مقالاتمقالات مختارة

الفاشينستا رقم (1)! | د. محمد العوضي

الفاشينستا رقم (1)! | د. محمد العوضي

كان آخر مقال في سلسلة كتاباتي عن (هوس الشهرة) عنوانه (جناية الفاشينستات على أنفسهن)، وخصصته عن آفة (الاعتراف الخارجي)، وختمت المقال باستكمال الحديث عن آفَتي «الرقم الاجتماعي» و «الصعلكة»، التي تصيب المهووسين من المشاهير ومنهم الفاشينستات!
فما المراد بالرقم الاجتماعي؟
كل إنسان منا له رقم اجتماعي فالأب مثلاً رقمه الاجتماعي في بيته «واحد»، وإذا خرج إلى العمل ربما يكون رقمه أربعة أو أكثر أو أقل حسب درجته الوظيفية، فيتقبل موقعه ووضعه، وقد يكون رقمه في بيت والده «سبعة» يحمل حاجيات والده ويبادر قبل من يكبره من إخوته بتقديم القهوة والشاي والضيافة، حتى وإن كان أكاديمياً «بروفيسوراً» وأعلى من إخوته وظيفياً – وهذه العفوية والعافية النفسية التلقائية يعيشها الأسوياء- فهو يتقبل ويتكيف أن تكون مكانته بين الناس وفقاً لواقعه فهو دكتور ولكن في القاعة، أما عند والدته فهو الخادم الذي يتشرف بخدمتها، وكذلك صاحب الرتبة العسكرية الرفيعة إلى آخر ما يعرف الناس.
مشكلة المشاهير، يؤذيهم ألّا يكونوا رقم واحد، فيحب أن يتصدر الواحد منهم في كل موقع ومناسبة، وإن كان الموجودون من هم أولى منه، وأعلى مكانة وخبرة وفضلاً وقدراً وأكبر عمراً، لأنه يشعر بالانتقاص والمهانة إذا لم يكن رقم واحد أو اثنين، ولهذا تفسد لديه الموازنات الاجتماعية!
وإذا ما جئنا نطبق قاعدة «الرقم الاجتماعي» على الفاشينستات فإننا نجدهن مسجونات بحالة من اللهاث وراء فكرة الكمال الجسدي والمثالية الجمالية والشكلية، وكأن الواحدة منهن تريد أن تكون باربي من لحم بدل البلاستيك، لذا فقد تصاب بفوبيا (أرقام المتابعين)، كل دقيقة، كل ثانية «لازم» تنظر لجهاز هاتفها النقال، أول شيء تفعله عندما تقوم من النوم، وآخر شيء تنظر إليه قبل أن تغمض عينيها للنوم، كل هذا للتأكد من أرقام المتابعين، و«هات كوابيس» لو (لا سمح الله) نازل العدد واحد، أو أن عدد المتابعين الجدد كانوا اليوم أقل من الأمس!
وتزداد هواجس (الرقم الاجتماعي) وتظهر في حالة سباق محموم لا يهدأ مع مثيلاتهن من الفاشينستات، تحركها غيرة قاتلة وتتبع أخبار بعضهن البعض وأحياناً تلاسن واتهامات على الملأ!
أما نقطة التحول القاتلة في حياة الفاشينستات فهي عندما يتراجع (الرقم الاجتماعي)، ويبدأ المتابعون في الانسحاب والأضواء بالخفوت، والمعلنون بالعزوف والدخل بالتراجع والنجومية بالتحرك نحو القادمات الجدد من الفاشينستات.
هل هذه حياة طبيعية ومستقرة وسوية، في الوقت الذي تتمنى المراهقات الواهمات بأن يكن في موقع الفاشينستات، فإن العاقلات والعارفات بحقيقة النفس الإنسانية، لا تغرهن المظهرية الزائفة، بل يشفقن عليهن مما هن فيه من بلاء ويتمنين لهن الهداية والنجاة من هذا البلاء «عبودية الرقم المجتمعي»، والتدمير للذات والانتحار الاجتماعي.

(المصدر: صحيفة الراي الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى