المعيب أن تتعاون بعض الجماعات الإسلامية مع غيرها من التيارات العلمانية، وتُعقد بينها اللقاءات الودية والاجتماعات المتتالية للخروج بأوراق عمل مشترك، ولا نجد نفس الحماس -أو أقلّ منه- للتعاون فيما بينها وبين غيرها من الجماعات الإسلامية الأخرى

إن دعوة الجماعات الإسلامية إلى التعاون فيما بينها ليست ضرباً من الحديث العاطفي الفارغ، ومن يصفه بذلك يُخشى عليه من الوقوع في حبائل الردة والعياذ بالله، إذ إن هذا التعاون حكم شرعي قطعي؛ أمْرُ الله تعالى به لا يخالطه شك ولا ريب.. أليس هو سبحانه القائل: {وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2]؟!

ليس المطلوب أن تجتمع هذه الجماعات (في ميدان العمل) على قلب رجل واحد، فهذا أمرٌ -للأسف- بعيد المنال؛ إلا أن يكون لهذه الجماعات دولة يحكمها خليفة واحد، يسوقها إلى مثل هذا الاجتماع بالقوة والمنعة!

وليس المؤمَّل من هذه الجماعات أن تتنازل عن قناعاتها ومتبنياتها الشرعية، فالخلاف في فهم النصوص الظنية الدلالة أمر وقع حتى بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلغاء الخلاف الفرعي بين الفقهاء والعلماء ليس مطلوباً شرعاً، بل هو مصادمة للشرع والعقل والواقع.

إن أسمى ما يصبو إليه محبو هذه الجماعات؛ أن يكون الحبّ قائداً لها إلى التعاون فيما بينها على البر والتقوى.. أي أن يكونوا إخواناً متحابّين متعاونين..

يا تُرى.. ألا نستحي من الله عز وجل؛ ونحن نقرأ في كتابه العزيز أمرَه المُحْكَم بالتعاون، ثم نعرض عنه كأنه لم يكن، مع زعمنا بأننا نؤمن بأن كلام الله حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه الهادي إلى سواء السبيل؟

يا تُرى.. ألا نستحي من الله عز وجل؛ ونحن نقرأ في كتابه العزيز أمرَه المُحْكَم بالتعاون، ثم نعرض عنه كأنه لم يكن، مع زعمنا بأننا نؤمن بأن كلام الله حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه الهادي إلى سواء السبيل؟

ألا يوجد من البر والتقوى ما تتفق عليه أقوالنا؟! إن كان يوجد ما نتفق عليه -وهو كائن لا محالة – فأين نحن من هذه الفريضة الغائبة التي فرضها الله علينا من فوق سبع سماوات؟!

ولست أدري؛ ماذا يضير الجماعات الإسلامية لو أنها أقامت فعاليات مشتركة، تتضافر فيها جهودهم، وتتوافق مقاصدهم، وتتآلف قلوبهم، وتتلاقى أبدانهم؟

حينما يدعو حزب التحرير -مثلاً- إلى مسيرة لنصرة الشعب السوري المضطهد، فهل من مانع لمشاركة الإخوان والسلفيين والصوفيين والتبليغيين في هذه المسيرة؟

حينما تتعرض إحدى مقرات الإخوان المسلمين -مثلاً- للاعتداء، فهل هناك ما يمنع الجماعات الإسلامية الأخرى إلى إصدار بيان شجب واستنكار ومناصرة؟

حينما يدعو إسلاميون إلى تنظيم اعتصام للمطالبة بإغلاق الكازينوهات والنوادي الليلية؛ فهل هناك ما يحول بين الجماعات الإسلامية وبين مساهمتها في إنجاح مثل هذا الاعتصام؟

لماذا لا نقرأ في الصحف اليومية أخباراً عن زيارة إلى مقر جماعة الإخوان المسلمين قام بها وفد من جماعة التبليغ؟ أو لقاء أخوي يجمع بين السلفيين الجهاديين وحزب التحرير؟ أو بيان مشترك بين طريقة صوفية وأختها؟

إننا بحاجة إلى أن تقتنع قيادات الحركات الإسلامية بأهمية ترسيخ ثقافة الحب والتعاون والتماس الأعذار في الخلاف الفقهي والحركي، على أساس أن “الخلاف لا يُفسد للودّ قضية”.

إننا بحاجة إلى أن تقتنع قيادات الحركات الإسلامية بأهمية ترسيخ ثقافة الحب والتعاون والتماس الأعذار في الخلاف الفقهي والحركي، على أساس أن “الخلاف لا يُفسد للودّ قضية”

ونحن بحاجة أيضاً إلى شبابٍ يَعون أهمية هذه القضية، ويحملون الشيوخ على التحرك من أجل تأصيلها والترويج لها بحكمة ومسؤولية.

ولا شك أن هذه المهمة يعوزها أيضاً علماء يقفون في منتصف الطريق، ويحملون العصا من الوسط، ولا يفرّقون في حبهم ورعايتهم وترفقهم بالمسلمين بين جماعة وأخرى..

وإن أول الطريق إلى ذلك؛ أن نشغل ألسنتنا ونحرّك أقلامنا بالحديث والكتابة عن نقاط التلاقي بين هذه الجماعات .
أوَليس إلهُنا واحداً؟ أوَلسنا أمةَ نبي واحد، وقِبلتنا واحدة؟

أوَلسنا نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، وكلّنا يريد أن يكون من أهل الجنة، ويخشى أن يصير إلى النار؟!

أوَلسنا جميعاً نريدُ أن نُحكَم بالإسلام، ونبغض الظلم وأعوانه؟..

أوليست هناك عقائد وأحكام وأخلاق قطعية في الشريعة لا نختلف عليها، ونعلن البراءة ممن أنكرها؟!

إذن؛ ما الذي يحول بيننا وبين فريضة التعاون؟!

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى