العالم العامل العابد الدكتور يوسف القرضاوي
أخذ من العلم بحظ وافر، فهل نفيد من علمه وتجربته؟
بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)
رحل عن دنيانا منذ أيام أستاذنا الدكتور يوسف القرضاوي -رحمه الله رحمة واسعة وغفر له- تاركاً لنا ذخيرة كبيرة من العلم النافع والعمل الجاد المخلص في سبيل رفعة أمته وتحقيق شهودها الحضاري. كانت رحلة القرضاوي رحلة مباركة مد الله في عمره فتزود من العلم النافع منذ الصغر حتى آخر لحظات حياته، فملأ الدنيا علماً وعملاً. واليوم ونحن ننعيه باكين على فراق عالم كبير انثلمت بموته ثلمة في حصن أمتنا المسلمة، ومن هنا نجد لزاماً علينا أن نقف مع فكره ومع حالنا من بعده وقفات سريعة:
أولاً: علينا الابتعاد عن المغالاة في الشيخ والغلو فيه، فهذا مرض وقع فيه غالب فرقاء الأمة من الإسلاميين وغيرهم، ففقدنا الفوز بالعبرة والتعلم من الخبرة من كثير من علماء ومفكري ومجاهدي هذه الأمة.
ثانيا: على الإسلاميين خاصة أن يخرجوا من حالة الحزن السريعة المرور لينسوا بعدها تراث القرضاوي كما نسوا من قبل تراث غيره، لأن هذا الأمر قد أسهم في كثير من تراجع العمل الإسلامي وتخبطه لعدم مدارسته لأفكار أكابر علماؤنا.
ثالثاً: يحتاج فكر الدكتور القرضاوي رحمه الله إلى محضن فكري مستقل يقوم بدراسة أفكاره وأعماله وتجربته وخبرته الثرية في تجديد الفكر والفقه الإسلامي، يقوم عليه ثلة من العلماء الشباب القادرين على دراسة فكره وتاريخه ليستخلصوا منها الخبرة والعبرة للأمة، وربما كان هذا المحضن الفكري نواة للاهتمام بكل علماؤنا ومجاهدينا في القرون الماضية للاستفادة من جهودهم بشكل صحيح.
رابعاً: علينا أن ندرس جيداً تجربة شيخنا القرضاوي في العمل العام: في السياسة كما في الاقتصاد، وفي العمل الخيري كما العمل التنموي، في الإعلام والصحافة، ونقف على جوانب نجاحها، ونقاط ضعفها، ونستخرج منها العبرة لنبني عليها، ففيها من الدروس ما لا يجب على أمة عاقلة أن تتركها دون الاستفادة منها.
خامساً: علينا أن نتذكر ونحن نبكي القرضاوي ما قاله في خاتمة كتابه عن “الجهاد” ونسعى لتحقيقه من خلال المحضن الفكري الذي نقترحه، قال الإمام رحمه الله في طبيعة الجهاد اليوم والمتمثل “بالدعوة إلى الإسلام وتبليغه لأمم الأرض بلغاتها المتعددة، وبالطريقة التي تفهمها واسماه “الجهاد الكبير” كما سماه القرآن في سورة الفرقان “وجاهدهم به جهاداً كبيراً” أي القرآن، مؤكداً أنه هو الجهاد الذي نحتاج له اليوم، ولكن ليس عندنا واحد في المائة، بل ولا واحد في الألف مما نفتقر إليه من الطاقات البشرية المدربة التي تقدر على أنتخاطب كل قوم بلسانهم لتبين لهم، وتخاطبهم بلسان عصرنا لا بلسان عصور انقضت وولى زمانها”.
ولنتذكر ما كتبه بمداد العين الدامعة الخاشعة التي تنفطر حزناً على أمتها وهو يقول” نعم أقولها بصراحة: ليس عندنا ولا واحد في الألف من العلماء والدعاة والمعلمين والإعلاميين الذين يجمعون بين إتقان العمل المهني، وحسن فهم الإسلام، وحسن فهم الواقع في عصرنا، إلى جانب المعرفة المتقنة بلغات الآخرين….إنه ليؤسفني أن أقول صراحة: إن الفراغ هنا هائل، وإن النقص هنا حاد، وإن القصور هنا جد خطير، ولا توجد عندنا هيئات ومؤسسات تؤهل (دعاة العصر) أو إعلاميي العصر بما يلزمهم من أدوات علمية وأدبية وفنية. وإن من آفات المسلمين: أنك إذا طلبت عشرة منهم ليموتوا في سبيل الله تقدم إليك مائة، بل ألف، مستعدون للموت طلباً للشهادة، ولكن لو طلبت ألفاً من المؤمنين ليعيشوا من أجل الإسلام ويعملوا له، ربما لم يتقدم إليك أكثر من عشرة”.
وهي كلمات نحسبها في ميزان أعماله في لقائه مع ربه، ونحسبها وصية يوصينا بها لنعمل من أجل تحقيقها، واعتقد أن منتدى العلماء والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مع أسرة الشيخ وعارفي فضله والساعين في رفعة أمتنا في هذه الأيام العصيبة هم الأقدر على أخذ زمام المبادرة لتحقيق ما دعا إليه الشيخ.
سادساً وأخيراً: لقد رحل عبد الله يوسف القرضاوي إلى ربه كما رحل غيره من علماؤنا، وكما سيرحل غيرهم وكما سنرحل جميعاً، فليؤد كل منا أمانته وليتق الله به في نفسه وأمته بالعلم النافع والعمل الصالح والجهاد الصادق، في ظل الأيام العصيبة التي تمر بها الأمة وقد تكالب عليها أعداء الداخل والخارج يريدون النيل مما تبقى منها.
رحم الله إمامنا وعالمنا الدكتور يوسف القرضاوي وغفر له وأسكنه فسيح جناته