مقالاتمقالات مختارة

الشيخ كشك: الضرير الذي هزَّ عرش طغاة عصره

الشيخ كشك: الضرير الذي هزَّ عرش طغاة عصره

بقلم محمد عبد الرحمن صادق

إن شخصية الشيخ عبد الحميد كشك – رحمه الله – من الشخصيات الموسوعية الفريدة التي قلما يجود الزمان بمثلها في زمان كزماننا.

لقد كانت كل المعطيات والظروف التي أحاطت بالشيخ منذ نعومة أظافره تقول إنه لو حافظ على الأخلاق والآداب العامة وتدين تدين العوام لكفاه ذلك، وإذ به يتغلب على كل ظروفه ويقهر كل الأعذار حتى أصبح من صفوة الصفوة في عالمنا المعاصر.

– ولمَ لا؟ وهو الذي أتم حفظ القرآن الكريم في طفولته، وتفوق على أقرانه – على مستوى الجمهورية – في كل مراحله التعليمية حتى أتم التعليم الجامعي، وأتقن اللغة وتبحر في آدابها، وأجاد الخطابة ودروبها.

– ولمَ لا؟ وهو الذي تعرف على المجتمع بتفاصيله وأسرار طبقاته فما رحم ظالماً وما خذل مظلوماً!

– ولمَ لا؟ وهو الذي اعتاد الجهرَ بالحق منتقداً به كبار الطغاة في العالم العربي والإسلامي.

– ولمَ لا؟ وهو الذي تحدى الفاسدين المفسدين من كبار السياسيين والمثقفين والفنانين وغيرهم، حتى جعل منهم مَضرباً للتهكم والسخرية أمام العوام.

نبذة عن حياة الشيخ كشك – رحمه الله

ولد الشيخ عبد الحميد كشك في شبراخيت بمحافظة البحيرة، يوم الجمعة الموافق العاشر من مارس 1933م، وتوفي يوم الجمعة الموافق 6 ديسمبر 1996م، وذلك عن عمر 63 عاماً.

فقد الشيخ عبد الحميد كشك بصره في طفولته، فكان يردد عبارة ابن عباس – رضي الله عنهما – لما عمِي في آخر عمره ويقول:
إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما * ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ

أتم حفظ القرآن الكريم وهو في سن العاشرة.

حصل على المركز الأول على الثانوية العامة على مستوى الجمهورية بمجموع 100%.

التحق بكلية أصول الدين، وكان ترتيبه الأول في كل السنوات.

عُيِّن مُعيداً بالكلية، ولكنه فضّل الخطابة وتفرغ لها.

اعترض على نظام عبد الناصر فاعتُقِل، وعارض اتفاقية كامب ديفيد فاعتقله السادات.

عندما مُنع من الخطابة ألف كتاب “في رحاب التفسير” من 10 مجلدات.

له 108 كتب، وآلاف الخطب والدروس المُسجلة.

عُرف الشيخ كشك بالجرأة في الحق، وعرف كذلك بأسلوبه الساخر وسرعة البديهة.

كان له خط سياسيٌ يستمده من الإسلام، وكان -رحمه الله- يعدّ أيَّةَ سياسة تتخذها الدولة يجب أن يكون أساسها من الدين، وإذا خرجت عنه فهي دولة فاشلة، والأسوة في ذلك دولة الرسول ﷺ وخلفائه الراشدين.

اعتقل الشيخ كشك لأول مرة عام 1965 في عهد عبد الناصر وكان عمره حينها 32 عاماً، وقضى في المعتقل عامين ونصفاً، تنقل خلالها بين عدة سجون ومعتقلات، إلا أن السجن لم يثنه عن مواقفه السياسية.

احتدت معارضة وانتقادات الشيخ كشك – رحمه الله – ضد السلطة في مصر بشكل أكبر وأوضح عام 1976 حين أبرمت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني؛ فقد اتهم الحكومة المصرية بخيانة الإسلام، وظل يهاجم الدولة إلى أن اعتقل عام 1981، ضمن اعتقالات سبتمبر الشهيرة، وصاحب خروج الشيخ كشك من المعتقل، قراراً بمنعه من الخطابة ومن إلقاء الدروس، إلا أنه لم يتوقف عن المقولات والمواقف المثيرة في عهد مبارك.

جرأة الشيخ كشك وجسارته رغم المنع من الخطابة

كما قلنا إن الشيخ كشك – رحمه الله – كان قد مُنع من الخطابة ومن إلقاء الدروس إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يقف في سرادق عزاء الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين عام 1986 ويلقى فيه خطبة عصماء، قال فيها:

“اسألوا التاريخ عن الجبابرة، اسألوا التاريخ عن القياصرة، اسألوا التاريخ عن الأباطرة، اسألوا التاريخ أين الجبابرة، أين الذين كانوا يقولون لن نرحل، اسألوا التاريخ عنهم أين هم الآن، أين الذي نادى بأعلى صوته وقال لن أرحل، اسألوا التاريخ عن هؤلاء، اسألوا التاريخ عن هؤلاء.

ولي في فناء الخلق أكبر عِبرة * لمن كان في بحر الحقيقة راق
شُخوص وأشكال تمر وتنقضي * فتفنى جميعاً والمُهمين باق

اسألوا التاريخ… اسألوا التاريخ عن هتلر، اسألوا التاريخ عن موسوليني، اسألوا التاريخ عن لينين، اسألوا التاريخ عن ستالين، اسألوا التاريخ عن فاروق، اسألوا التاريخ عن عبد الناصر، اسألوا التاريخ عن السادات، اسألوا التاريخ عن جبابرة الشرق والغرب، اسألوا التاريخ عنهم أين هم الآن… أين هم الآن… البقاء للواحد القهار… البقاء لله وحده… أين الذي كان إذا أشار بإصبعه امتلأت السجون وغصَّت المُعتقلات، أين الذي وقف أمام قبر لينين وأقسم بالله أنه لن يرحل، اسألوا التاريخ يا من تمرون بكوبري القبة، ويا من تمرون بمدينة نصر {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الصافات: 137، 138].

محطات من حياة الشيخ كشك – رحمه الله

في آخر حوار أجراه الكاتب الصحفي محمود فوزي مع الشيخ كشك – رحمه الله – قبل وفاته وجه إليه هذا السؤال:

فضيلة الشيخ… هناك سؤال طالما جال بخاطر الكثيرين ألا وهو: ما الحكمة التي خرجت بها من هذه الحياة؟ سواء تجربة السجن أو المحنة… ما الحكمة بعد كل هذه التجربة الثرية العريضة؟
فأجابه الشيخ كشك قائلاً:
“لخصتها في ست حكم:
الأولى: ذقت الطيبات كلها، فلم أجد أطيب من العافية.
الثانية: وذقت المرارات كلها، فلم أجد أمرّ من الحاجة إلى الناس.
الثالثة: وحملت الصخر والحديد، فلم أجد أثقل من الدَّيْن.
الرابعة: ولو سئلت عمن أثقل من السموات والأرض، لقلت تهمة البريء.
الخامسة: الشجاعة ليست هي التهور، إنما أن تقول الحق دون أن تسمح للآخرين بأن يتسلقوا على كتفيك.
السادسة والأخيرة: إياك أن تغتر بالعواطف؛ فإن العواطف تخفي وراءها ما وراءها!
هذه هي الحكمة التي أخذتها من الحياة”

قال عنه الأديب رفقي بدوي: “الشيخ ذو البصر والبصيرة… الشيخ الذي قال كلمة الحق في وجه الحاكم الظالم، الشيخ الذي تغلق منطقة دير الملاك للاستماع لخطبته، الشيخ المدافع عن الدين وعن دنيا الناس”
وتابع بدوي قائلاً: “هو كشك المعلم والمربي والثوري الحقيقي الذي لم ينفصل بالدين بعيداً عن هموم الناس ومشاكلهم وأذواقهم فهو متابع للثقافة والفن المقدم من السلطة للشعب المسلم وهل يتوافق مع النص القرآني والفقه، رحم الله الشيخ كشك الذي أقض مضاجع الحاكم”

من أقوال الشيخ كشك – رحمه الله

– إن الإعلام في مصر يرضع الشعب بلبن فاسد أصاب الناس بالنزلات الأخلاقية والعفونة الأدبية، افطموا هذا الشعب يا سادة! افطموه عن هذا الإعلام الذي يضيع الأخلاق ويضيع الأرزاق.

– الدنيا إذا حلت أوحلت وإذا كست أوكست وإذا أينعت نعت.

– النفس كالزجاجة، إن لم يملأها شيء ملأها الهواء.

– ومن أقواله: كم من ملك رُفِعَتْ له علامات فلما علا (مات).

– وقال مُعلقاً على موت جمال عبد الناصر: “هذا اليوم يجب أن نأخذ منه العبرة، يوم الـ28 من سبتمبر 1970 مات فيه حاكم مصر السابق وكان لا يظن أنه سيموت، كان لا يعتقد أن ملك الموت يجرؤ أن يقتحم الأسوار المنيعة ويدخل عليه”.

– وقال منتقداً الرئيس السادات: “أنور السادات؟ لا نور ولا سيادة”.

– ومن العبارات التي وجهها للرئيس السادات في صدر إحدى خطبه وكانت سبباً في اعتقاله: “اتق الله أيها الظالم”.

– ومن الكلمات التي انتقد بها الأزهر؛ لسكوته على بطش عبد الناصر: “لقد مات الأزهر وقسِّم وضرب به إلى مجلس الأمة ليصلوا عليه صلاة الجنازة، ثم امتلأت السجون في 1965 بكل الموحدين”.

من طرائف الشيخ كشك الشهيرة

– من العبارات التي قالها باللغة العامية في إحدى خطبه: “كنا نبحث عن إمامٍ عادل آمْ طِلِعْلِنا عادل إمام”.

– ويُذكر أيضاً عن الشيخ – رحمه الله – أنه قال: “الظلم تسعة أعشاره عندنا في السجن، وعشر يجوب العالم كله، فإذا أتى الليل بات عندنا”.

– وفي إحدى خطبه قال: “اخوانَّا المباحث في الصف الأول يتقدموا علشان إخوانهم المصلين في الخارج”.

– وقال: “اللهم صلّ على الصف الثاني، والثالث، والرابع فقيل له والصف الأول يا شيخ فقال: دا كله مباحث يا اخوانَّا”.

– وقال عن مصطفى أمين عندما دعا للاحتفال بعيد الأم: “لا تمشوا وراء مصطفى أمين وانما سيروا وراء المصطفى الأمين”.

– وقال عن قاسم أمين الذي دعا للتبرج والسفور: “لا تتبعوا قاسم أمين واتبعوا أبا القاسم الأمين”.

– ويذكر أنه في إحدى خطبه تحدث عن جريمة قتل حدثت في محافظة كفر الشيخ، فقال: “وجدوا الجثمان في محافظه كفر الشيخ وما كفر الشيخ ولكن الشياطين كفروا”.

– ومن أقواله عن هيئة الأمم المتحدة: “إذا احتكمت دولتان صغيرتان إلى هيئة الأمم المتحدة ضاعت الدولتان الصغيرتان معاً، وإذا احتكمت دولة صغيرة ودولة كبيرة إلى هيئة الأمم المتحدة ضاعت الدولة الصغيرة، أما إذا احتكمت دولتان كبيرتان إلى هيئة الأمم المتحدة ضاعت الأمم المتحدة نفسها”.

موقف بطولي نادر

من أبرز المواقف البطولية النادرة في حياة الشيخ كشك – التي إن دلت على شيء فإنما تدل على فهمه الدقيق وإخلاصه العميق – أنه عندما عرض عليه الخروج من مصر خوفاً على حياته قال: “هذا التولي يوم الزحف”.

وفاته – رحمه الله

توضأ الشيخ كشك في بيته لصلاة الجمعة وكعادته، كان يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل الصلاة وصلى ركعة، وفي الركعة الثانية، سجد السجدة الأولى ورفع منها ثم سجد السجدة الثانية وفيها توفي. وكان ذلك يوم الجمعة الموافق 26 رجب 1417 هـ / 6 ديسمبر 1996م.

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى