مقالاتمقالات مختارة

العلاقة الجنسية بين الزوجين.. بين الإكراه والابتزاز في الفقه والقانون

العلاقة الجنسية بين الزوجين.. بين الإكراه والابتزاز في الفقه والقانون

بقلم إسلام هلال

ملخص:

في خضم الزوبعة الثائرة حول مسألة “الاغتصاب الزوجي” ذلك المصطلح الذي يثير الكثير من القضايا الحساسة، حيث تتعلق بمسائل شديدة الخصوصية في العلاقة الجنسية بين الزوجين، ويسعى الكاتب في هذه السطور لعرض القضية بعيدًا عن العصبية الناتجة عن اتخاذ مواقف مسبقة بسبب التحزب بين فريقي النسوية والذكورية، في محاولة لبيان أبعاد هذه القضية ومآلاتها الشرعية والقانونية والاجتماعية.

نص المقال:

يعتبر إشباع الرغبة الجنسية أحد أبرز مقاصد تشريع الزواج في الإسلام، ومن أبرز دلائل اعتبار هذا المقصد أن الفقهاء اتفقوا على أن العيوب التي تفسد الحياة الجنسية بين الزوجين(1) تجعل للطرف المتضرر منها الاختيار بين الاستمرار في الزواج أو الفسخ.

إن العلاقة الجنسية حق للزوج والزوجة على حد السواء، ولا يمكن تصور أن تكون حقًا لطرف دون غيره، كما أنه لا يمكن اعتبارها أمرًا جانبيًا في علاقة الزواج يمكن إهماله أو التغاضي عن بيان الحقوق فيه.

تعتبر هذه العلاقة حقاً للزوج على زوجته، فالله تعال أوجب على الزوجة عدم الامتناع على زوجها ففي الحديث الشريف: “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح”(2)، وغير ذلك من الأحاديث التي بينت حق الزوج في الاستمتاع بزوجته، واعتبار هذا الأمر في دائرة الحقوق والواجبات وليس من باب الهبات أو التخيير.

وكذلك هي حق للزوجة على زوجها، فالزوج إذا أقسم على ترك جماع زوجته سرت في حقه أحكام “الإيلاء” فتترك له مهلة أربعة أشهر وبعدها يكون له القرار إما أن يطلق زوجته أو أن يعود إلى فراش الزوجية بصورة طبيعية، قال تعالى: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {226} وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة)، وكذلك يعاقب الرجل عقابًا شديدًا إذا شبه زوجته بأمه قاصدًا تحريم جماعها، وآيات سورة المجادلة شاهدة على ذلك، وفوق كل هذا جاز للمرأة أن تطلب الطلاق إذا ضعف الرجل عن إشباعها في هذا الجانب ومن هذا أن امرأة لجأت إلى النبي ﷺ لتطليقها من زوجها وقالت: “إنما معه مثل هدبة الثوب”(3)  تعرّض بضعفه!

إذًا تعتبر العلاقة الجنسية حقًا لكل من الزوجين، وكل ما في الأمر أن الإسلام راعى الاختلافات الطبيعية بين الرجل والمرأة من حيث الاحتياج وسرعة الاستثارة وآنية الاحتياج بعد حصول الإثارة الجنسية، وهي فروق معلومة بالفطرة وتؤيدها البحوث العلمية الطبية والنفسية.

وفي الحقيقة لا أسعى لحشد الأدلة ومناقشة الأمر من زاوية فقهية أو تحليلية للنصوص الشرعية، لأن هذا الأمر محله البحوث الأكاديمية وليست المقالات التي تميل أكثر إلى عرض الآراء بصورة أكثر تبسيطًا وتركيزًا، لذا فلننتقل إلى نقطة مهمة مفادها:

أن الشريعة الإسلامية تعتبر منظومة متكاملة، لا يمكن تطبيق جزء منها دون آخر وتوقع نتائج سليمة، كما أن الاجتزاء في التعامل مع النصوص الشرعية يعتبر السمة الغالبة في التعامل مع هذه القضية الحساسة، وهو ما يجعل كل فريق يسعى لحشد أكبر قدر من الآيات والأحاديث للدلالة على رأيه وتوجهه، وهو ما يؤدي إلى ليّ عنق بعض النصوص، واقتطاع البعض الآخر عن سياقاته.

إن العلاقة الزوجية مبنية على المودة والرحمة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم)، هذه المودة وتلك الرحمة يجعلان الزوجة تسعى لإسعاد زوجها وإشباعه وإرضائه محبة له ورغبة في ثواب الله تعالى، وتجعل الزوج يقدر أحوال زوجته فلا يثقل عليها بمطالبه ويراعي أوقات مرضها واضطرابها، وبهذه الصورة تسير الحياة الزوجية في صورتها “المثالية” كما في التصور الإسلامي.

ولكن النماذج المثالية لا تعتبر بديلًا عن بيان الحقوق والواجبات، وذلك لأن الناس ليسوا سواء في السعي نحو الكمال الأخلاقي والسواء النفسي، لذا وضعت الشريعة الإسلامية الغراء منظومة متكاملة لرعاية الحقوق الجنسية لكلا الزوجين، فعلاوة على التأكيد على أن العلاقة الجنسية حق مشترك كما اتضح في صدر المقال فإن هناك عدة أمور إضافية:

للزوج الحق في التعدد والجمع بين أكثر من زوجة، وهذه الإمكانية تجعل للرجل بابًا “شرعيًا” لتلبية احتياجاته الجنسية الإضافية دون أن يتضرر أو يتسبب في الإضرار بزوجته أو يلجأ إلى أفعال غير مشروعة.

للزوج أن يطلق الزوجة التي لا تتوافق معه في الجانب الجنسي، ويلتزم بأداء حقوقها دون إضرار بها، وكذلك للزوجة أن تطلب الطلاق إذا تضررت من ذلك، ولها أن تطلب الخلع إذا لم يصل الأمر إلى حد الضرر.

وفق هذه المنظومة المتكاملة ضيقت الشريعة الإسلامية إمكانية حدوث ضرر لأحد الزوجين يتعلق بالعلاقة الجنسية بينهما، ولكن مع الأسف الشديد أصبح وضعنا الحالي بهذه الصورة الغريبة:

– زوجات يستخدمن احتياج الأزواج إلى إشباع الشهوة الجنسية ورقة ضغط يتحكمن عبرها في الزوج بطريقة مهينة تصل به إلى استجداء حقه.

– أزواج يتجاوزون حدود النصوص الشرعية بما يلحق الضرر بالزوجات بصور متعددة.

– قوانين وأعراف اجتماعية وتعقيدات مادية تمنع الرجل من التعدد، ما يجعل الرجل محاصرًا بين مطرقة الابتزاز وسندان الأفعال المحرمة.

– علاقات زوجية مبنية على التحفز المتبادل، ومحاولة كسب المساحات وامتلاك أوراق الضغط، وهو ما جعل العلاقة الزوجية أشبه بالشراكات التجارية التي يتحوط فيها الشركاء لأجل أموالهم، وفي سبيل ذلك يحصلون على الضمانات المتبادلة، وهو أمر بعيد كل البعد عن المودة والرحمة والفضل، تلك الصفات التي من المفترض أن تتسم بها العلاقة الزوجية.

لا يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية أو مقبولة! كما أن التدخل في هذه القضية دون مراعاة جوانبها المتصلة بالمجال الشرعي والقانوني والاجتماعي يعتبر صورة من صور الاجتزاء الذي لا يؤدي إلى نتيجة صحيحة شرعًا وقانونًا، ولا صحية اجتماعيًا ونفسيًا.

إن المنادين بتجريم ما يسمى بـ”الاغتصاب الزوجي” وحده، يدقون -بغير وعي- مسمارًا جديدًا في نعش منظومة الأسرة التي تعاني من التفكك أصلًا في مجتمعاتنا، وغالبًا ما تجد نفس الأشخاص يحاربون فكرة تعدد الزوجات أو غيرها من مكونات المنظومة الإسلامية للأسرة.

