مقالاتمقالات مختارة

العقوبات بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية

العقوبات بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية

بقلم محمد عبد الرحمن صادق

إن العقوبة لكي تكون رادعة وزاجرة ومُحققة للغرض منها لابد وأن تكون من جنس العمل، وأن يُراعى فيها عدم الإفراط وعدم التفريط، وأن يكون هدفها الأساسي التقويم والتهذيب وليس الانتقام ولا التشفي.

أقسام الجرائم في الإسلام

إن الجرائم في الإسلام تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي:-

1- جرائم القصاص: وهي جرائم قتل النفس، وجرح البدن، وقطع الأطراف.

2- جرائم الحدود: وهي جرائم القذف والزنا والسرقة ونحوها.

3- جرائم التعزير: وهي كل جناية ليس فيها حد كالخلوة بالأجنبية، وأكل الربا ونحو ذلك.

لقد شرع الله تعالى العقوبات في الإسلام رحمة العباد، ولتحقيق المصلحة لهم، ولدرء المفسدة عنهم . وبذلك تستقيم الحياة ويستطيع كل فرد أن يؤدي كل ما هو مطلوب منه تجاه ربه وتجاه نفسه وأسرته ومجتمعه.

لو نظرنا إلى العقوبة من حيث المقصد نرى أنها وسيلة لكي يحصل كل فرد على حقوقه كاملة لأن أحكام الشريعة الإسلامية كلها مبنية على جلب المصالح، ودرء المفاسد، وهذا هو العدل المطلق والرحمة السابغة.

مما سبق يتبين لنا أن كل مسألة تخرج من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى القسوة، ومن المصلحة إلى المفسدة، ليست من الإسلام في شيء.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].

العقوبات في الإسلام

إن العقوبات في الإسلام تنقسم إلى أربعة أقسام، وهي:

1- عقوبة بدنية: تصيب جسم الجاني كالقتل، والقطع، والجلد.
2- عقوبة مالية: تصيب مال الجاني كالديات.
3- عقوبة مقيَّدة للحرية: كالحبس.
4- عقوبة نفسية: كالتعزير والتوبيخ.

إن كل ما سبق هو الشرع الذي ارتضاه الله تعالى لعباده وهو سبحانه وتعالى بخلقه وبما يصلح أحوالهم وجميع شؤونهم عليم خبير. قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].

تعطيل الحدود في ظل القوانين الوضعية

إن تعطيل الحدود أو اختزالها وتبديلها أو اقتصارها على فئة دون أخرى أو على عقوبة دون أخرى -كما نرى الوضع في ظل القوانين الوضعية- يُفسد أكثر مما يُصلح بل ويُعرِّض المجتمع كله لغضب الله تعالى وسخطه وعقابه.

– قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة: 49].

– عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّتْهُمُ المَرْأَةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: مَن يُكَلِّمُ رَسولَ اللَّهِ ﷺ، ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ ﷺ، فَكَلَّمَ رَسولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّما ضَلَّ مَن قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فيهم أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ، لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ ﷺ، سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا” (صحيح البخاري).

إن تعطيل الحدود تلجأ إليه أنظمة تلُد في الخصومة، وتبالغ في الظلم والبطش والتنكيل، لا لشيء سوى للمحافظة على سلطانها ولحفظ كرامتها وماء وجهها أمام أئمة عظماء وعلماء أجلاء لا يقبلون الضيم ولا يحيدون عن طريق الحق قيد أنملة.

إن أمثلة أئمة المسلمين العظماء وعلمائهم الأجلاء الذين تعرضوا لبطش حكام زمانهم تبدأ نذكر منها التابعي الجليل سعيد بن جبير مروراً بالإمام أحمد ابن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية وصولاً إلى الشهيد عمر المختار والشهيد سيد قطب ورفاقه، وجرت سنة المدافعة أن يظل الصراع بين الحق والباطل هكذا إلى قيام الساعة.

العقوبات في ظل القوانين الوضعية

من المعروف أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه يحب الحركة والتجوال وأن أكبر عقاب يُعاقب به الإنسان هو أن تحبسه في مكان تحد فيه من حركته وتمنعه من ممارسة حياته بالصورة الطبيعية، لذلك فإن القوانين الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي قامت بسَنِّها دول ومجتمعات بعيدة كل البعد عن الإسلام وشرائعه اختزلت العقوبات بشتى أنواعها في عقوبة واحدة وهي “السجن”، واتبعتها في ذلك الدول العربية والإسلامية مما أدى إلى تفريغ العقوبات من مضمونها والعدول بها عن مًقصدها فكانت النتيجة هي الإفراط في استخدام القسوة الغاشمة للحد من الجريمة من ناحية، يقابلها الزيادة المُطَّردة في مُعدل الجرائم بأنواعها من ناحية أخرى، لأن هذه القوانين مهما كانت دقيقة ومُحكمة يكون بها من الثغرات ما يعرف من خلالها مرتكب الجريمة كيف يفلت من العقاب.

التفاوت في العقوبات بين دول العالم

إن اختزال العقوبات بشتى أنواعها في عقوبة واحدة وهي “السجن” ترتب عليه تفاوتاً كبيراً بين أنظمة السجون حول العالم، واختلافها من دولة إلى أخرى، فهناك من الدول من تحاول أن تلتزم بالقواعد والقوانين الخاصة بالسجون التي وضعتها المنظمات الدولية، وعلى النقيض ترى دولاً أخرى تتفنن في ممارسة القمع والتعذيب والحرمان وكل الانتهاكات التي تزكم الأنوف والتي لا تتفق مع أدنى المستويات الإنسانية والآدمية وذلك دون التفرقة بين رجل ولا امرأة، ولا كبير ولا صغير، ولا مريض ولا سليم.

