مقالاتمقالات مختارة

العلمانية الديمقراطية.. حصان طروادة في قلعة الثورة!

العلمانية الديمقراطية.. حصان طروادة في قلعة الثورة!

بقلم أ. سيف الهاجري

قال ﷺ: (يكون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا)

في رسالة من نابليون لكليبر أثناء الحملة الفرنسية على مصر أمره فيها بأن يجتهد (في جمع 500 أو 600 من المماليك.. فإن لم تجد العدد فاستعض عنهم برهائن من العرب ومشايخ البلدان.. وتسفرهم لفرنسا.. ليتعلموا تقاليدنا ولغتنا.. ولما يعودون يكون لنا منهم حزب) “الطريق إلى ثقافتنا ص108-محمود شاكر” كشف نابليون لنا في هذه الرسالة التاريخية حقيقة حزب الغرب الصليبي في أوطاننا كدعاة العلمانية الديمقراطية اليوم والتي تبلور فكرها ونظامها السياسي الحالي بعد الثورة الفرنسية موطن نابليون صاحب فكرة إدخال حصان طروادة الغربي إلى قلب العالم العربي والإسلامي قبل قرنين.

واليوم عندما تأتي دعوة الرغاليين الجدد للعلمانية الديمقراطية في ظل الثورة العربية على الاحتلال الصليبي والاستبداد الوظيفي تدرك أن فكرة نابليون (حصان طروادة) تنفذ في ساحات الثورة برجال ونساء ارتبطوا بالمحتل الأجنبي والطغيان العربي ليخترقوا حصون الثورة بشعاراتهم المزيفة، والأدهى قبول تيارات وجماعات إسلامية لهذه الدعوة والتعامل معها بدعوى أن غايتها لا تتعارض مع مقاصد الإسلام كالحرية والعدل ليجعلوا المقصد فوق النص لتبرير مواقفهم السياسية المتخاذلة وانحراف عقيدتهم السياسية.

إن دعوة هذا الطابور الخامس الوظيفي للعلمانية الديمقراطية لم تأت منبتة عما يجري في العالم العربي من تحولات كبرى بفعل الثورة العربية بل جاءت في سياق المشروع الأمريكي الجديد (صفقة القرن) وخاصة في شقه الفكري والسياسي بالترويج للعلمانية وإلباسها لباس الديمقراطية لتصبح مقبولة بين الشعوب وبهذا يتم احتواء الثورة وقواها، وقد كشف هذا التوجه سفير الإمارات في واشنطن في المقابلة الشهيرة مع القناة الأمريكية BBS عام 2017م قال فيها (إن سألت ما هو الشرق الأوسط الذي يريدون رؤيته بعد 10 سنوات من الآن…ما نريد أن نراه هوحكومات علمانية مستقرة مزدهرة وقوية.. ليمهد رسميا لدعاة العلمانية الديمقراطية ليسوقوا لها في ساحات الثورة كحل سياسي وبنفس حجة السفير الاستقرار والازدهار مما يؤكد خروج هذه الدعوة من غرفة العمليات الدولية لمواجهة الثورة العربية والتي كشف عنها الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي في مقاله (بين الانقلاب الناجح والفاشل).

وعلى مدى سنوات الربيع العربي تدرج دعاة العلمانية الديمقراطية من أفراد وجماعات بدعوتهم المضلة ورفعوا شعارات الحرية للشعوب وركبوا موجة الثورة العربية ودخلوا حصونها ليبثوا سموم دعوتهم في أركانها حتى إذا ارتفعت موجة الثورة المضادة فتحوا أبواب قلعة الثورة وبدأوا يمهدون لإعادة تأهيل النظام العربي من جديد باسم الديمقراطية وبقلب علماني لم يتغير منذ نشأة النظام العربي بعد سقوط الخلافة الإسلامية.

إن هؤلاء الرغاليين العلمانيين الجدد من أفراد وجماعات ومراكز هم أداة وظيفية خطيرة بيد القوى الاستعمارية فهم حزبها وحصان طروادتها الذي رعتهم هذه القوى على عينها، ولهذا عندما تنظر في أدبياتهم ومواقفهم لا تكاد تجد لهم موقف فكري أو سياسي من المحتل الأجنبي سواء الأمريكي أو الروسي مع أحداث الثورة العربية التي كشفت حقيقة هذا الاحتلال للعالم العربي.

