مقالاتمقالات مختارة

السُّلطان عبد الحميد وجمعيَّة الاتِّحاد والتَّرقِّي الإصلاح السياسي كذريعة لتغلغل الفكر القومي التغريبي

السُّلطان عبد الحميد وجمعيَّة الاتِّحاد والتَّرقِّي الإصلاح السياسي كذريعة لتغلغل الفكر القومي التغريبي

بقلم د. علي الصلابي

كان الشَّباب العثمانيُّ المثقَّف في النِّصف الثَّاني من القرن التَّاسع عشر قد تأثَّر بأفكار الثَّورة الفرنسيَّة؛ الَّتي حققت حكماً ديمقراطيَّاً في فرنسا، وأتت بأفكار القوميَّة، والعلمانيَّة، والتَّحرُّر من حكم الفرد، وكذلك تأثَّر بالحركة القوميَّة الإِيطاليَّة الَّتي قادها (ماتزيني) بنظمها، وخلاياها، وكانت الدَّولة العثمانيَّة قد تعرَّضت لحملاتٍ عسكريَّةٍ، وإِعلاميَّةٍ، غرضها إِضعاف الدَّولة، ومن ثمَّ العمل على تفتيتها، وكانت الدُّول الأوربيَّة تتَّخذ من أوضاع النَّصارى في الدَّولة حجَّةً للتَّدخُّل، وفي هذه الظُّروف وبالضَّبط في عام 1865 م كان ستَّةٌ من الشَّباب العثمانيِّين المثقَّفين يُسَرُّون عن أنفسهم في حديقة في ضواحي إِستانبول تسمَّى (غابة بلغراد).

تحدَّث هؤلاء الشَّباب في موضوعاتٍ سياسيَّةٍ، وخرجوا بفكرة تكوين جمعيَّةٍ سرِّيَّةٍ، على نمط جمعيَّة (إِيطاليا الفتاة) الَّتي أسَّسها الزَّعيم الإِيطالي (ماتزيني) عام 1831م، بهدف الوحدة الإِيطاليَّة تحت راية الجمهوريَّة، أطلق هؤلاء الشَّباب على جمعيَّتهم هذه اسم (اتِّفاق الحميَّة) ومن ضمن هؤلاء الشُّبَّان الشَّاعر الَّذي أصبح فيما بعد واسع الشُّهرة: نامق كمال. ورأوا: أنَّ العمل لا بدَّ أن يكون في شكل تعريف الشَّعب بحقوقه السِّياسيَّة، وحصوله عليها، وبالتَّالي فإِنَّ رغبة الشُّعوب النَّصرانيَّة في الاستقلال بمناطقها عن الدَّولة لن تجد لها ما يبرِّرها من تدخُّلٍ أجنبيٍّ بحجَّة مساندة الأقلِّيَّات الدِّينيَّة، وكانوا يرون: أنَّ إنقاذ الدَّولة من حالة التَّردِّي الَّتي وصلت إِليها يكون بإِيجاد نظامٍ سياسيٍّ ديمقراطيٍّ.

وكان في فرنسا في تلك الفترة مصطفى باشا الأمير المصري الَّذي نازع فؤاد باشا رغبةً في تولِّي عرش مصر، وفي فرنسا أعلن الأمير: أنَّه ضمن التَّيَّار المنادي بالدُّستور في الدَّولة العثمانيَّة، وقدَّم نفسه بعبارة ممثِّل حزب تركيَّا الفتاة، وأعجب هذا الاسم المجتمعات الأوربيَّة المعنيَّة، فشاع اسم «حزب تركيَّا الفتاة» في أوربَّة.

التحق ثلاثةٌ من الإِعلاميِّين الثَّوريِّين العثمانيِّين هم: نامق كمال، ومحمَّد ضياء، وعلي سعاوي، بالأمير المصري مصطفى فاضل في باريس، وكوَّنوا منظَّمةً أسموها «جمعيَّة العثمانيِّين الجدد».

وكان أبرز شخصيَّات جمعيَّة العثمانيِّين الجدد إِعلاميِّين، وشعراء، وأدباء وعلى رأسهم نامق كمال، وعلي سعاوي. وكان من أشهر تلك الشَّخصيَّات تأثيراً على السَّاحة الأوربيَّة نامق كمال؛ الَّذي تثقَّف ثقافة إِسلاميَّةً، وكما تأثَّر بفلاسفة الثَّورة الفرنسيَّة، مثل (روسو). وله حياةٌ أدبيَّةٌ واسعةٌ، وكتاباتٌ امتدَّت عبر ربع قرن عبَّر عن أفكاره من خلال الشِّعر، والإِعلام، والكتابة، والتَّاريخ، وكانت كتاباته تسعى للإِجابة عن ثلاثة أسئلةٍ هي:

1 ـ ما أسباب انحطاط الدَّولة العثمانيَّة؟

2 ـ ما الطُّرق الَّتي يمكن بها أن نوقف هذا الانحطاط؟

3 ـ ما الإِصلاحات اللازم عملها في هذا السَّبيل؟

كما يمكن إِدراج إِجابات نامق كمال في ثلاث نقاطٍ رئيسيَّة، هي:

1 ـ أسباب انحطاط الدَّولة العثمانيَّة أسبابٌ اقتصاديَّةٌ، سياسيَّةٌ.

2 ـ التَّربية: هي الطَّريق الَّتي يمكن أن يوقف بها هذا الانحطاط.

3 ـ الإِصلاح الرَّئيسي الواجب عمله، هو: البدء بإِقامة نظام دولةٍ مركزيَّةٍ دستوريَّةٍ.

وكان نامق كمال يرى: أنَّ حركة التَّنظيمات العثمانيَّة استبدلت بسلطة السَّلاطين سلطة الباب العالي، أي: الصُّدور العظام الوزراء. لذلك فإِنَّ النِّظام الَّذي جاءت به التَّنظيمات نظامٌ أقلُّ من النِّظام العثماني القديم، لذلك لم تستطع التَّنظيمات أن تحقِّق نهضةً اقتصاديَّةً في الدَّولة، وفتحت هذه التَّنظيمات الباب على مصراعيه لتدخُّل الدُّول الأوربيَّة في الشُّؤون العثمانيَّة الدَّاخليَّة.

وقد قال نامق كمال بفكرة الحقوق الطَّبيعيَّة الَّتي هي الأساس الفلسفي للحضارة الغربيَّة المعاصرة، وقدَّم نامق كمال مشروعاً للدُّستور العثماني إِلى مدحت باشا، وكان متأثِّراً بالدُّستور الفرنسي (دستور نابليون الثَّالث عام 1852م). ورأى نامق كمال: أنَّ هذا هو المناسب تماماً لظروف الدَّولة العثمانيَّة في ذلك الوقت، وكان نامق كمال صديقاً لمدحت باشا، ولذلك تأثَّر بقرار السُّلطان عبد الحميد في عزله، وقد تحدَّث السُّلطان عبد الحميد عن نامق كمال في مذكَّراته: (كان كمال بك أكثر مَنْ لفت انتباهي من بين عدَّة أشخاصٍ أطلقوا على أنفسهم «العثمانيُّون الجدد». كان إِنساناً مضطَّرباً جدَّاً، لا تتوافق حياته العائليَّة مع حياته الخاصَّة، ولا تتوافق حياته القلميَّة مع حياته الفكريَّة.

يمكن أن تجزم بأنَّ إِنساناً ما يستطيع عمل أمرٍ ما، أو لا يستطيع، لكنَّك لا تستطيع القطع بهذا بشكلٍ من الأشكال؛ وأنت تفكِّر في كمال بك، ذلك لأنَّه هو نفسه لا يعرف نفسه، تستطيع القول: إِنَّه واحدٌ من الأشخاص النَّادرين؛ الَّذين يحيون حياتين مزدوجتين، كلُّ حياةٍ تختلف عن الأخرى حسب مزاجه. من يعرفونه عن قربٍ يعرفون: أنَّه عندما كان على وئامٍ مع السَّراي؛ كتب (التَّاريخ العثماني) وعندما فسدت هذه العلاقة، يعرفون: أنَّه قطع رأس التنِّين بقوله: (كلبٌ هو الَّذي يأمن لخدمة صيَّادٍ غير منصف). إِنَّه إِنسانٌ متقلِّبٌ، ربَّما كان إِنساناً مخلصاً جدَّاً، يمكنك خلال ساعات أن تجعله يفكِّر مثلك، ولا يمكنك معرفة عدد السَّاعات، أو الأيَّام الَّتي سيحمل فيها هذه الأفكار).

بعد أن وجد السُّلطان عبد الحميد: أنَّ جماعة العثمانيِّين الجدد بقيادة مدحت باشا تمارس ضغطاً متواصلاً لقبول أفكارها، وأجبرته على دخول الحرب العثمانيَّة الرُّوسيَّة؛ عمل على تشتيت أعضاء هذه الجمعيَّة؛ فبدأ بنفي كبيرها وهو الصَّدر الأعظم مدحت باشا. بعد ذلك مباشرةً قامت ضدَّ السُّلطان مؤامرتان لخلعه. واحدةٌ: بقيادة علي سعاوي، وهو من أعضاء هذه الجمعيَّة. والأخرى: ماسونيَّةٌ قامت بها جمعيَّة كلانتي سكالييري ـ عزيز.

