مقالات

السياسة الشرعية.. مسمياتها وتطورها وإطلاقاتها ومدلولاتها عند العلماء

بقلم د. أكرم كساب

يبدو أن (كلمة) سياسة كغيرها من الكلمات –وكحال السياسة والساسة- لم يكن لها اسما واحدا، وإنما كان لها إطلاقات متعددة، ومدلولات مختلفة، وأوصاف متضادة، وهذا ما سأبينه في هذا المبحث على هذا النحو:

أولا: مسميات السياسة عند العلماء:

أطلق العلماء من القديم عدة مسميات على موضوع ما يسمى بالسياسة الشرعية، واشتهر منها ثلاثة أسماء:

1- الأحكام السلطانية، وقد كتب في عدة كتب: أشهرها: الأحكام السلطانية لكل من: الماوردي، وأبو يعلى الفراء.

2- السياسة الشرعية، ويعد الوزير طاهر بن الحسين بن رزيق الخزاعي (ت 207هـ) هو أول من وصف السياسة بالشرعية، وقد جاء ذلك في كتابه الموسوم بـ (الوصية في الآداب الدينية والسياسة الشرعية) ، وتتابع الأمر بعد ذلك، فصنف تحت هذا الاسم ابن تيمية كتابه كتابه الأشهر في هذا المجال (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) وتبعه آخرون ممن سلكوا هذا المسلك وكتبوا في هذا المضمار… وسيأتي ذكر طرف من ذلك قريبا.

3- الإيالة، والإيالة هي السياسة ، وهذا المصطلح من المصطلحات التي انقرض استخدامها، ومن قرأ (الغياثي) للجويني يدرك كثرة استخدامه، فها هو يقول عند حديثه عن إمامة المفضول: فإذا كانت الحاجة في مقتضى الإيالة تقتضي تقديم المفضول، قدم لا محالة؛ إذ الغرض من نصب الإمام استصلاح الأمة… .

ثانيا: وصف السياسة بالشرعية لفظ حادث:

إن وصف السياسة بـ (الشرعية) لم يكن معروفا لدى الفقهاء والعلماء، إذ السياسة لديهم كانت تعني تحقيق المصلحة للرعية دون مخالفة للشرع. وقد ذكرنا أن الوزير طاهر بن الحسين بن رزيق الخزاعي (ت 207هـ) هو صاحب السبق في ذلك، ولما كان الأصل أن تكون السياسة محققة لمصلحة الخلق دون مخالفة للخالق؛ اكتفى العلماء بمسمى السياسة دون وصفها بالشرعية، لكن لما طغى الملوك والحكام وأفسدوا، وأنزلوا بالناس ظلما وقهرا، وحاولوا إجبار الناس على السمع لهم والطاعة في كل شيء، معتبرين ما يقومون به حتى وإن كان مخالفا للشرع فإنه من باب السياسة التي تباح للحاكم؛ اقتضى الأمر أن يصف العلماء ما كان من السياسة والساسة غير مخالف للشرع سياسة شرعية، وما كان غير ذلك فهو سياسة ظالمة جائرة، وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية فقال: فلما صارت الخلافة في ولد العباس واحتاجوا إلى سياسة الناس وتقلد لهم القضاء من تقلده من فقهاء العراق، ولم يكن ما معهم من العلم كافيا في السياسة العادلة: احتاجوا حينئذ إلى وضع ولاية المظالم وجعلوا ولاية حرب غير ولاية شرع، وتعاظم الأمر في كثير من أمصار المسلمين حتى صار يقال: الشرع والسياسة، وهذا يدعو خصمه إلى الشرع وهذا يدعو إلى السياسة سوغ حاكما أن يحكم بالشرع والآخر بالسياسة. والسبب في ذلك أن الذين انتسبوا إلى الشرع قصروا في معرفة السنة فصارت أمور كثيرة إذا حكموا ضيعوا الحقوق وعطلوا الحدود حتى تسفك الدماء وتؤخذ الأموال وتستباح المحرمات؟ والذين انتسبوا إلى السياسة صاروا يسوسون بنوع من الرأي، من غير اعتصام بالكتاب والسنة، وخيرهم الذي يحكم بلا هوى وتحرى العدل، وكثير منهم يحكمون بالهوى ويحابون القوي ومن يرشوهم ونحو ذلك .

وهذا يعني أن أمرين وراء ظهور هذا الوصف (السياسة الشرعية):

1- وجود حكام ظلمة يحكمون بالهوى، فيصدرون من الحكام ما يخالف الشرع.

2- وجود علماء سلطة، يبررون للحاكم ما يفعل، حتى وإن خالف الشرع، وأوقع بالناس ظلما وقهرا.

ثالثا: إطلاقات ومدلولات السياسة الشرعية:

ذكرنا من قبل أن مصطلح (السياسة الشرعية) مصطلح حادث، وأن هذا المصطلح كان له قبل ظهوره بدائل متعددة هي: (الأحكام السلطانية – السياسة – الإيالة)، وما تعارف عليه العلماء فيما بعد بـ (السياسة الشرعية) له إطلاقات ومدلولات مختلفة، فمن العلماء من وسّع، ومنهم من ضيّق، وبين هؤلاء وهؤلاء قوم آخرون، وهذه الإطلاقات والمدلولات هي:

المدلول الأول (العموم والشمول):

وهؤلاء وسعوا مدلول السياسة الشرعية واستخدموها في مصطلح عام واسع يشمل كل أحكام الدين، والسياسة الشرعية عند هؤلاء (الموسعين في مدلول وإطلاق الساسة الشرعية) تعني كما قال أبو البقاء الحنفي: استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل. وممن نحى هذا المنحى الغزالي في (الإحياء) إذ اعتبر السياسة: استصلاح الخلق وإرشادهم إلى الطريق المستقيم المنجي في الدنيا والآخرة . وقد جعلها الغزالي أربعة أنواع، سياسة من الأنبياء، وأخرى من السلاطين، وأخرى من العلماء، ثم من الوعاظ .

وقد نقل ابن عابدين مثل ذلك عن (القهستاني) ولم يشر أحدهما إلى الغزالي، يقول ابن عابدين: فالسياسة استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة، فهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كل منهم في ظاهره لا غير، ومن العلماء ورثة الأنبياء على الخاصة في باطنهم لا غير كما في المفردات .

المدلول الثاني (بين التعميم والتخصيص):

وهؤلاء جعلوا إطلاق السياسة الشرعية على ما يتعلق بشؤون الدولة وأعمال ولي الأمر (الحاكم)، سواء ما كان متعلقا بالأمور السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية. والسياسة الشرعية عند هؤلاء تشمل:

1- الأمور المنظمة للدولة وسياستها.

2- القرارات الصادرة من الحاكم محققة لمصلحة الناس.

3- ما جاء فيه نص وما لم يأت به نص.

4- ما يحتمل وجوها عدة في المسألة الواحدة.

وممن عرف السياسة بذلك النسفي فقال: السياسة حياطة الرعية بما يصلحها لطفا وعنفا، وقال البيجرمي: إصلاح أمور الرعية، وتدبير أمورهم، وخصها ابن نجيم بفعل الحاكم فقال: فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها وإن لم يرد في ذلك الفعل دليل جزئي. وعرّفها ابن عقيل الحنبلي فلم يجعلها قاصرة على فعل الحاكم، بل أطلقها على كل فعل فقال: هي ما كان فعلًا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا نزل به وحي .

وهذا النوع هو ما يطلق عليه (الأحكام السلطانية)، وهي تلك الأحكام التي تتعلق بنظم الدولة المختلفة، الداخلي منها والخارجي، ما كان منها متعلقا بالنظام الدستوري أو المالي أو الاقتصادي، أو علاقة دولة الإسلام بغيرها من الدول، وهو ما يعرف حاليا بالنظام أو القانون الدولي. وتحت هذا المدلول الواسع كتب: أبو الحسن الماوردي، وأبو يعلى الفراء، (الأحكام السلطانية)، ويدخل فيها كذلك ما كتبه ابن تيمية (السياسة الشرعية في إصلاح الراعية والرعية).

المدلول الثالث (التخصيص):

وهؤلاء جعلوا للسياسة الشرعية إطلاقا خاصا، فلم يعمموه على الدين كله، ولم يجعلوه متعلقا بشؤون الدولة والحاكم، وإنما قصروه في دائرة مخصوصة، وهي دائرة القضاء، وابن القيم حين تحدث عن السياسة الشرعية قال: فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعا لمصطلحهم، وإنما هي عدل الله ورسوله، ظهر بهذه الأمارات والعلامات.

المدلول الرابع (تخصيص التخصيص):

وهؤلاء خصصوا المخصص فجعلوا السياسة الشرعية في جزء مخصص من القضاء، إذ السياسة عندهم في الشرع المغلظ المتعلق بالتعزيرات التي يجتهد فيها ولي الأمر تحقيقا لمصلحة الناس، يقول الطرابلسي: هي –أي السياسة- شرع مغلظ . وقال ابن عابدين: والظاهر أن السياسة والتعزير مترادفان. ونقل عن آخر لم يسمه قوله: تغليظ جناية لها حكم شرعي حسما لمادة الفساد .

وجاء عن إبراهيم بن يحي خليفة المشهور بـ (دده أفندي) ما جمع تعريف الطرابلسي وما نقله ابن عابدين حيث قال: السياسة الشرعية تغليظ جزاء جناية لها حكم شرعي حسما لمادة الفساد، وإنها شريعة مغلظة .

وقد اشتهر هذا النوع عند الأحناف والحنابلة، أما الأحناف فجعلوه أكثر ما جعلوه في الأحكام القضائية، والأحناف جعلوه أكثر ما جعلوه في التعزيرات.

السياسة الشرعية ليست بالتغليظ فقط:

وقصر السياسة على التعزير أو التغليظ غير صحيح، لأن السياسة كما تكون بالتغليظ قد (تكون بغير التغليظ وبغير العقوبة، وقد تكون بتخفيف العقوبة أو تأجيلها أو إسقاطها إذا وجدت موجبات التخفيف أو الإسقاط )، وقد تكون كذلك بتقييد المباح، أو اختيار وجه في مسألة تحتمل وجوها عدة، وبيان ذلك:

1- سياسة التغليظ:

وفيها تغلظ العقوبة على المذنب، ويزاد له عما هو منصوص عليه لغيره من الناس، ويكون ذلك لمصلحة، كما في تهديده صلي الله عليه وسلم من منع الزكاة بأخذ شطر ماله؛ فعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” فِي كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٌ، فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا. مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا مِنْهُ وَشَطْرَ مَالِهِ “. ومنه كذلك ما جاء في تهديده صلى الله عليه وسلم من تخلف عن الجمع أو الجماعات بحرق بيوتهم عليهم .

2- سياسة المنع:

وفيها يمنع ولي الأمر شيئا جاز فعله، وإنما يمنع ولي الأمر هذا الصنيع لمصلحة ارتأها، ومن ذلك ما رواه مسلم عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: “مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟” قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: “ادْفَعْهُ إِلَيْهِ”، فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ، فَجَرَّ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ، فَقَالَ: “لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلًا، أَوْ غَنَمًا، فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ، وَتَرَكَتْ كَدْرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ، وَكَدْرُهُ عَلَيْهِمْ “.

3- سياسة الإسقاط:

وفيها يسقط الحاكم عقوبة لمصلحة أقوى من تنفيذ العقوبة وإنزالها على مستحقها، كما في تركه صلى الله عليه وسلم قتل المنافقين، كما في الصحيحين من حديث جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا…. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ”. وإنما إسقط النبي الله صلى الله عليه وسلم لتحقق المصلحة من إسقاطها، وتلك كانت سياسته صلى الله عليه وسلم.

4- سياسة التأجيل:

ومن السياسة ما يكون بالتأجيل، فلولي الأمر تأجيل ما حضر وقته مخافة ترتب مفسدة أو تأجيل مصلحة، ومن ذلك ما كان من تأجيل إقامة الحد على الغامدية رعاية لما في بطنها، روى مسلم بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:… ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الْأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ: “وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ” فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: “وَمَا ذَاكِ؟” قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقَالَ: “آنْتِ؟” قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: “حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ”، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: “قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ”، فَقَالَ: “إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ”، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا .

5- سياسة تقييد المباح:

فقد يأتي المنع عن فعل المباح لمصلحة تتأتى من المنع وتفتقد عند الفعل، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في لحوم الأضاحي، فمنع إدخارها لما أصاب الناس، ثم عاد فأباح الادخار، روى الشيخان عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ” فَلَمَّا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ المَاضِي؟ قَالَ: “كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ العَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا “.

6- سياسة إتيان المحظور لحاجة: وبها يؤتى من الأمور ما كان محرما لحاجة دعت إليه، ومن ذلك: كما في حرقه نخيل بني النضير، روى الشيخان عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ البُوَيْرَةُ”، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الفَاسِقِينَ} [الحشر: 5] .

7- سياسة اختيار أحد الوجوه في المسألة:

ومن السياسة ما يكون من ولي الأمر باختيار وجه من وجه متعددة جاء بها النص، وترك الاختيار بما يحقق المصلحة، ومن ذلك ما جاء في شأن الأسرى، وفي التنزيل قال سبحانه: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}(محمد: 4 ).

8- سياسة الإنشاء:

وفيها يجوز لولي الأمر أن ينشئ من القرارات ما شاء شريطة أن ألا يصطدم بنص شرعي، أو يخالف مقاصد الشريعة، ويدخل هذا تحت ما يسميه العلماء بالمصلحة المرسلة، ومنه ما قام به الصحابة من جمع القرآن مرتين، الأولى في عهد أبي بكر وسيأتي ذكرها بالتفصيل لاحقا.

لماذا ربطت السياسة الشرعية عند بعض العلماء بـ (الحدود والتعزيرات) والقضاء؟

وإذا كان بعض العلماء جعلوا السياسة الشرعية في كل من الحدود التعزيرات والأمور القضائية، فإن السر في ذلك:

1- أن الأمور القضائية من أهم ما يحتاج إليه ولاة الأمر.

2- أن أكبر هم ولاة الأمر هو توطيد الحكم، وهذا لا يكون إلا بتأديب المجرمين، والأخذ على أيديهم.

3- أن ولاة الأمر ربما طلبوا من العلماء أن يكتبوا لهم في هذا الباب.

المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى