الشباب وانهيار المنظومات الدينية.. إلحاد حقيقي أم رفض للمجتمع؟
بقلم د. محمد نور حمدان
بدأ انتشار الإلحاد كظاهرة بين الشباب السلم بعد الثورات المضادة لثورات الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس والفوضى التي حصلت في سوريا واليمن والتساؤل الحقيقي حول هذه الظاهرة هل هو إلحاد حقيقي بدأ ينتشر بين الشباب المسلم بمعنى هل هذا الإلحاد يعبر عن عقيدة متأصلة عند هذا الشخص أم هي عبارة عن مجموعة من الإحباطات والتساؤلات والشكوك التي بدأت تعترض الشباب وبسبب هذه الإحباطات المتكررة نتج عنه ردة فعل وميول نحو الإلحاد وإنكار وجود الله.
تابعت في الفترة الأخيرة حسابات بعض الشباب الذين أعلنوا إلحادهم وبعض المقالات والبرنامج الذي بثته قناة الجزيرة الذي تضمن مجموعة من الشباب الذين أعلنوا إلحادهم بعد ثورة 25 يناير في مصر ومما لاحظته بعد هذه المتابعة أنه يوجد شعور عام من اليأس والإحباط وهذا الشعور هو موجود عموما عند كل شخص عربي ومسلم بعد هذا الاستبداد الذي شاهده في قمع ثورات الربيع العربي وبعد التوظيف السياسي للدين وبعد ظهور الحركات المتطرفة التي عبرت بشكل سلبي عن فكرة الدولة المسلمة وفكرة الجهاد الإسلامي وهذه الأسباب أدت إلى رفض هذا الواقع المرير الذي يعيشه الشباب العربي والمسلم وانتشار ظاهرة الإلحاد بين بعض الشباب.
إن ظاهرة الإلحاد التي ظهرت لا تعبر عن حركة فكرية تتضمن مجموعة من الشبهات والشكوك حول وجود الله سبحانه وتعالى وحول فكرة الغيب وفكرة اليوم الآخر وفكرة الحساب وفكرة وجود الجنة والنار وفكرة إرسال الرسل. إنما هذه الظاهرة هي أقرب ما تكون بردة فعل على المجتمع بعد ثورات الربيع العربي التي حصلت ورفضت الأنظمة الاستبدادية والسياسية أعقبتها موجة من اليأس والإحباط قادت بعض الشباب إلى رفض المجتمع الذي يعيشون به والواقع المرير الذي يعانونه ووصلت بهم إلى رفض كل شيء وصولا بهم إلى الإلحاد كما دفعت حالة اليأس والإحباط بالمقابل عند بعض الشباب إلى الغلو والتطرف.
إن ظاهرة الإلحاد التي نشاهدها عند بعض الشباب اليوم ليست ظاهرة جديدة وإنما في خمسينيات القرن الماضي بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وظروف الاحتلال الذي شهدته البلاد العربية وظهور الاتحاد السوفييتي وانتشار أفكار الماركسية والشيوعية اجتاحت ظاهرة الإلحاد عقول كثير من الشباب المسلم كردة فعل على المجتمع إلا أن هذه الظاهرة لم تدم طويلا ثم اختفت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات.
إننا نرى اليوم معظم الشباب الذين تبنوا الإلحاد هم لم يرفضوا الدين فحسب وإنما رفضوا مجموعة من العادات والتقاليد والقيم التي نشؤا عليها وكذلك رفضوا المجتمع الذي يعيشون به فتراهم معجبين بالحضارة الغربية والحياة الأوروبية ويتوجهون بنقدهم الكبير لمجتمعهم ويعتبرون أن هذا المجتمع بحكامه ومحكوميه وعلمائه وأفراده هو نتاج الدين.
إن توظيف الدين وعلمائه لخدمة السياسة قد ساهم كثيرا في انتشار الإلحاد بين عقول الشباب المسلم فعندما يكون هذا الشاب قد تربى على يد شيخ أو عالم أو داعية يسمع توجيهاته وأقواله صباح مساء ويتخذه قدوة له وإذ به يتفاجأ بأن هذا الشيخ أو الداعية قد تم توظيفه لمشاريع استبدادية معينة ويصدر هذا العالم والمفتي عددا من الفتاوى في استباحة دماء المظلومين والأبرياء ويشرعن أفعال الحكام الظلمة فماذا سيكون موقف الشاب من هذا الداعية والعالم.
من الطبيعي مثل هذه الظاهرة ستحدث عند هذا الشاب أزمة نفسية عميقة تقوده إلى إعادة التفكير وتولد عنده صراعات لا متناهية قد تقوده إلى الإلحاد. إن ما شهدناه بعد ثورات الربيع العربي والثورات المضادة من سقوط شخصيات إسلامية كبيرة في جميع الوطن العربي وكانت هذه الشخصيات محل تأثير في المجتمع المسلم وتصدرت الشاشات والكتب والمجلات وبلغ عدد متابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي الملايين كفيلة بأن تدفع عددا من الشباب في إعادة التفكير بانتمائهم الديني والبديهيات التي تربوا عليها وإعادة البحث عن هوياتهم التي ضاعت بهد هذه الهزات العنيفة.
قد لا تكون مواجهة هذه الظاهرة بدفع الشبه والبراهين على إثبات وجود الله كافية لعودة هؤلاء الشباب الملحدين إلى الدين فمن خلال متابعتي لحساباتهم وبعض المقالات هم لا يحتاجون إلى بذل البراهين إلى إثبات وجود الله والنقاش العقلي المحض في دفع الشبه ومناقشتها وإنما مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى بذل الجهد في إعادة بناء المجتمع على مجموعة من القيم كالعدل والصدق والمساواة والرحمة والتكافل تحتاج إلى القضاء على ظاهرة الاستبداد السياسي وبناء دولة فيها مقومات العدالة والحربة والمواطنة تحتاج إلى إعادة كرامة الإنسان التي فقدت بسبب الحكام المستبدين تحتاج إلى بذل الجهد في القضاء على توظيف الدين لخدمة الساسة وإيقاف تسلط الأجهزة المخابراتية على المؤسسة الدينية والحركات الإسلامية وإلا فنحن مقبلون لا قدر الله على موجات إلحاد أكثر بين شبابنا.
(المصدر: مدونات الجزيرة)