والمؤامرتان مدعومتان من إِنجلترا، وفشلت كلتاهما، لكنَّهما جعلتا السُّلطان يتشدَّد في مراقبة الفكر الوافد، والمتأثِّرين به، وقامت أثناء ذلك أيضاً خليَّةٌ سرِّيَّةٌ، من طلاب المدرسة الحربيَّة في إِستانبول من أصحاب الفكر الجديد، هدفها مقاومة حكم السُّلطان عبد الحميد، حيث استطاع أحد أعضاء جمعيَّة (كلانتي ـ عزيز بك) الماسونيَّة وهو: (علي شفقتي بك) الفرار إِلى نابُّولي، وإِلى جنيف، حيث أصدر بين عامي 1879م و 1881م جريدةً مناهضةً للحكم العثمانيِّ، بعنوان (استقبال) بمعنى المستقبل.

وفي عام 1889م تأسَّست منظَّمةٌ طلابيَّةٌ في المدرسة العسكريَّة الطِّبِّيَّة في إِستانبول، حيث كان بعض الأساتذة هناك يحرِّضون الطُّلاب بشكلٍ، أو باخر للقيام بمعارضة الحكم، ونشر أفكار العثمانيِّين الجدد بين الطُّلاب، وكان المؤسِّس لهذه المنظَّمة إِبراهيم تيمو الرُّوماني الَّذي تأثَّر بالمحافل الماسونيَّة الإِيطاليَّة، وأطلق على هذه المنظَّمة: الاتِّحاد العثماني، واختاروا يوم الاحتفال بذكرى الثَّورة الفرنسيَّة المئويَّة، تاريخاً لإِنشاء منظَّمتهم، وجعلوا من أهدافهم مقاومة حكم السُّلطان عبد الحميد، وتكوين دولةٍ مناسبةٍ لأفكار العصر السِّياسيَّة، تتَّخذ من الدُّول الغربيَّة نموذجاً لها، مثل إِنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، والمناداة بالدُّستور، والحرِّيَّة، والدِّيمقراطيَّة.

ومن المدرسة العسكريَّة الطِّبِّيَّة سرت أفكار جمعيَّة (الاتِّحاد العثماني) إِلى مختلف المدارس العليا الأخرى. وكانت خلايا جمعيَّة الاتِّحاد هذه سرِّيَّةٌ على نظام جمعيَّة (الكاربوناري) الإِيطاليَّة.

ولم تكن الجمعيَّة متعجِّلةً، لا في الدِّعاية لأفكارها، ولا في الحركة ضدَّ السُّلطان، حتَّى إِنَّ أحمد رضا بك قد وصل إِلى منصب مدير إِدارة المعارف في منطقة بورصة، وسافر عام 1889م إِلى باريس بحجَّة حضور معرض باريس الدَّولي، ووصل إِلى هناك، وأعلن أنَّه لن يرجع إِلى بلاده، ومكث في فرنسا حوالي ستِّ سنواتٍ، لم تصدر عنه حركة معارضةٍ جديرةٌ بالتَّسجيل إِلى حين أصدر جريدته (مشورات) عام 1895م.

ويذكر مؤسِّس جمعيَّة الاتِّحاد ـ وهو إِبراهيم تيمو ـ: أنَّه كان يمضي أوقاته في الخارج ـ حتَّى عام 1895م ـ بمحاولة كسب أعضاء جدد لمنظَّمتهم، لتربيتهم تربيةً ثوريَّةً، ويعقد الاجتماعات السِّرِّيَّة، وقراءة الأعمال الأدبيَّة الَّتي ألَّفها أعضاء جمعيَّة العثمانيِّين الجدد، مثل نامق كمال، وضياء باشا، وقراءة منشورات «علي شفقتي بك» عضو كلانتي الماسونيَّة، وكان فارَّاً في أوربَّة.

ونتيجة للمراسلات السِّرِّيَّة بين أعضاء جمعيَّة الاتِّحاد العثماني السِّرِّيَّة في الدَّاخل، وفي الخارج تمَّ الاتِّفاق على وحدة العمل العسكريِّ، والمدنيِّ ضدَّ السُّلطان، وعلى اعتماد اسم (جمعيَّة الاتِّحاد والتَّرقِّي) للجناحين المعارضين، العسكري، والمدني، اللذين يعملان في إِطار الجمعيَّة.

كان اسم الجمعيَّة في الأوساط العسكريَّة هو (الاتِّحاد العثماني). وكان أحمد رضا بك ـ ممثِّل الجناح المدني ـ متأثِّراً بأفكار الفيلسوف (أوغست كانت) وكان دستور هذا الفيلسوف هو: (الانتظام والتَّرقِّي). فأخذ أحمد رضا كلمة (التَّرقِّي) استلهاماً من دستور «كانت» واحتفظ العسكريُّون بمسمَّى (الاتِّحاد)، واتَّفق الجميع أن تكون جمعيَّتهم باسم (الاتِّحاد والتَّرقِّي).

لقد تغلغلت خلايا (الاتِّحاد والتَّرقِّي) في وحدات الجيش، وبين موظَّفي الدَّولة من المدنيِّين، واتَّحدا في العمل الموحَّد بعد اتِّفاق جناحيهما العسكريِّ والمدنيِّ في باريس، للعمل الفعلي ضدَّ السُّلطان عبد الحميد. واستطاعت الجمعيَّة بالفعل إِجبار السُّلطان في 24 يوليو 1908 م على إِعلان الدُّستور الَّذي كان قد أمر سابقاً عام 1877م بوقف العمل به.

وكان الفكر السِّياسيُّ لجمعيَّة الاتِّحاد والتَّرقِّي يؤكِّد على المفاهيم الطُّورانيَّة على المستويين الدَّاخلي، والخارجي، والطُّورانيَّة تسمية تشير إِلى وطن الأتراك الأصلي، ونسبته إِلى جبل توران الواقع في المنطقة الشَّماليَّة الشَّرقيَّة في إِيران، وكان داخل حركة الاتِّحاد والتَّرقِّي اتِّجاهٌ قويٌّ يؤكِّد: أنَّ التُّرك هم من أقدم أمم الأرض، وأعرقها مجداً، وأسبقها إِلى الحضارة، وأنَّهم هم والجنس المغولي واحدٌ في الأصل، ويلزم أن يعودوا واحداً ويسمُّون ذلك بالجامعة الطُّورانيَّة، ولم يقتصروا فيها على التُّرك الَّذين في سيبيريا، وتركستان، والصِّين، وفارس، والقوقاز، والأناضول، وروسيا، وكان شعارهم عدم التَّديُّن، وإِهمال الجامعة الإِسلاميَّة إِلا إِذا كانت تخدم القوميَّة الطُّورانيَّة، فتكون عندئذٍ وسيلةً لا غايةً، وهذا يعني: أنَّ هذا الاتِّجاه يدعو إِلى إِحياء عقائد التُّرك الوثنيَّة السَّابقة على أسلافهم، كالوثن التُّركيِّ القديم (بوزقورت) أو الذِّئب الأبيض ـ الأسود الَّذي صوَّروه على طوابع البريد، ووضعوا له الأناشيد، وألزموا الجيش أن يصطفَّ لإِنشادها عند كلِّ غروب. وكأنَّهم يحلُّون تحيَّة الذِّئب محلَّ الصَّلاة، مبالغةً منهم في إِقامة الشُّعور العرقي محلَّ الشُّعور الإِسلامي. ويستشهد هؤلاء برجالاتهم في التَّاريخ أمثال: أتلاو، وطغرك، وجنكيزخان، وتيمورلنك.

وقد تطرَّف هذا الاتِّجاه في الطُّورانيَّة؛ إِذ قالوا: (نحن أتراك فكعبتنا طوران). وهم يتغنَّون بمدائح جنكيز، ويعجبون بفتوحات المغول، ولا ينكرون شيئاً من أعمالهم، وينظِّمون الأناشيد للأحداث في وصف الوقائع الجنكيزيَّة ليطبعوهم على الإِعجاب، ويرفعوا مستوى نفوسهم بزعيمهم، ويمثِّل هذا الاتِّجاه كلٌّ مِن: فياكوك ألب يوسف أقثور، وجلال ساهر، ويحيى كمال، وحمد الله صبحي، ومحمَّد أمين بك الشَّاعر، وكثيرٌ من الأدباء والمفكِّرين وأكثر الطَّلبة، والنَّشء الجديد.

وكان تأثير اليهود على الطُّورانيَّة أمراً واضحاً، وفي هذا الصَّدد يقول نيازي بركس في كتابه (المعاصرة في تركيَّا):

(إنَّ لليهود الأوروبيِّين واليهود المحلِّيِّين في الدَّولة العثمانيَّة في القرنين التَّاسع عشر، والعشرين دوراً ضخماً في إِرساء تيار القوميَّة الطُّورانيَّة، فالعلماء اليهود في الغرب مثل لومالي دافيد، وليون كاهون، وأرمينيوس فاميري تصدَّوا للكتابة عن أصول الفكرة القوميَّة الطُّورانيَّة، كما أنَّ اليهود المحلِّيِّين في الدَّولة العثمانيَّة، مثل كراسوا (قراصو) وموئيز كوهين، وإِبراهام غالانتي، كان لهم ضلعٌ في جمعيَّة الاتِّحاد، والتَّرقِّي، وبمجرَّد أن نجحت هذه الجمعيَّة في الإِطاحة بحكم عبد الحميد، ومن ثمَّ الاستيلاء على السُّلطة تقدَّم الصَّهاينة إِلى الاتِّحاديِّين برغبتهم في أن تعترف الجمعيَّة بفلسطين وطناً قوميَّاً لليهود…).

وقد ذكر نيازي بركس في كتابه السَّابق اسم اليهوديِّ «موئيز كوهين» الَّذي وصفه رينيه بيلو قائلاً:

1 ـ إِنَّ كوهين هو من مؤسِّسي الفكر القومي الطُّوراني في الدَّولة العثمانيَّة.

2 ـ إِنَّ كتاب موئيز كوهين هو الكتاب المقدَّس للسِّياسة الطُّورانيَّة.

كان اليهوديُّ موئيز كوهين نشطاً جدَّاً في التَّعريف بحركة الاتِّحاد والتَّرقِّي في الصُّحف الأوربيَّة، فقد كان يعرف بجانب العبريَّة، والتُّركيَّة عدَّة لغاتٍ أوربيَّةٍ، وبدأ هذا بمقالٍ باللُّغة الفرنسيَّة يحمل عنوان: (الأتراك يبحثون عن روحٍ قوميٍّ).

لقد أسهم موئيز كوهين في التَّخطيط للسِّياسة العنصريَّة الطُّورانيَّة الَّتي سارت عليها جمعيَّة الاتِّحاد، والتَّرقِّي، وهي السِّياسة الَّتي شقَّت شعوب الدَّولة العثمانيَّة، وأوجدت بينها العداوة، والبغضاء.

وكان هذا اليهوديُّ لا يكلُّ، ولا يملُّ في نشر الفكر القوميِّ التُّركي لتفتيت الدَّولة العثمانيَّة. وكتب ثلاثة كتب اعتُمِدت عند جمعيَّة الاتِّحاد والتَّرقِّي، وهي: (ماذا يمكن أن يكسب الأتراك من هذه الحرب) و (الطُّوران) و (سياسة التَّتريك). كما أسهم هذا الكاتب اليهوديُّ في الكتابة للفكر الكمالي بكتابه: (الكماليَّة) وكتابه: (الرُّوح التُّركيَّة) الَّذي أرَّخ فيه تطوُّر العنصر التُّركي.

لقد قامت جمعيَّة الاتِّحاد والتَّرقِّي على إِثارة المشاعر القوميَّة عند الأتراك، تحت حلم الطُّورانيَّة، وقد نادت بمفاهيم جديدة مثل: الوطن، والدُّستور، والحرِّيَّة، وكانت هذه المفاهيم غريبةً على العثمانيِّين، وقد ضمَّت في صفوفها مجموعةً من الشَّباب المثقَّفين الأتراك، بالإِضافة إِلى يهود الدُّونمة، وكانت الغاية منها الإِطاحة بحكم عبد الحميد الثَّاني.


مراجع البحث:

  • علي محمد الصلابي، الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط، الطبعة الأولى1424ه، 2003م، ص (365-369).
  • عبد الحميد الثاني، مذكَّرات السُّلطان عبد الحميد، تقديم د. محمَّد حرب، دار القلم، الطَّبعة الثَّالثة، 1412هـ،1991م. ص (279).
  • أحمد نوري النُّعيمي، اليهود والدَّولة العثمانيَّة، مؤسَّسة الرِّسالة، دار البشير، الطَّبعة الأولى 1417هـ/1997م. ص (168).
  • محمَّد حرب، العثمانيُّون في التَّاريخ والحضارة ، دار القلم، دمشق، الطَّبعة الأولى 1409هـ/1989م. ص (119).

(المصدر: ترك برس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى