الصحابة الكرام (رضي الله عنهم) وفِهم عقيدة القضاء والقدر
بقلم د. علي محمد محمد الصلّابي (خاص بالمنتدى)
كان أمر العقائد في عهد الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم) على ما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلامة العقيدة، والتسليم لله ورسوله في كل أمر وعدم الجدال والخوض فيما خاض فيه من بعدهم، وبالنسبة لعقيدة القضاء والقدر، كان موقف الصحابة والتابعين التسليم والإيمان به على الوجه الحق، كما بينه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يبدر منهم شيء إلا كما بدر من بعضهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وسرعان ما يزول الالتباس بالإيمان القوي بعد البيان والإيضاح (1).
علي بن أبي طالب (رضي الله عنه):
خطب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فقال: ما يمنعه أن يقوم فيخضب هذه من هذا.
قالوا: يا أمير المؤمنين أما إذ عرفته فأرنا نبير عترته.
فقال: أنشد الله رجلاً قتل لي غير قاتلي.
قالوا: فأوصنا.
قال: أوكلكم إلى ما وكلكم الله ورسوله إليه.
قالوا: فما تقول لربك إذا قدمت عليه؟
قال: أقول كنت عليهم شهيداً مادمت فيهم حتى توفيتني وهم عبادك إن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم (2).
وقال: إن أحدكم لن يخلص الإيمان إلى قلبه حتى يستيقن يقيناً غير ظن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ويقر بالقدر كله (3).
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن القدر لا يرد القضاء، ولكن الدعاء يرد القضاء (4)، قال الله لقوم يونس: ﴿لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: 98] (5).
عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه):
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لا والله لا يطعم رجل طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر ويقر ويعلم أنه ميت وأنه مبعوث من بعد الموت (6).
وقال رضي الله عنه: أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، فاتبعوا ولا تبتدعوا، فإن الشقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره (7).
عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما):
عن ابن طاووس عن أبيه قال: أشهد لسمعت ابن عباس يقول: العجز والكيس بقدر (8). قال ابن عباس: إن الله عز وجل كان على عرشه قبل أن يخلق شيئاً فخلق القلم فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه (9).
وقال ابن عباس: القدر نظام التوحيد فمن وحد الله ولم يؤمن بالقدر كان كفره بالقضاء نقضاً للتوحيد، ومن وحد الله وآمن بالقدر كان العروة الوثقى لا انفصام لها (10).
وعن عطاء بن أبي رباح قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: يا أبا العباس أرأيت من صدني عن الهدى وأوردني الضلالة والردى ألا تراه قد ظلمني؟
قال: إن الهدى إن كان شيئاً لك عنده فمنعكاه فقد ظلمك وإن كان هو له يؤتيه من يشاء فلم يظلمك. قم لا تجالسني (11).
عن ابن عباس قال: كان الهدهد يدل سليمان على الماء، وقلت له: كيف ذاك والهدهد ينصب له الفخ عليه التراب؟
فقال: أعضك الله بهن أبيك، ألم يكن إذا جاء القضاء ذهب البصر (12).
عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما):
عن يحيى بن يعمر قال: قلت لابن عمر: إنا نسافر فنلقى قوماً يقولون: لا قدر، قال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أن ابن عمر منهم بريء، وهم براء ـ ثلاث مرات (13).
أبي بن كعب (رضي الله عنه):
عن ابن الديلمي قال: أتيت أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر فإنه وقع في قلبي شئ من هذا القدر فحدثني بشئ لعل الله أن يذهبه عني.
فقال: إن الله عز وجل لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وإن مت على غير ذلك دخلت النار. قال: ثم أتيت ابن مسعود فحدثني بمثل ذلك ثم أتيت ابن ثابت فحدثني بمثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (14).
عبادة بن الصامت (رضي الله عنه):
عن عبادة قال له ابنه عبد الرحمن: يا عبادة أوصني، قال: أجلسوني، فأجلسوه، ثم قال: يا بني اتق الله ولن تتق الله حتى تؤمن بالقدر ولن تؤمن بالقدر حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك (15).
الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما):
قال الحسن بن علي: قضي القضاء وجف القلم وأمور بقضاء في كتاب قد خلا (16).
عمرو بن العاص (رضي الله عنه):
قال عمرو بن العاص: انتهى عجبي إلى ثلاث: المرء يفر من القدر وهو لاقيه ويرى في عين أخيه القذا فيعيبها ويكون في عينه مثل الجذع فلا يعيبها ويكون في دابته “الصعر” ويقومها جهده ويكون في نفسه الصعر، فلا يقومها (17).
أبو الدرداء (رضي الله عنه):
قال أبو الدرداء: ذروة الإيمان أربع: الصبر للحكم والرضا بالقدر والإخلاص للتوكل والإستسلام للرب (18).