نماذج من الدول التي تحسن معاملة السجناء ومراعاة حقوق الإنسان

إن هناك من الدول من توفر للسجين الرعاية المتكاملة والشاملة التي تضمن سلامته النفسية قبل الجسدية والصحية والتي تعمل على تقويم سلوك الفرد وإعادة تأهيله للاندماج مرة أخرى في المجتمع بفاعلية وإيجابية.
فمثلا:-

1- بعض الدول مثل (بريطانيا – إيطاليا – البرازيل) تشجع القراءة وعمل الأبحاث داخل السجون باعتبارها أفضل وسيلة ثقافية للسجين، ولكونها أفضل وسيلة للهروب من واقع السجن المؤلم على النفس فتقوم بتخفيف جزء محدد من العقوبة عن كل كتاب يقرئه السجين أو عن كل بحث يقدمه.

2- وفي قطاع غزة ودولة قطر، على السجين الذي يريد تخفيض مدة عقوبته أن يبدأ في حفظ أجزاء من القرآن الكريم، وحدد قطاع غزة تخفيض عامًا كاملاً من العقوبة في حالة إتمام السجين حفظ خمسة أجزاء كاملة.

3- تعد الجزائر من الدول المتميزة في إجراء مسابقات القرآن الكريم داخل السجون خاصة في شهر رمضان حيث يتقدم للمسابقة آلاف المتسابقين للغرض ذاته.

4- طبقت الحكومة الهندية نظاماً لتعلم رياضة اليوجا، حيث يتم إلغاء خمسة أيام من مدة السجن عن كل شهر يقوم فيه السجين بممارسة اليوجا.

5- وفي تايلاند يتم تدريب السجناء على فنون القتال والدفاع عن النفس، وعند الانتهاء من التدريب، تقام بطولة كبيرة وفي حالة فوز السجين بمركز متقدم في البطولة يتم تخفيض مدة سجنه حسب اللوائح المتفق عليها.

– وعلاوة على كل ما ذكر نجد أن بعض دول العالم تقوم بتوفير الرعاية الفعلية والمتكاملة لأسر السجناء حتى لا تكون العقوبة عامة وشاملة لكل أفراد الأسرة، وحتى لا يسخط أفراد الأسرة على المجتمع فينحرفون ويكونون عبئاً إضافياً على المجتمع في ظل غياب العائل.

– وبعض الدول تقدم للسجين نفسه رعاية ما بعد انتهاء فترة السجن من حيث توفير التأهيل النفسي والاجتماعي على يد مختصين، وتوفير فرصة العمل المناسبة التي تضمن عدم عودته للجريمة مرة أخرى، كما تهدف إلى تعديل نظرة المجتمع له وتحسين الصورة الذهنية عن السجين بعد خروجه من السجن.

– وعلى النقيض نرى دولاً تتفنن في الضرب بكل اللوائح والقوانين والأعراف الدولية عرض الحائط وتمارس دوراً انتقامياً بشعاً تجعل من السجين إنساناً مُحطماً في كل نواحي حياته وكل جوانب شخصيته بل وتتسع دائرة الانتهاكات حتى تصل لأفراد أسرته والمقربين منه، مما يساعد على خلق “خلية سرطانية” ناقمة على هذا النظام وناقمة على المجتمع الذي يرى كل هذه الانتهاكات ولا تحرك فيه ساكناً بل ويرضي بالانبطاح والتدجين والترويض ويورَّث كل ذلك للأجيال جيلاً بعد جيل.

نماذج من السجون التي تمارس فيها انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم

لابد وأن نقر أنه ما من دولة حول العالم إلا وبها نموذجاُ أو أكثر للانتهاكات البشعة التي تتنافى مع حقوق الإنسان خاصة ضد الإسلاميين وضد المعارضين للأنظمة.

فبالنسبة لدول الغرب هناك أمثلة عديدة للسجون سيئة السمعة مثل:- سجن “جوانتانامو” بأمريكا، “وسجن “عوفر” في دولة الاحتلال والذي يُسمى بـ “جوانتانامو الثاني”، وسجن جزيرة بِتاك أو الـ “ألكتراز” الروسي، وسجن “لاسابانيتا” في فنزويلا، وسجن “بيناس سيوداد” جنوب السلفادور، وسجن “ديار بكر” جنوب شرق تركيا، وسجن “ستانلي” في “هونج كونج”، وسجن “كارانديرو” في ساو باولو بالبرازيل … الخ.

أما بالنسبة للدول العربية فحدث ولا حرج، لأنه من النادر أن تجد سجناً ليس سيء السمعة!

– يقول المُحلل الأمني (روبرت باير): “إذا أردت استجوابًا جادًا أرسل السجين إلى الأردن، وإذا أردت تعذيبه أرسله إلى سوريا، وإذا أردت إخفاءه إلى الأبد أرسله إلى مصر”.

وختاماً أقول إن الأصل هو تطبيق شرع الله تعالى وعدم التحاكم إلى قوانين وضعية ما أنزل الله بها من سلطان ، ولكن والوضع كما نرى فلابد من تسليط الضوء على مدى التفاوت بين الدول في أسلوب إدارة السجون ومراعاة حقوق السجناء، وأنه لمن العجب العُجاب أن ترى أكثر الدول انتهاكاً لحرية السجناء وتعمد إلحاق الضرر بهم وبذويهم هي الدول العربية والإسلامية والأمر واضح للجميع وضوح الشمس في كبد السماء في رابعة النهار.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى