حوار: علي يونس/ترجمة: سيد أحمد الخضر
قال المؤرخ الإسرائيلي البارز إيلان بابي إن اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل أظهر للفلسطينيين أن واشنطن لا تهتم بمساعدتهم على إقامة دولتهم المستقلة.
وفي حوار على هامش منتدى الجزيرة الـ12 في الدوحة اعتبر بابي أن مواقف ترامب يجب أن تجعل الفلسطينيين يدركون أن الوساطة الأميركية ليست ضرورية لتحقيق السلام.
وأوضح المؤرخ اليهودي المولود في إسرائيل أن دعمه لاستعادة الفلسطينيين أراضيهم ينبع أولا من مبادئه الأخلاقية، وثانيا لاهتمامه بمستقبل اليهود في فلسطين التاريخية.
ولفت المؤرخ اليهودي إلى أنه حتى قبل عهد ترامب فإن الإدارات الأميركية السابقة -بما فيها إدارة أوباما- كانت تسعى من خلال الخطاب المزدوج لخداع الفلسطينيين وجعلهم يعتقدون أنه بإمكانهم الاعتماد على واشنطن كوسيط يساعدهم على إنشاء دولتهم.
وفي الحقيقة، فإن الحكومات الأميركية طورت المشروع الصهيوني في فلسطين وحافظت عليه، بما في ذلك توسيع المستوطنات، على حد قوله.
يشار إلى أن بابي نشر 15 إصدارا عن الشرق الأوسط، بينها كتابه “التطهير العرقي في فلسطين”، وهو يشغل منصب مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بجامعة إكستر في المملكة المتحدة.
حاليا ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني لأول مرة خلال السنوات الأخيرة، كيف تقيم وضع الفلسطينيين: انقساماتهم، وتقويض الإدارة الأميركية أسس المفاوضات السابقة؟
أعتقد أن عملية السلام بكاملها حتى الآن بنيت على مبادرات لا تراعي مصالح الفلسطينيين، الفلسطينيون لم يمتلكوا أي مبادرة، إنهم بحاجة لطرح مبادرات وأن يتقدموا إلى الأمام بطرح برنامجهم.
لقد فعلوا ذلك عام 1968 ولكنها كانت المرة الأخيرة، إنه وقت مناسب لمبادرة فلسطينية جديدة لا تمثل فقط الضفة وغزة وإنما تشمل كل الفلسطينيين حول العالم، أتمنى أن يدعموا قيام دولة ديمقراطية واحدة على عموم فلسطين.
بخصوص الولايات المتحدة.. ماذا تغير منذ وصول ترامب للسلطة؟
إدارة ترامب تبنت شفافية جديدة، قبل ترامب كان هناك خطاب مزدوج لدى الإدارات الأميركية، الأميركيون غالبا ما يقولون شيئا ويتصرفون على النقيض منه، ينطبق ذلك على (بيل) كلينتون و(جورج دبليو) بوش وأوباما.
إن قراره (ترامب) بشأن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس يمثل خرقا واضحا للقانون الدولي.
السؤال هنا هو: كيف نتعاطى مع ذلك ما دام لدينا رئيس أميركي يتصرف بطريقة طفولية ويمتلك في ذات الوقت قوة هائلة.
ما هي القوة التي تدفع إدارة ترامب تجاه تبني كل المواقف ووجهات النظر الإسرائيلية؟
تأييد إسرائيل في الولايات المتحدة مصدره المجتمع الصهيوني المسيحي، والدعم الذي يتلقاه ترامب من هؤلاء أكثر من الدعم الذي يحصل عليه من المجتمع اليهودي.
إن الجيل الشباب من اليهود الأميركيين غالبا ما ينأون بأنفسهم عن إسرائيل ويعارضون سياساتها.
معظم المسيحيين الصهاينة يدعمون إسرائيل نظرا لدينهم المسيحي وليس لأنهم يحبونها، إنها نسخة غريبة من المسيحية.
في الأغلب الناس يسيئون فهم دوافع دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإسرائيل، في الحزب الديمقراطي يؤيدون إسرائيل نظرا لقوة اللوبي الإسرائيلي، أما في الحزب الجمهوري فلديهم مصالحهم الكثيرة مع الصهيونية المسيحية.
إذاً، ما هي الآلية التي يجب أن يعتمدها الفلسطينيون وداعموهم في التعاطي مع القرار بشأن القدس وسياسات الإدارة الأميركية؟
هذا الموقف يخلص الفلسطينيين على الأقل من الاعتقاد بأن السلام يجب أن يأتي فقط عبر الآلية الأميركية.
إنه يسمح بتطوير التفكير بشأن حل ممكن، حل لا يتطلب بالضرورة تدخلا أميركيا ولا يعتمد على التفسير الأميركي الإسرائيلي لمعنى التسوية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تسوية مغايرة تصغي لمطالب الفلسطينيين وتطلعاتهم.
يعتقد الحكام العرب منذ أمد بعيد أن حل صراع الشرق الأوسط يجب أن يكون عبر تدخل أميركا التي يعتمدون عليها في حمايتهم وبقائهم، هل لا يزال هذا الافتراض قائما؟
أعتقد أنه من الصعب رؤية ذلك مع ترامب، فهو يتحدث عن سياسات انعزالية عندما لا يريد لأميركا أن تتدخل، ولكن عندما يريد التدخل يفعل ذلك بقوة، أرى أنه يجب علينا ألا نكون مهووسين بالمبادرات الأميركية وألا ننتظرها، يجب أن نقدم مبادرات من على الأرض ذاتها.
بالإضافة إلى ذلك، هناك فرق بين الحكومات والمجتمعات، الحكومات تخشى الحديث عن إمكانية التحرك من دون ضوء أخضر أميركي، أما المجتمعات فيجب أن تبعث رسالة لنخبها: نعم، إنكم تستطيعون.
إنك لا تحتاج إلى ضوء أخضر أو أحمر أميركي، ما تحتاجه هو أن تفكر بمبادئ حل توائم القرن الـ21، أي تلك التي تركز على حقوق الإنسان والحقوق المدنية.
ما الذي يجب على الناس التفكير فيه فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما هي المحددات أو المعالم التي يجب رسمها لكل من الجانبين؟
هناك حاجة إلى تفكير قديم جديد بشأن فلسطين، يجب أن نسعى لإنشاء دولة ديمقراطية موحدة وإزالة أيديولوجية الاحتلال الصهيونية من فلسطين.
إن هذا لن يحدث غدا، وسيكون تضليلا لو قلنا للناس إنه سيحدث غدا أو أنه طريق سالك، لا، إنه مسار صعب جدا بالنظر إلى الدعم الأميركي لإسرائيل من جهة والشقاق العربي والانقسام في المعسكر الفلسطيني من جهة أخرى.
هذا يعني أن أمامنا فترة طويلة قبل أن نتمكن من إنجاز ذلك، ومهما يكن فإن الذهاب عبر طريق طويل يؤدي لوجهة محددة أفضل بكثير من أن نسلك طريقا قصيرا مثل أوسلو الذي بدا وكأنه يؤدي لحل الدولتين ولكنه انتهى بمزيد من الاحتلال والقمع والظلم والمعاناة للشعب الفلسطيني.
تتحدث عن إزالة الاحتلال مما يعني نهاية للمشروع الصهيوني في فلسطين، ماذا سيحدث حينها لليهود الإسرائيليين، وكثيرون منهم صهاينة متحمسون؟
اليهود في فلسطين ستة ملايين، وهم يمثلون الجيل الثالث من المستوطنين، في أجزاء أخرى من العالم يحق للجيل الثالث من المستوطنين -مثل ما هو في جنوب أفريقيا- التمتع بحقوقهم الإثنية والسياسية ما لم يكن ذلك على حساب السكان الأصليين.
إن يهودا كثرا في إسرائيل لا يدركون أنهم يعيشون حياة خطيرة، حتى لو شعر الإسرائيليون بأنهم في أمان فإنهم في الواقع غير ذلك، عادة ما أستخدم هذا المجاز لتشخيص وضعية اليهود في فلسطين: حتى لو كنت في أفضل مقصورة في “تايتانيك” فإنك تظل في “تايتانيك” وستغرق بمجرد غرق السفينة، هم لا يدركون ذلك.
أنا يهودي إسرائيلي ولدت في إسرائيل، أهتم بالناس وعائلتي هناك، أقوم بهذا لأنه واجب أخلاقي في المقام الأول، ولأني أيضا أعتقد أنه الأفضل لمستقبلهم.
اتفاقية أوسلو استشرفت قيام دولة فلسطينية مستقلة خلال خمس سنوات، واليوم هناك ثمانمئة ألف مستوطن في الضفة الغربية، هل لا يزال حل الدولتين قابلا للتطبيق؟
حتى الآن لدينا خطاب أميركي مزدوج، ولعله من الوارد التشكيك فيما إذا كانت لدى أميركا أصلا الرغبة في إجبار إسرائيل على اتخاذ موقف مرن.
إن اللحظة التي قدموا فيها دعما مطلقا لنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس المحتلة أظهرت أن الحكومة الأميركية لا تستطيع أن تلعب دورا بناء (في عملية السلام) حتى لو اعتقد البعض في الضفة الغربية أن حل الدولتين سيخلصهم من الاحتلال.
أعتقد أنهم مخطئون، أرى أنهم قد يستيقظون يوما ما ليدركوا أن ما نحتاجه هو حل مغاير وليس حل الدولتين.
(المصدر: الجزيرة / مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستتراتيجية)