الفتاوى المسوغة للتطبيع – عرض ونقض 2من 2
إعداد د. عطية عدلان
المبحث الثاني
الرد على الفتوى
ولنبدأ بتلك العبارة التي تكررت من الشيخ وتكرر بها التلبيس على الناس، وهي جواز الهدنة مطلقة ومقيدة بمدة، وهذا القول صحيح فقهيا، فالهدنة جائزة مقيدة ومطلقة، ولكنّ معاهدات السلام مع إسرائيل وما ترتب عليها من التطبيع مع الصهاينة ليست هدنة وليست مؤقتة ولا مطلقة، وإنّما هي سلام شامل ودائم بين المسلمين وبين العدو المحتل الغازي المعتدي المغتصب، الذي أوجب الله قتاله وجوبا عينيا، فجهاده من الصور التي يتعين فيها وجوب الجهاد الذي هو في الأصل فرض كفاية.
أمّا كون معاهدات السلام مع الكيان الصهيونيّ مؤبدة فهذا ما لا يجهله ولا ينكره أحد، بل لا يستطيع زعيم ممن وقعوا على هذه المعاهدات أن يملأ فمه بزعم أنّها ليست دائمة، ولا يجرؤ أحدهم أن يقبل مجرد قبول بينه وبين نفسه قول الشيخ “ثم قطعها عند زوال الحاجة!” لأنّ نصوصها وفحواها وسياقاتها تطفح بوصف التأبيد، وبرغم أنّ القاصي والداني والشيخ الفاني والطفل الغفل والأسير العاني يعلمون ذلك جيدا؛ نسوق بعض النصوص من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية – على سبيل المثال – ففي الديباجة: “اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط”([1])، وفي المادة الثانية: “إنّ الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب”([2])، وفي المادة الثالثة: “يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة (أراضيه!) واستقلاله السياسيّ”([3])، وغير ذلك الكثير، ومثل هذا ورد في معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية([4])، كذلك في اتفاقي أوسلو الموقعة من منظمة التحرير الفلسطينية مع الكيان الصهيوني([5]).
وأمّا عدم جواز تأبيد الهدنة فهذا هو عين ما اتفق عليه العلماء، وهذا الذي اتفق عليه السابقون قال به كثير من المعاصرين، منهم الدكتور وهبة الزحيلي: «اتفق الفقهاء على أن عقد الصلح لابد أن يكون مقدرا بمدة معينة، فلا تصح المهادنة إلى الأبد من غير تقدير بمدة، وإنما هي عقد مؤقت؛ لأن الصلح الدائم يفضي إلى ترك الجهاد»([6])، ومنهم الدكتور فتحي الدريني: «على أنه إذا اقتضت ظروف المسلمين إيقاف القتال، جاز ذلك مهادنة، لا سلما ولا صلحا، شريطة أن يكون لفترة موقوتة لا تطول، لاستجماع القوى، وإعداد العدة على أرفع مستوى، ثم استئناف الجهاد من جديد … كيلا تنقطع أو تتعطل فريضة الجهاد … وحتى لا يتخذ العدو من الوقت المتسع في المهادنة فرصة للاستعداد والتأهب لمعاودة شن الحرب على المسلمين من جديد»، وغيرهما من المعاصرين وهم كثر.
أمّا التقييد والإطلاق فهو أمر آخر لا علاقة له بالتأبيد من عدمه، فالتقييد هو توقيت العقد بمدة محددة، وأما الإطلاق فهو عدم التقييد بمدة معينة، ولكن الإطلاق لا يعني التأبيد، وإنّما يعني قيام الهدنة ما لم يتفق الطرفان على إنهائها أو ينبذ أحدهما إلى الآخر العهد، أو يحدث ما يستدعي إنهاءها، يقول ابن القيم: “ويجوز عقدها مطلقة، وإذا كانت مطلقة لم يمكن أن تكون لازمة التـأبيد بل متى شـاء نقضها”([7])، وهذا الذي قاله ابن القيم يفصل بين الإطلاق والتأبيد، وقد اخترت كلام ابن القيم هنا لأنّ سماحة الشيخ – سامحه الله – رَدَّنا إليه وإلى شيخ الإسلام ابن تيمية، بإبهام يشعر بأنّه أخذ عنهما، ولو أخذ عنهما لما قال ما قال!
والواقع أنّ العلماء وأئمة المذاهب اختلفوا هل يجوز الإطلاق أم لابد من تحديد مدة؟ ثم اختلفوا في المدة المحددة كم هي؟ هل سنة أم عشر سنين؟ والراجح أنها تجوز مؤقتة ومطلقة، ولكن لا تجوز مؤبدة باتفاق، فإن أقتت فتحديد المدة متروك لاجتهاد القيادة السياسية، وتكون عندئذ لازمة ما لم تحدث مخالفة، وإن أطلقت كانت جائزة، بمعنى أنها تصير من العقود الجائزة غير اللازمة، أي العقود التي يجوز لأحد الطرفين الخروج منها متى شاء، بشرط نبذ العهد، وهذا ما نص عليه العلماء([8]).
وما أورده الشيخ من أحداث وقعت في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت في الحقيقة عقود ذمة لا هدنة، والعلماء «فرقوا بينهما بأن عقد الذمة أقوي وآكد؛ ولذا كان موضوعاً على التأبيد بخلاف عقد الهدنة والصلح»([9])، يقول الأمام ابن القيم: «صار في اصطلاح كثير من الفقهاء أن أهل الذمة عبارة عمن يؤدي الجزية، وهؤلاء لهم ذمة مؤبدة وهؤلاء قد عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم الله ورسوله إذ هم مقيمون في الدار التي يجري فيها حكم الله ورسوله بخلاف أهل الهدنة فإنهم صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم سواء كان الصلح على مال أو غير مال لا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة لكن عليهم الكف عن محاربة المسلمين وهؤلاء يسمون أهل العهد وأهل الصلح وأهل الهدنة»([10])
والصحيح أن النبي عقد لليهود في المدينة عقد ذمة لا هدنة، بدليل أن الصحفية تضمنت بنداً يقضي بأن يرد الأمر في كل ما اختلف فيه إلي الله ورسوله:«وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فمرده إلي الله ومحمد» وهذا معناه أن أحكام الإسلام تجري عليهم، وهذا هو العنصر الأول من العناصر المميزة لعقد الذمة وهو عنصر (الصغار) أما العنصر الثاني وهو الجزية فلم يكن قد شرع بعد, وما يقال هنا يقال عن أهل خيبر, يقول ابن القيم: «والنبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت عقد الصلح والهدنة بينه وبين اليهود لما قدم المدينة بل أطلقه ما داموا كافّين غير محاربين له؛ فكانت تلك ذمتهم، غير أن الجزية لم يكن نزل فرضها بعد»([11])، ويقول في موضوع آخر: «ولا يقال: أهل خيبر لم تكن لهم ذمة بل كانوا أهل ذمة قد آمنوا بها على دمائهم وأموالهم أمانا مستمراً، نعم لم تكن الجزية قد شرعت ونزل فرضها، وكانوا أهل ذمة بغير جزية، فلما نزل فرض الجزية استؤنف ضربها على من يعقد له الذمة من أهل الكتاب والمجوس، فلم يكن عدم أخذ الجزية منهم لكونهم ليسوا أهل ذمة بل لأنها لم تكن نزل فرضها»([12]).
وأما عهد النبي صلى الله عليه وسلم لبني ضمرة فقد كان أيضاً عقد ذمة، يدل على ذلك نص الكتاب الذي كتبه إليهم، فكون الكتاب ينص على أن “لهم ذمة الله ورسوله ولهم النصر وأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم”، يدل على أن العقد عقد ذمة لا عقد هدنة، وقد سبق أن عقد الذمة يؤبد بخلاف عقد الهدنة، وكذلك كتاب النبي لأهل نجران كان عقد ذمة بدليل ما فرضه عليهم في أموالهم، وبدليل أنه حرم عليهم أخذ الربا، وهذا إجراء لأحكام الإسلام عليهم، وبدليل أنه أرسل إليهم من يكون أميراً عليهم وهو أبو عبيدة بن الجراح؛ فهذه العقود التي استدل بها الشيخ عقود ذمة لا هدنة ولا موادعة «وعقد الموادعة عقد غير لازم؛ وهو إما أن يكون مطلقاً أو مؤقتاً, ولكن الذي يكون مؤبداً هو عقد الذمة»
هذا عن شرط عدم التأبيد، أمّا شرط أن يكون عاقدها هو الإمام أو من ينوب عنه، فَمَنْ يكون الإمام اليوم؟ ومن يكون نائبه؟ وبرغم خطورة السؤال وحاجة الأمة إليه في واقعها المعاصر؛ في ظل جبرية صلعاء خشوم تتسول الشرعية في المحافل الدولية الغارقة في النفاق الدوليّ وتفتقدها في عمق الأمة التي لم تقم باختيار حاكم واحد من حكامها في حياتها المعاصرة ولو مرة واحدة، أقول برغم عدم شرعية هذه الأنظمة وعدم أحقيتها بتمثيل المسلمين: سنتجاوز هذا ونعتبر هؤلاء الحكام حكاما بحكم الواقع المفروض علينا شِئْنا أمْ أَبَيْنا، فبرغم ذلك لم يتوفر في واحدة من هذه المعاهدات شرط الأهلية؛ لأنّه في ظل انقسام الأمة إلى كيانات متعددة فإن عقد الهدنة لا يمكن أن يصح شرعا إذا عقده واحد من الحكام بانفراده، إلا إذا كان أمر السلم يخص الإقليم الذي يحكمه فقط ولا ينعكس على غيره من بلاد الإسلام.
والواقع أنّ العدو الإسرائيلي ليس عدوا لإقليم واحد، وقضية الصراع مع هذا الكيان لا يمكن أن تتجزأ؛ ليس لأنها تضر جميع الأطراف وحسب، ولكن لذلك ولأمر آخر أكبر وأقدم وهو أنها قضية صراع على الدين والمقدسات.
لذلك لا يصح أن يعقد الصلح مع إسرائيل حاكم واحد بانفراده، ولا يصح أن تكون المحادثات ثنائية بين إسرائيل وكل طرف عربي على حدة؛ لأن القضية واحدة، ولأن العدو واحد، ولأن الضرر واقع على الكل؛ يقول الدكتور الدرينيّ([13]): «وعلى هذا فالإسلام يوجب إذا تعددت دوله في أقاليمه المختلفة، ألا ينفرد رئيس دولة إسلامية منها، بعقد السلم مع العدو المشترك دون سائر رؤساء الدول الإسلامية، توحيدا للسياسة الخارجية، فقد جاء في الصحيفة ما نصه: «وَأَنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدٌ، وَلا يُسَالِمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ »([14]).
ثم إن هناك أمرا هاما مبنيا على وجوب الشورى وعلى أنها في نظام الحكم الإسلامي ملزمة للحاكم، هذا الأمر هو أن معاهدة السلام تتطلب لكي تتمتع بصفة اللزوم والنفاذ أن يوافق عليها أهل الشورى([15])، وأهل الشورى الذين يرد إليهم أمر معاهدة السلام مع العدو الإسرائيلي ليسوا محصورين في إقليم واحد وإنما هم مبثوثون في جميع أنحاء العالم الإسلامي، في أنظمة حكمه وفي مؤسساته الدينية والسياسية والعلمية.
وهذا المعنى أدركه وزراء خارجية مصريون في عهد السادات استقالوا بسبب أنّ المعاهدة تمثل صلحا منفردا مع إسرائيل، فبمجرد إعلان السادات عن زيارته للقدس استقال وزير خارجيته إسماعيل فهمي وبعده بقليل استقال وزير الدولة للشئون الخارجية محمد رياض ثم السفير مراد غالب سفير مصر في يوغسلافيا([16])، وكل هؤلاء اعترضوا على انفراد السادات بالصلح لا على فكرة الصلح؛ فقد كانت جميع حكومات المنطقة على موعد مع مؤتمر جنيف الذي كان من المفترض عقده تحت مظلة الأمم المتحدة، وكان سيشارك فيه الجميع، وقبل أن يوقع السادات معاهدة كامب ديفيد استقال محمد إبراهيم كامل.
وقد نقل غسان حمدان في كتابه “التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيونيّ” نقل عن مجلة الأرض العدد 22 الصادرة في 7/8/1981م ص 21 بأنّ بيجن تلقى وعدا من السادات في لقاء أسوان سنة 1980م بأنّ “مصر لن تتدخل في أيّ نزاع عسكريّ قد يحدث بين إسرائيل وسورية بسبب الأزمة في لبنان” وعلق قائلاً: “وهذا ما شجع إسرائيل لتشن هجومها على وتجتاح لبنان عام 1982م”([17]).
والعجيب أنّ الشيخ يتجاهل هذا كله وهو من المعلوم من واقع الأمة بالضرورة، ويقول للمسلمين هذه الكلمات التي يترفع عن قولها طالب إعدادي خشية أن يتهم بالسطحية والسذاجة أو التسطيح والتعويم: “لا يلزم من الصلح بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اليهود ما ذكره السائل بالنسبة لبقية الدول، بل كل دولة تنظر في مصلحتها، فإن رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء وغير ذلك من المعاملات وغير ذلك من المعاملات التي يبيحها الشرع المطهر فلا بأس في ذلك”!!
أنظر إليه – وهو بصدد قضية إسلامية عامة – يكرس في ضمير الأمة تقسيمة “سايكس بيكو”! ويفرق في باب المصالح والمقاصد بين دولة وإخرى من الدول المتحكمة في الرقعة الإسلامية! ثم تسائل: ما الذي يعنيه بتبادل سفراء وبيع وشراء؟! أليس هذا هو التطبيع بعينه؟! هل قال أحد للشيخ إنّ إسرائيل دولة من دول أمريكا اللاتينية بينها وبين العالم الإسلاميّ بحر الظلمات؟! ألم يقرع سمعه يوما صوت القنابل العنقودية وهي تقذف بالحمم على شعب غزة الأعزل؟ أم إنّ غزة أيضا بلد من بلاد الاسكيمو ولا يفصلها عن “المملكة!” إلا خطوات؟! ما هذا الدجل الذي يمارسه الشيخ؟! إلى متى نصاب في رجال العلم والفقه وإلى متى يفجعوننا بمواقفهم البالغة أقصى درجات الرداءة؟!
وأمّا عن شَرْطَيِّ تحقق المصلحة وعدم الاشتمال على مفسدة أو شرط فاسد، فإنَّه من الواضح تماماً أنّ المصلحة كاملة وموفورة للصهاينة المجرمين، والمفسدة متمحضة للعرب والمسلمين أجمعين، فلقد نجحت إسرائيل في الإفلات من مؤتمر جنيف الذي كان من المفترض أن يسير على خطى القرار رقم 242 لمجلس الأمن، والذي برغم أنّه يعطي اليهود أرضا اغتصبوها قبل 67 إلا أنه يردهم إلى حدود ما قبل 67 وهذا ما لم تحققه جميع معاهدات السلام التي أبرمت بين إسرائيل ومصر من جانب، وبين إسرائيل ومنظمة التحرير من جانب آخر، فلا حق العودة ولا حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ولا عودة الأرض المنهوبة بالعدوان والغصب في 67 بل فقط حكم ذاتي لا قيمة له ولا سيادة، وفي المقابل تم الاعتراف الكامل بدولة إسرائيل، التي نجحت في التغلغل والتوغل في أحشاء الدول العربية كافة عبر تطبيع ظاهره التشارك وباطنه التركيع!!
«والاعتراف الكامل فسر على أن مصر تعترف بأن إسرائيل دولة مستقلة ولها سيادة في المنطقة.. ولكن لماذا لم يتضمن هذا الاعتراف اعترافا أيضا بالسلطة الفلسطينية ؟…. وهذا يعتبر تقريرا للغاصب في البقاء على اغتصابه لأرض فلسطين وللأماكن المقدسة»([18])، هذا الاعتراف ليس إلا أدة لاستدامه القهر من الغالب للمغلوب: «ومن ثم لا يقر الإسلام سلماً هي في جوهرها وسيلة لاستدامة قهر المغلوب، أو الإبقاء على آثار عدوان الظالم، تحكيما للقوة الغاشمة في العلاقات الدولية، أو عملا بما يسمى سياسة الأمر الواقع، لما تتضمن هذه السياسة من تغليب القوة على الحق والعدل، وهذه مناقضة لأصول الإسلام، ومقاصده الأساسية، أو نظامه الشرعي العام الذي هو حق الله ومعلوم أنه لا يملك أحد أن ينقض حق الله عن طريق التراضي أو التعاقد، وإلا بطلت شرائع الإسلام جملة، وذلك باطل، فما يؤدي إليه باطل بالبداهة، لتناقض الإرادة والتصرف مع مقتضيات الصالح العام»([19]).
ومثلما حدث في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية حدث في معاهدات السلام مع الفلسطينين، فالذي حدث “ليس مجرد هدنة، بل هو أكبر وأخطر، هو اعتراف لليهود لأن الأرض التي اغتصبوها بالحديد والنار وشردوا منها أهلها بالملايين أصبحت ملكاً لهم، وأصبحت لهم السيادة الشرعية عليها … فما حدث إذاً ليس هدنة…”([20]).
ومن المفاسد أيضا أن المعاهدة تضمنت اتفاقا على قيام علاقات طبيعية كتلك القائمة بين الدول التي هي في حالة سلام دائم، وهذا الاتفاق هو الذي فتح الباب على مصراعية لإسرائيل كي تعشش في ضمير الأمة وفي كيانها، فتفسد الأخلاق والثقافة والاقتصاد وغيرها من مجالات الحياة الإسلامية، وكيف نأمن لهؤلاء وهم يقولون في بروتوكولاتهم: «إن الغاية تبرر الوسيلة، وعلينا -ونحن نضع خططنا- ألا نلتفت إلى ما هو خير وأخلاقي بقدر ما نلتفت إلى ما هو ضروري ومفيد» ([21])، وكيف نأمن لهم اليوم نحن نرى بعد كل المعاهدات عدوانهم المتكرر على الفلسطينيين في غزة وجينين وبيت لحم، ونرى عوانهم على أهل القدس وتهجيرهم لهم واستمرارهم في بناء المستوطنات، وما يدبرونه للأقصى؟!
ولقد حققت إسرائيل في ظل هذا الأمن والاستقرار سبقا كبيرا في مجال التسلح، فقد أعد مركز مكافحة انتشار الأسلحة النووية التابع لسلاح الجو الأمريكي تقريرا عام 1999م أورد فيه أن إسرائيل تمتلك 400 قنبلة نووية فيها قنابل هيدروجينية، وأنها أنجزت في عام 1995م قنابل نيتروجينية وألغام نووية وقنابل الحقيبة، وأشار التقرير إلى امتلاك إسرائيل لـ50: 100 صاروخا من نوع يريحو 1 و 30: 50 من نوع يريحو 2 هذا بالإضافة إلى أعداد هائلة من القنابل النووية الصغيرة والتكتيكية والأسلحة الكيماوية والبيولوجية والصواريخ البالستية ([22]).
إن إسرائيل بهذه الحدود الآمنة التي تمتعت بها، وبهذه المتاركة الدائمة المطلقه من الأمة الإسلامية استطاعت أن تخطو خطوة كبيرة في سبيل تحقيق حلمها الذي عبرت عنه في البروتوكول الخامس: «إننا نقرأ في شريعة الأنبياء أننا مختارون من الله لنحكم الأرض، وقد منحنا الله العبقرية، كي نكون قادرين على القيام بهذا العمل، إن كان في معسكر أعدائنا عبقري فقد يحاربنا، ولكن القادم الجديد لن يكن كفؤا لأيد عريقة كأيدينا»([23]).
ومما يؤكد هذا الخطر واقع إسرائيل اليوم بالنسبة للدول الإسلامية من جهة التسليح والقوة العسكرية والاستعداد العسكري الدائم وغير ذلك، وهو أمر تعرفه العامة والخاصة، وقد كانت الأمة العربية بعد حرب أكتوبر قوية ومتحدة وأبين دليل على ذلك سلاح البترول الذي استفز الغرب وجعله يهرول إلى البحث عن حل للقضية.
إن مصلحة استرداد رقعة من الأرض لا تساوي شيئا إذا قيست بحجم المفاسد والشرور المترتبة على الاعتراف بسيادة إسرائيل على أرض اغتصبتها من المسلمين، وإعطاء الفرصة لها لكي تنطلق انطلاقتها الكبرى في التسلح والاستعداد العسكري الكبير، وفتح المجال على مصراعيه للتغلل الصهيوني الذي يفسد كل صالح في حياة المسلمين، وإن الصهيونية لكي تصل إلى هدفها المنشود لا تفرق في هذا بين وسيلة حربية وأخرى سلمية.
«وقد كشف إسرائيل شاحاك رئيس رابطة حقوق الإنسان الإسرائيلية عن هدف المخطط الصهيوني بقوله: إن السيطرة على الشرق الأوسط هدف كل السياسات الإسرائيلية، وإن هذا الهدف مشترك بين كل الحمائم والصقور على السواء، وإن كان الاختلاف بينهم على الوسيلة: بالاحتلال أم بالسيطرة الاقتصادية؟»، وهو المعنى نفسه الذي ذهب إليه شيمون بيريز عندما قال: إن إسرائيل تواجه خيارا حادا: فإما أن تكون إسرائيل الكبرى اعتمادا على عدد الفلسطينيين الذين تحكمهم، أو أن تكون إسرائيل الكبرى اعتمادا على حجم السوق التي تحت تصرفها»([24]).
فإذا كانت جميع شروط الجواز والصحة منعدمة، فكيف نقول بالجواز والصحة في حين أن افتقاد شرط واحد يفضي إلى البطلان والحرمة؟! إنّ هذه المعاهدات باطلة ومحرمة وجريمة ترتكب في حق الإسلام والمسلمين، وإنّ ما تقدم من عرض المسألة في جانبها الفقهي ليس إلا على سبيل التَّنَزُّل مع الخصم، وإلا فالمسألة هجرت منطقة الفقه من زمن بعيد ولاذت بمقام العقيدة، بعدما رأينا من حال أولئك الحكام الذين نزلوا مع أعداء الأمة وأعداء دينها في قلب النَّفق المظلم الذي يقبعون فيه جميعاً، وإنّ نداء الآيات المعلنة عن الحقائق والدقائق يصخ الآذان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة 51)، (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة 52).
رحم الله الشيخ ابن باز رحمة واسعة وعفا عنّا وعنه وعن سائر المسلمين، وإنّنا لنحبه في الله لعلمه وزهده وورعه ودعوته ومواقفه البيضاء، ولكنّ الحقّ أحب إلينا منه، وكما قيل يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، فأمثال الشيخ ابن باز يحفظ لهم قدرهم واحترامهم؛ لأنهم في النهاية ليسوا كهؤلاء السفهاء الذين يدورون في فلك الأنظمة، لكن هذا لا يعني السكوت عن الخطأ أو محاولة تبريره، ولقد كنت قاسيا في بعض العبارات؛ لكنني أحببت أن أقول الحق وإن بقيت مرارته في الحلق.
وبعد أن ثبت بالدليل القاطع بطلان تلك الفتاوى يطيب لنا استعراض بعض الفتاوى الصادرة عن مؤسسات إسلامية؛ مضادة لتلك الفتاوى ومعارضة لمشروع التطبيع، والحقيقة أنّها كثيرة ومتنوعة من حيث البلدان والأزمان، لكنني سأكتفي بذكر نموذجين منها صدرا في البلاد التي كانت هي السابقة والمبادرة إلى التطبيع مع كونها هي بلاد المواجهة على الخط الأول: مصر وفلسطين.
يقول الشيخ حسن مأمون المفتي الأسبق لجمهورية مصر العربية في صدد إجابته على سؤال حول الصلح مع اليهود: قال: “ونحن نرى أن الصلح على أن تبقى البلاد التي سلبها اليهود من فلسطين تحت أيديهم وعلى عدم إعادة أهلها إليها لا يحقق المصلحة وليس فيه مصلحة للمسلمين؛ ولذلك لا نجيزه من الوجهة الشرعية إلا بشروط وقيود تحقق المصلحة للمسلمين”([25]).
وقد أصدر علماء فلسطين بيانا في ختام مؤتمر علماء فلسطين بالمسجد الأقصى المبارك في الجمعة 1/11/1991م جاء فيه: «يحرم شرعا المشاركة في مؤتمر «مدريد» لأن من أهدافه التوصل إلى صلح مع الكيان الصهيوني.. وبالتالي إسباغ الشرعية على وجودها في أرض فلسطين المباركة.. وإقرارها على عدوانها واغتصابها لأرض المسلمين وديارهم ومقدساتهم وأموالهم.. ومن ثم مساعدتها على تحقيق أهدافها العدوانية.
والأدلة الشرعية على هذه الفتوى كثيرة، نوجز منها ما يلي:
أولا: قول الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[الحديد: 25]، والصلح مع الكيان الصهيوني إقرار للظلم، وقد نزلت الرسالات وبعثت الرسل لإقرار الحق والعدل.
ثانيا: قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[الممتحنة: 9]، والصلح مع الكيان الصهيوني سيشفع بمعاهدات اقتصادية وغيرها.. مما يحقق مصالح المعتدي.
ثالثا: قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾[البقرة: 191], وقال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[البقرة: 193].
والفتنة قائمة مع الصلح.. ودولة الكيان الصهيوني قائمة على الظلم.. ولم تنته عن ظلمها.
رابعا: قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾[محمد: 35]، أنتم الأعلون لأنكم على الحق.. فالحق يعلو.
خامسا: قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[المائدة: 2]، وإقرار الغاصب هو عين الإثم والعدوان.
سادسا: أجمع العلماء على أن كل سلم يحمل المسلمين على الهوان.. أو إقرار العدوان واستلاب الحقوق فهي حرام، وأدلة المجمعين لا حصر لها.
سابعا: من أسباب تشريع الجهاد: دفع الظلم والبغي.. وعقد الصلح فيه قطع لاستمرار فريضة الجهاد وقد قام سببه ويجب أن يستمر الجهاد حتى يستنفد أغراضه، وتزول أسبابه، والرسول r يقول: «والجهاد ماضٍ» أي إلى يوم القيامة.
ثامنا: أجمع العلماء على وجوب الجهاد.. وجوبا عينيا.. حال استيلاء العدو على جز من أرض المسلمين، وإخراج أهلها الشرعيين.
تاسعا: قال العلماء: «إذا اقتضت ظروف المسلمين إيقاف القتال.. جاز ذلك مهادنة.. لا سلما ولا صلحا».
نعم.. فالهدنة المؤقتة جائزة شرعا.. إذا رأي خليفة المسلمين الشرعي في ذلك مصلحة للمسلمين، أما الصلح الدائم فلم يقل أحد بجوازه، خصوصا عندما يكون فيه تفريط بديار المسلمين ومصالحهم، أما ما يحتج به البعض.. من أن صلاح الدين الأيوبي عقد صلح الرملة مع الصليبيين، فإن ذلك لم يكن في حقيقته صلحا، بل كان هدنة، بدليل أنه كان مؤقتا بثلاث سنين وثلاثة أشهر.
عاشرا: الحاكم المسلم.. الذي تختاره الأمة .. هو المخول بعقد الهدنة لمصلحة الأمة، وهو غير مخول بعقد الصلح الدائم، وأي عقد يحل حراما.. فهو باطل حتى لو عقده الخليفة، فكيف بنا اليوم..
وبعد… يحرم شرعا المشاركة في مؤتمر «مدريد» لأن من أهدافه التواصل إلى صلح مع الكيان الصهيوني… وبالتالي إسباغ الشرعية على عدوانها واغتصابها لأرض المسلمين وديارهم ومقدساتهم وأموالهم، ومن ثم مساعدتها على تحقيق أهدافها العدوانية، ويعتبر هذا الصلح كبيرة من الكبائر… وخيانة لله ورسوله وللمؤمنين ،وهذا ما أجمع عليه العلماء.
وعليه: فعقد الصلح باطل شرعا ، ثم عقلا ، ثم أخلاقا ، ثم عرفا دولياً، والأمة غير ملزمة به، ولا تتحمل مسؤولياته، ولها الحق في التعامل معه بالوجه الذي تراه مناسبا حاضرا ومستقبلا،ألا هل بلغنا الله فاشهد»([26]).
الخاتمة
وقبل أن أختم أحب أن أنوه – باعتبار تخصص للمركز – إلى أهم المحكمات التي تؤطر للنظر في مثل هذه النازلة، وكذلك للمحكمات التي تتعرض للتهديد بسبب الارتباك في الفتاوى المتعلقة بالنازلة، فمن أهم الثوابت المحكمات التي نخلص إليها هنا ما يلي:
1- الصلح مع أيّ عدو من غير المسلمين جائز إذا استوفى شروطه التي قررها العلماء.
2- أنّ الصلح لا يجوز إذا افتقد شرطا واحدا من الشروط التي لا يصح إلا بها.
3- شروط صحة الصلح التي اتفق عليها العلماء أربعة: الأهلية من العاقد، وعدم التأبيد، والمصلحة المعتبرة شرعة، وعدم الاشتمال على شرط فاسد.
4- جميع الشروط التي اشترطها العلماء لصحة الهدنة أو الصلح لم يتوفر منها شرط واحد في أيٍّ من المعاهدات التي عقده الكيان الصهيونيّ مع الدول العربية.
5- ويترتب على ما مضى أنّ جميع هذه المعاهدات باطلة وغير صحيحة ومحرمة وغير جائزة.
6- وعليه فإنّ جميع الفتاوى التي صدرت من أشخاص أو هيئات رسمية وغير رسمية تعد ساقطة وباطلة وليست ملزمة للأمة ولا يلزم المسلمين اتباعها.
7- والأمة حيال ذلك كله مأمورة بألا تعترف بهذه المعاهدات، وأن تعتقد أنّها ليست ملزمة للأمة، وإن تعد العدة للخروج عليها وإلغائها وإن كان في ذهابها ذهاب الأنظمة التي تدافع عنها.
هذه السبع من الثوابت المحكمات التي يعنى المركز بنشرها في الإمة وإعلام الأنام من أهل الإسلام بمضامينها، والدفاع عنها ضد من يثير الشبهات ويتبنى الخرافات والترهات، أمّا المحكمات التي تتعرض للخطر بسبب الفتاوى الضالة التي تسوغ التطبيع مع العدو الصهيونيّ فأهمها ما يلي:
1- حرمة الولاء للأعداء وحرمة المظاهرة للكافرين على المسلمين وكون ذلك من نواقض الإسلام.
2- وجوب الجهاد لإجلاء العدو الغاصب عن ديار الإسلام ومقدسات المسلمين وكفّ أذاه ومنعه من ممارسة الفتنة وغحباط مؤامراته على الإسلام والمسلمين.
3- وجوب موالاة المسلمين والدفاع عنهم واتخاذهم أولياء لا أعداء، والسعي في نصرتهم.
4- أهمية الوحدة الإسلامية ووجوب السعي في تحقيقها وعدم السماح للكيان الصهيونيّ بالتفريق بينها.
5- وجوب المفاصلة مع من يحاربون الله ورسوله ويشاقون دينه وشرعه.
الخلاصات والتوصيات
يتبين لنا مما سبق عرضه في البحث ما يلي:
- أنّ الهدنة (المتاركة – الموادعة – الصلح) جائزة باتفاق المذاهب الأربعة وعلماء الأمصار كافة، عدا الظاهرية الذين قالوا بنسخ المهادنات بآيات السيف، وهم محجوجون بالآيات والأحاديث، وبأنّ النسخ لا يكون بمجرد الدعوى دون دليل.
- لجواز الهدنة وصحتها شروط أربعة، إذا فقد منها شرط واحد لم تجز ولم تصح باتفاق العلماء، وهي: أن يعقدها الحاكم الشرعيّ أو من ينوب عنه وإن تعددوا وجب أن يكون سلمهم جميعا واحدا ما دام العدو خطرا على الجميع، وأن يكون فيها مصلحة للمسلمين، وألا تشتمل على شرط فاسد، وألا تكون مؤبدة.
- معاهدات السلام التي عقدها الكيان الصهيونيّ مع المصريين والفلسطينيين لم يتوافر في واحدة منها شرط واحد من الشروط الأربعة، ومن ثمّ فبطلانها جميعا محقق ومؤكد حسب أصول المذاهب الإسلامية كافّة ولدى علماء الأمة أجمعين، سواء من قال منهم بنسخ المهادنات بآية السيف وهم الظاهرية، أو من قال منهم بجوازها بشروطها الأربعة، وهم الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية والأباضية.
- وعليه فإنّ فتوى الشيخ ابن باز بسوء تنزيلها واشتمالها على قدر كبير من التلبيس تُعَدُّ فتوى باطلة ومنقوضة ولا يجوز العمل بها ولا الاتكاء عليها.
- تُعَدُّ معاهدات السلام العربية الإسرائيلية وما سبقها من تخاذل عربي وتواطؤ دوليّ وما تلاها من تطبيع وهيمنة صهيونية مشروعا صهيونياً يستهدف تدمير الإسلام والمسلمين، ويجب على الأمة حكاماً ومحكومين أن يتوحدوا ضد هذا المشروع، وأن يعلموا أنّهم إن أسلموا أنفسهم وزمام أمورهم للكيان الصهيونيّ فلن تقوم لهم قائمة ولن تدوم لهم دنيا ولا دين.
وبناء علي ذلك الذي اتضح لنا في البحث، يوصَي بالآتي:
- أن ينبري العلماء الربانيون للدفاع عن محكمات الدين وثوابته، وأن يتعاونوا على ذلك ويتكاتفوا، فهو أفضل البر وأعظم التقوى.
- أن يجتهد العلماء وطلاب العلم في ملْ الفراغ الكبير في مساحات السياسة الشرعية، وأن يعتمدوا في ذلك على الكتاب والسنة القولية والعملية وعلى سنة الخلفاء الراشدين المهديين، وألا يحرموا أنفسهم من الاستفادة بتجارب الأمم في مساحات الآليات والوسائل والأدوات والأمور الفنية؛ فإنّ الحكمة ضالة المؤمن.
- ألا يمنعنا تقديرنا للعلماء من الرد عليهم وتفنيد أقوالهم، بل والتحذير من فتاواهم في مجال السياسة الشرعية إذا تكرر منهم الخطأ بما يشير إلى قصورهم في فهم الواقع السياسيّ أو وقوعهم تحت ضغوط ربما لا نعلمها تؤدي إلى استخلاص كلام منهم لا يمت للحقيقة بصلة.
- على العلماء وطلبة العلم والدعاة والمفكرون والأحرار التابعون أن يرفعوا أصواتهم في وجه الحكام الظلمة المستبدين الذين يوالون أعداء الله ويظاهرونهم على المسلمين.
- آن الأوان لكبار الأمة أن يتعاونوا في وضع رؤية للأمة ومشروع عمليّ لها؛ لكي يكون خروجها وانطلاقها القادم منظما تكثر فوائده ومنافعه وتقل مضاره ومفاسده؛ فإنّ الأمة لا ريب على موعد مع الانطلاقة الكبرى بعد خروج سعيد من التهيه البعيد، وإنّ وعد الله تبارك لآت، والله لا يخلف الميعاد. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين)
مصادر البحث
- الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، الناشر: وزارة الأوقافة الكويتية
- المبسوط للسرخسي شمس الدين أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، دار المعرفة، بيروت، ط 1406م
- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاسائي، دار الكتب العلمية، بيروت
- نصب الراية لأحاديث الهداية – جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي – مؤسسة الريان للطباعة والنشر – بيروت -لبنان/ دار القبلة للثقافة الإسلامية- جدة – السعودية – الطبعة: الأولى، 1418هـ/1997م
- شرح السير الكبير – محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي – الشركة الشرقية للإعلانات – 1971م
- التاج والإكليل والإكليل لمختصر خليل – محمد بن يوسف العبدري – دار الكتب العلمية بيروت
- شرح مختصر خليل محمد بن عبد الله الخرشي، دار الفكر بيروت
- أسنى المطالب أسنى المطالب في شرح روض الطالب – زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري، دار الكتاب الإسلامي
- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج – شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني – دار الكتب العلمية – الطبعة: الأولى، 1415هـ – 1994م
- تحفة المحتاج في شرح المنهاج – أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي – المكتبة التجارية الكبرى بمصر لصاحبها مصطفى محمد – 1357 هـ – 1983 م
- الإنصاف علي بن سليمان بن أحمد المرداوي، دار إحياء التراث العربي
- كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي، دار الكتب العلمية
- شرح منتهى الإرادات منصور بن يونس البهوتي، الناشر: عالم الكتب
- التاج المُذَهّب لأحكام المذهب – أحمد بن قاسم العنسي الصنعاني – مكتبة اليمن البحر الزخار – أحمد بن يحيى بن المرتضي
- شرائع الإسلام في مسائل الحلا والحرام، جعفر بن الحسن بن محمد الهزلي، مؤسسة مطبوعات اسماعليان
- جوهر النظام في علمي الأديان والاحكام للمسالمي
- سبل السلام شرح بلوغ المرام، محمد بن اسماعيل الكحلاني الصنعاني، دار الحديث
- الروضة الندية شرح الدرر البهية، أبو الطيب بن حسن بن علي الحسيني القنوصي، مكتبة دار التراث ، القاهرة.
- نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار، محمد بن علي الشوكاني، دار الحديث القاهرة ط أولى 2000م
- المحلي بالآثار، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، دار الفكر الأم محمد بن إدريس الشافعي – دار المعرفة بيروت
- الكافي لمعرفة الدين ابي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، دار إحياء الكتب العربية القاهرة
- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، للقاضي ابي الوليد ابن رشد الحفيد، دار العقيدة، الإسكندرية، ط1، 2004م
- المهذب في فقة الإمام الشافعي – أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي – دار الكتب العلمية
- مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى – مصطفى بن سعد بن عبدة الرحيباني – ط المكتب الإسلامي بيروت
- روضة الطالبين وعمدة المفتين – أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي – المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان – الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م
- المجموع شرح المهذب، للإمام أبي زكريا يحيى الدين بن شرف النووي، وتكملته لمحمد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد، جدة، السعودية.
- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح – تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن ابن تيمية – دار العاصمة، السعودية – الطبعة: الثانية، 1419هـ / 1999م
- حكم الصلح مع اليهود في ضوء الشريعة الإسلامية – سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – إشراف رئاسة البحوث والإفتاء – ط أولى 1996م
- اتفاقيتا كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وملحقاتها – أحمد علي حسن – مكتبة الآداب – القاهرة – ط الثانية 2012م
- بنود المعاهدة: موقع الجزيرة – معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية .. أهم البنود .. 3/10/2004
- بنود المعاهدة: موقع موقع منظمة التحرير الفلسطينية – دائرة شؤون المفاوضات – بتاريخ 13/9،1993م
- السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار محمد بن علي بن محمد الشوكاني دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1405
- الفقه الإسلامي وأدلته د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، ودار الفكر المعاصر، بيروت، دمشق، ط4، 1997م.
- أحكام أهل الذمة – ابن القيم محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله رمادى للنشر – دار ابن حزم – الدمام – بيروت الطبعة الأولى ، 1418 – 1997م
- زاد المعاد في هدي خير العباد – محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية – مؤسسة الرسالة، بيروت – الطبعة: السابعة والعشرون , 1415هـ /1994م
- خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم د. فتحي الدريني
- كتاب الأموال – أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله – دار الفكر. – بيروت.
- مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة – محمد حميد الله الحيدر آبادي الهندي – دار النفائس – بيروت – الطبعة: السادسة – 1407
- أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية، د. الغنيمي
- السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد – محمد إبراهيم كامل وزير خارجية مصر الأسبق – ط أولى 2002م – مركز الأهرام – القاهرة
- التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيونيّ – غسان حمدان – دار الأمان – بيروت – لبنان – ط أولى 1989م
- أحكام معاهدة السلام في الفقه الإسلامي والقانون الدولي، د. ياسر السيد محمد – رسالة دكتوراه، من كلية الشريعة والقانون 2007.
- بروتوكولات حكماء صهيون أو ترجمة عربية أمينة كاملة، محمد خليفة التونسي، ط5، 1400هـ= 1980م
- مجلة البيان عدد 185، مقال للدكتور عز الدين المفلح.
- كامب ديفيد وتكريس الهيمنة اليهودي البروتستانتية على العالم الإسلامي، حسن الرشيدي (مجلة البيان)، العدد 154، جماد الآخرة 1421- سبتمبر 2000.
([1]) اتفاقيتا كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وملحقاتها – أحمد علي حسن – مكتبة الآداب – القاهرة – ط الثانية 2012م – صـ 58
([2]) أيضا صــــــــ60
([3]) أيضا صــــــــ62
([4]) راجع بنود المعاهدة: موقع الجزيرة – معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية .. أهم البنود .. 3/10/2004
([5]) راجع بنود المعاهدة: موقع موقع منظمة التحرير الفلسطينية – دائرة شؤون المفاوضات – بتاريخ 13/9،1993م
([6]) الفقه الإسلامي وأدلته (8/5877).
([7]) أحكام أهل الذمة (2/875).
([8])الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (1/176) – الفتاوى الكبرى- لابن تيمية، 1386 – أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/875) – زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم (2/875).
([9]) زاد المعاد(3/123) .
([10]) أحكام أهل الذمة(2/874) .
([11]) زاد المعاد (3/123).
([12]) زاد المعاد (3/306).
([13]) خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم د. فتحي الدريني (ص356).
([14]) رواه القاسم بن سلام في كتاب الأموال برقم”440″(ج1ص279) وغيره، راجع صحيفة المدينة: الوثائق السياسية حميد الله، (ص59-62).
([15]) ر: أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية، د. الغنيمي (ص65-66).
([16]) السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد – محمد إبراهيم كامل وزير خارجية مصر الأسبق – ط أولى 2002م – مركز الأهرام – القاهرة – صـــ30
([17]) التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيونيّ – غسان حمدان – دار الأمان – بيروت – لبنان – ط أولى 1989م صــــ83-84
([18]) أحكام معاهدة السلام في الفقه الإسلامي والقانون الدولي، د. ياسر السيد محمد (ص640)، رسالة دكتوراه، من كلية الشريعة والقانون 2007.
([19]) خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم (ص359).
([20]) من هدي الإسلام د القرضاوي صـ 466- 467.
([21]) بروتوكولات حكماء صهيون أو ترجمة عربية أمينة كاملة، محمد خليفة التونسي، ط5، 1400هـ= 1980م، (ص65).
([22]) انظر: مجلة البيان عدد 185، (ص62)، مقال للدكتور عز الدين المفلح.
([23]) بروتوكولات حكماء صهيون أو ترجمة عربية أمينة كاملة، محمد خليفة التونسي، ط5، 1400هـ= 1980م، (ص77).
([24]) كامب ديفيد وتكريس الهيمنة اليهودي البروتستانتية على العالم الإسلامي، حسن الرشيدي (مجلة البيان)، العدد 154 (ص110)، جماد الآخرة 1421- سبتمبر 2000.
([25]) فتاوى علماء الأزهر الشريف حول تحرير فلسطين والأقصى الشريف – تقديم مجموعة من العلماء – دار اليسر – القاهرة – ط أولى 2011م صـــ70
([26]) مؤتمر علماء فلسطين المسجد الأقصى المبارك، الجمعة 24 ربيع الثاني 1412 هـ الموافق 1/11/1991.
(المصدر: رسالة بوست)