إن الخلط المشتهر في قضية “الاغتصاب الزوجي” يكون بين الاعتداء بالعنف، وهو أمر يمكن إقامة الأدلة عليه عبر المعاينة الطبية لآثار الاعتداء، وحينها يمكن للزوجة اللجوء إلى القضاء، ولا يمكن لكائن من كان أن يدعي أن التسبب في أضرار بدنية للزوجة أمر مشروع بحال أو بآخر، فالاعتداء العنيف سواء اقترن بممارسة جنسية أم لا يعد من الأمور التي يعاقب فاعلها متى قام الدليل على تلك الجريمة.

ولكن الحديث عن جريمة وهمية لا يقوم عليها دليل إلا ادعاء المرأة أن زوجها واقعها بغير إرادتها، دون اقتران ذلك بأذى يرقى إلى كونه جريمة -وفق معايير القانون الجنائي- يعتبر أمرًا غاية في الخطورة لما ينطوي عليه من آثار اجتماعية كبيرة خاصة في ظل حالة “السيولة المجتمعية” والاحتقان الذي تعيشه مجتمعاتنا في هذه الأيام.

تعطي قوانين الأحوال الشخصية للمرأة في الوقت الحالي إمكانية طلب الخلع، ولا تكون مطالبة بتسبيب طلبها بصورة جدية، وتكتفي المحكمة بالأسباب المذكورة في صحيفة الدعوى غالبًا للحكم بالخلع، وبالتالي يوجد منفذ كبير للمرأة المتضررة يمكنها من خلاله مغادرة الحياة الزوجية سواء تعرضت لاعتداء أو لا!

إن مصطلح “الاغتصاب الزوجي” لا يعدو أن يكون سلاحًا جديدًا في معركة تدور كل يوم في ساحات المحاكم ووسائل التواصل الاجتماعي بين طرفين يسعى كل منهما لإحراز أكبر قدر من المكتسبات بحق أو بغير حق.

ينبغي للقائمين على عملية إعداد القوانين وإصدارها ألا ينجرفوا وراء مطالبات مجموعات الضغط المختلفة فيقوموا بتشريع قوانين وفق نظرة جزئية للأمور، وهو ما يسبب الكثير من التعقيدات للمنظومة العامة للأسرة ويزيدها إشكاليات فوق ما تعانيه.

كما أن هناك زوجات مظلومات يعانين من العنف اليومي من أزواج متسلطين نزعت منهم صفات الرحمة والرجولة، ويستخدمون بعض النصوص الشرعية بصورة مبتورة لتبرير إشباع رغباتهم دون أدنى مراعاة للزوجة المسكينة، فهناك زوجات لا يراعين الله في أزواجهن ويستخدمن الاحتياج الجنسي وسيلة لابتزاز الزوج والضغط عليه بما ينافي أبسط القواعد الأخلاقية والشرعية، وكما أن هناك زوج قد يؤذي زوجته ويخون أمانة الله فيها معتمدًا على أن باب بيته مغلق عليهما، فهناك من هي مستعدة للافتراء على زوجها أو مطلقها فترميه بالبهتان انتقامًا منه، وينبغي لمن ينظر إلى القضية لتكوين رأي خاص أو تشريع قانون ألا يغفل النظر إلى أي من هذه الحالات، لأن هذا الأمر لا يتعلق بحالة أو اثنتين بل هي قضية عامة تتعلق بأحد أهم ركائز العلاقة الزوجية التي هي قوام الأسرة والمجتمع.

__________________________________

(1) وذلك مثل العجز الجنسي الكامل للرجل ويسمى “العنة” أو قطع العضو الذكري ويسمى “الجب”، أو استحالة الممارسة الجنسية مع المرأة مثل الرتق والقرن (انسداد الموضع بلحم أو عظم) انظر في ذلك شرحًا مبسطًا في بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 5).

(2) البخاري (3237) ومسلم (1436) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3) البخاري: 2639 عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى