الشيخ محمد زحل العالِمٌ العامِل
بقلم نور الدين قلالة
الشيخ محمد زحل ( 1943 – 2017) عالم وداعية مغربي، درس على كبار المشايخ بمراكش وانتقل منها إلى الدار البيضاء حيث أمضى 55 عاما على المنابر وفي حلق العلم يعظ الناس ويفقههم في شؤون دينهم. وكان رئيس رابطة علماء المغرب العربي، وعضو مؤسس بمنظمة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
الشيخ محمد زحل هو واحد من أعمدة العمل الإسلامي بالمغرب بل هو من نوادر قياداته التاريخية إذ يحمل في ذاكرته الحية قدرا مهما جدا من تاريخ التجربة الدعوية بالمغرب، فبالإضافة إلى كونه واحدا من الرواد المؤسسين، فإنه ممن أسهموا في تجنيب سفينة العمل الإسلامي من الغرق.
هو من القيادات الدعوية النادرة التي جمعت بين العلم والعمل، يتميز بصفاء العقيدة، والحرص على العمل بالسنة، مع فقه واع لقضايا العصر، يتقد حماسا وغيرة على العمل والصحوة الإسلاميين. تنبعث من حديثه ثقة كبيرة بدينه، وعزة إيمانية عالية. يحرص كثيراً على الحديث بلغة عربية فصيحة، جريء في الحق، غير متردد في إبداء أفكاره، سواء منها ما يتعلق بواقع الحركة الإسلامية بالمغرب وتاريخها الشائك، أو ما يتعلق بالصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي بشكل عام.
المولد و النشأة والتكوين
ولد محمد زحل عام 1943 في بلدة تيلوى دوار إكوزلن – إقليم الصويرة على الساحل الغربي للمحيط الأطلسي. تلقى تعليمه الأول بالمدرسة “الجازولية”، ثم بالمدرسة “الهاشمية” تحت إشراف الشيخ البشير بن عبد الرحمن توفيق، والد الدكتور محمد عز الدين توفيق، ثم بمعهد تارودانت، ثم بمراكش في التعليم النظامي.
في أوائل سبعينيات القرن العشرين شارك الشيخ محمد زحل في تأسيس الحركة الإسلامية بمعية عبد الكريم مطيع وإبراهيم كمال وعبد اللطيف عدنان وعلال العمراني وعمر عصامي وإدريس شاهين وآخرين.
ولد الشيخ محمد زحل في وسط فقير، من أسرة كل أفرادها قراء وطلبة، حفظ القرآن على يد والده وعمره 11 سنة. وقبل بلوغه العامين اضطر والده لمغادرة البلدة نحو مدينة الصويرة “بحثا عن حياة أقل شدة وعيشة أقل ضنكا”. وفي الصويرة عمل والده إماما ومحفظا للقرآن، ولكن العائلة مرت بنكبة هناك حيث مات ثلاثة من أطفالها، مما اضطرها للعودة من حيث أتت عام 1949. وقد عانى زحل في طفولته، فبالإضافة إلى فقر عائلته أصيب بالشلل في مرحلة مبكرة من العمر.
درس القرآن الكريم على والده وأتقنه نصا ورسما. وفي عام 1956 التحق بالمدرسة الجزولية حيث درس الأجرومية ولامية الأفعال وألفية ابن مالك وتحفة ابن عاصم ومتن الرسالة، إلى جانب بعض المتون الأدبية. وبعد إلحاحه أذن له والده في الالتحاق بالمدرسة الهاشمية في تمنار.
ومن المدرسة الهاشمية انتقل إلى المعهد الإسلامي في تارودانت الذي كانت تديره جمعية علماء سوس. ولاحقا غادر محمد زحل إلى مراكش حيث التحق بكلية ابن يوسف ذات الصيت الذائع.
أثناء وجوده في مراكش أخذ العلم عن العديد من المشايخ الكبار أمثال الحسين راغب وأحمد أملاح وحسن جبران وعمر فوزي والمختار السباعي والعلامة الرحالي فاروق وعبد السلام جبران. وبعد تخرجه من كلية ابن يوسف عام 1963 سافر إلى الدار البيضاء ونجح في مسابقة المعلمين، مما أهله للالتحاق بمدرسة المعلمين وتخرج منها بعد ذلك بعام.
التجربة الدعوية
باكرا، أبدى الشيخ زحل نفورا من الوسط الصوفي ومن اهتمام المجتمع بالأضرحة. وقد برر تعلقه بالانضمام إلى المدرسة الهاشمية في “تنمار” بما لاحظه من شجاعة طلابها وجرأتهم على الكلام “وانتقاد الأساليب العتيقة في التعليم لدى بعض الشيوخ، وهجومهم على الطرق الصوفية وانتقادهم لزواياها واعتراضهم على الأضرحة وغلو الناس فيها، وما يساق لها من القرابين والنذور”.
وبعد انتقاله إلى الدار البيضاء والتحاقه بسلك التعليم، بدأ الشيخ محمد زحل مسيرته الدعوية فكان نشاطه مكتظا بالمحاضرات والدروس في المساجد والأندية ودور الشباب والجمعيات الثقافية. وإلى جانب نشاطه الدعوي والتعليمي تولى الخطابة في العديد من المساجد.
يروي زحل أنه شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسجد الفوارات بالدار البيضاء، وشرح صحيح الإمام مسلم على امتداد سنتين في جامع الشهداء الذي كان يخطب فيه الجمعة أيضا. وعلى امتداد 13 عاما درّس الشيخ زحل صحيح البخاري في جامع عين الشق العتيق.
10 سنوات في مجلة “الفرقان”
وفي عام 1984 أسس زحل مجلة “الفرقان” وتولى إدارتها لعشر سنوات بمعية الدكتور سعد الدين العثماني الذي يشغل حاليا منصب رئيس الحكومة المغربية. وأصدر خلال مساره عدة كتب وأشرطة من دروس ومحاضرات. كما عمل الشيخ محمد زحل معلما في المدارس الحكومية بمدينة الدار البيضاء، وتولى الخطابة والإمامة والتدريس في العديد من جوامعها.
كما عمل في جمعية “أنصار الإسلام” صحبة الفقيه العلامة محمد مفضال السرغيني والأستاذ محمد الجبلي، وعمل أيضا في جمعية شباب الدعوة الإسلامية.
ونال عضوية مؤسسات إسلامية داخل المغرب وخارجه، حيث نال الشيخ زحل عضوية رابطة علماء المغرب، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وشارك في مؤتمرات علمية وثقافية في الداخل والخارج.
وفاته
توفي الشيخ محمد زحل يوم 23 أغسطس/آب 2017 في مدينة الدار البيضاء المغربية عن عمر ناهز 74 عاما. ونعت رابطة علماء المغرب العربي الشيخ الرّاحل، وقالت في بيانها: بكل الأسـى والحزن تلقينا خبـر وفاة رئيس رابطتنا رابطة علماء المغرب العربي الشيخ العالم العامل المجاهد القدوة بقية السلف في زماننا، الشيخ محمد زحل، نسأل الله أن يتغمده برحمته وأن يجعله في علييـن مع النبييـن والصديقيـن والشهداء، فقد كان منارة للعلم والصبـر والعفة والغيـرة على دين الإسلام في ثبات وصبـر وقوة فهم وحسن خلق”.
وقال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بيان نعي الشيخ محمد زحل: “وقد فقدتْ الأمّة الإسلامية واحداً من قادتها المجاهدين وأحد علمائها الربانيين، نرجو من الله العلي القدير أن يغفر له، ويرحمه، ويعفو عنه، ويجزيه خير الجزاء، ويكرم نزله، ويوسع مثواه، ويدخله جنة الفردوس، ويحشره يوم القيامة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين”.
(المصدر: إسلام أونلاين)