لقد تكثفت اليوم دعوة هؤلاء الرغاليين الجدد للعلمانية الديمقراطية في الخليج واليمن تمهيدا لتعميمها على العالم العربي بعد تجربتها عمليا في تونس ما بعد الثورة بإشراف أمريكا والاتحاد الأوربي على وضع الدستور الجديد وفرنسا التي رعت التوافق السياسي في اللقاء السري في باريس بين حركة النهضة وحزب نداء تونس الذي يمثل النظام السابق في 15 / 8 / 2013م  فهذا هو ما ستؤول إليه الدعوة للعلمانية الديمقراطية بتأهيل النظام العربي المستبد من جديد وبحماية ورعاية من القوى الاستعمارية.

لقد جربت الأمة لقرن كامل منذ سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية كل أنواع الدعوات الفكرية والسياسية كالقومية واليسارية والشيوعية والليبرالية والبعثية والناصرية والمحافظة وحكمتها أنظمة ملكية وجمهورية باسم تلك الدعوات وبخلفية علمانية واحدة مشتركة بين تلك الدعوات والأنظمة ولذا فالدعوة للعلمانية الديمقراطية لا جديد فيها إلا أن دعاتها ممن يحسبون على الثورة والتيارات الإسلامية وهنا تكمن خطورة هذه الدعوة وترويجها بين شعوب الأمة بوجوه إسلامية تساندها.

ولهذا فطنت القوى الاستعمارية الصليبية إلى انتهاء صلاحية المنظومة العربية سياسيا وفكريا فدعمت بقوة إعادة إحياء خطاب على الرازق من جديد فظهرت دعوة المقاصديين الجدد على منهج عبد الرازق ودعوته بأن الإسلام لم يأت بنظام سياسي للحكم بل جاء بمبادئ وقواعد عامة ومنها انطلق دعاة العلمانية الديمقراطية ليستندوا إلى منهج عبد الرازق هذا ليروجوا للعلمانية الديمقراطية كأساس فكري جديد للنظام العربي الجديد القديم على وقع مشروع (صفقة القرن) ولعلنا لو انتظرنا قليلا لجاء من يلبسها ثوبا إسلاميا ولا غرابة في ذلك وفق منهج هؤلاء الذي أوصلهم هذا المنهج إلى إعادة مفاتيح السلطة لرجال نظام بن علي بعدما أسقطته ثورة الشعب التونسي فهذه تجربة عملية على ما ستؤول إليه أي ثورة أو حركة إصلاح يتصدر قيادتها دعاة العلمانية الديمقراطية هؤلاء.

لم يعلن هؤلاء دعوتهم للعلمانية الديمقراطية إلا عندما وصلت الاستحقاقات السياسية للترتيبات الأمريكية والروسية إلى نهايتها للمشهد العربي والتركي قبل نهاية هذا العام 2018م كما هو مخطط ومعلن في القمة الأمريكية العربية في الرياض عام 2017م والقمة الأمريكية الروسية في هلسنكي عام 2018م لتصفية الثورة العربية ومحاصرة النهضة التركية وتحجيمها لإعادة تأهيل النظام السياسي العربي والتركي من جديد وتحقيق صفقة القرن لإنهاء قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى…

فالقوى الاستعمارية تحرص أشد الحرص على إخفاء البعد الديني لصراعها مع الأمة لذا تدعم وترعي الدعوة للعلمانية الديمقراطية لتكون حصان طروادة الجديد في حصون الثورة العربية التي قامت بها الأمة لتتحرر من أنظمة الاستبداد الذي جاءت على ظهر دبابة المحتل الصليبي باسم العلمانية والديمقراطية لتعزل الإسلام والذي لم تقم الثورة العربية إلا من أجل التحرر منه واستعادة سيادتها وهويتها ودينها كما كانت تحكم به طوال 13 قرن بدولة الخلافة التي أسقطتها الحملة الصليبية البريطانية الفرنسية بحصان طروادة العربي والذي عاد من جديد ليفتح حصون الثورة العربية لأعداء الأمة كما فتح حصن الخلافة من قبل.

قال تعالى ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ﴾ وقال جل ذكره‏ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى