مقالاتمقالات مختارة

الريسوني .. هل هو جامي أو مؤيد للانقلاب المصري؟

الريسوني .. هل هو جامي أو مؤيد للانقلاب المصري؟

بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد

فور انتخابه رئيسا لاتحاد علماء المسلمين شُنَّت حملة لا أستبعد أن تكون موجهة وممنهجة على العلامة د. أحمد الريسوني، ووصفته هذه الحملة بأنه “جامي” يوالي الحكام ولا يجيز أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ورجل يفرح بالانقلابات العسكرية وما يترتب عليها!! وبأنه مغرور ومخذول! بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك ووصفه بأنه مؤيد للانقلاب، والعجيب أيضا أن بعضهم قرر أنه لا يعرف عن الريسوني إلا اسمه ومع هذا وصفه بأنه علماني! .. كل هذا تم كيله لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فور فوزه برئاسة الاتحاد خلفا لشيخنا الإمام يسف القرضاوي..

والعجيب أن تأتي هذه الاتهامات والأوصاف من صحفيين لا علاقة لهم بالحقل الشرعي، ومن أشخاص لا صلة لهم بالعلم الشرعي العميق، ومن المتعصبين للتنظيمات تعصبا أعمى، وزادوا على الكلمة ألف كلمة حمقا وافتراءً، وطارت هذه الاتهامات في كل مكان، وتلقفتها العامة، وطيرتْها وسائل التواصل الاجتماعي.

وكأن هؤلاء الصحفيين أدرى بالعلم والعلماء من الرئيس المؤسس الإمام يوسف القرضاوي الذي زكَّى الريسوني للمنصب، وقال عنه كلاما نادرا في جمعية الاتحاد، وقال عنه كلاما من قبل معروفا، وفي كل مناسبة يتحدث عنه بما يراه أهلا له، وكأن هؤلاء الصحفيين أدرى من أكثر من ألف عالم وداعية اختاروا الشيخ الريسوني بنسبة 93%..

والمشكلة تكمن في أن من يتحدث هذا الحديث لا يعرفون العلم ولا صلة لهم بالعلماء، بل هي فئة أصبحت معروفة ومشهورة، هدفها الوحيد هو تشويه الشخصيات النزيهة والمؤسسات العاملة واغتيالهم معنويا، وكما قيل: “إذا تكلم المرء في غير فنه أتى بالعجائب”، والله تعالى نهانا عن ذلك بقوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم)، وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي:  (فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا ، وقد تكلَّم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلَّم فيه منه لكان الإمساك أوْلى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله)[الرسالة/41]].

إذن ما الذي حمل هؤلاء على ما قالوا؟!

كان للأستاذ الريسوني حوار مع صحيفة الأيام، وجه فيه انتقادات حادة للحركة الإسلامية، وبخاصة الإخوان في مصر، ورأى أن رئاسة الإخوان في مصر كانت في غير محلها، وأن الذي يدير الدولة هي أجهزتها العميقة التي لم يكن للإخوان يد فيها ولا تحكم بها؛ ولهذا كان من الطبيعي أن يحدث الانقلاب وتتم إزاحة الرئيس المنتخب من كرسي الرئاسة.

لكنه صرح في هذا الحوار بأنه شعر بـ “الارتياح” و”الفرح” لحدوث هذا الانقلاب؛ لأن الاستمرار في الرئاسة كان ضد طبائع الأشياء، وضد المنطق، وضد سنن الحكم، وخلاف واجبات الرئاسات ومتطلباتها، وأن الرئاسة مسئولية، وخزي وندامة يوم القيامة، كما جاء في السنة النبوية.

ومع حبي للأستاذ الريسوني الذي أعتبره أحد شيوخي الأجلاء، فإن هاتين الكلمتين لم تكونا لائقتين رغم أنهما في سياق معروف وقد يلتمس له مخرج بسياق الكلام ومراده، لكن ما كان ينبغي التعبير بالفرح والارتياح، والواجب الاعتذار عن هذه الألفاظ غير الملائمة في هذا الموضع، فكما أن الأستاذ الريسوني رأى أن رئاسة الإخوان لمصر كانت في غير محلها فإننا نرى – ولا مجاملة في الحق – أن هذه الألفاظ كانت أيضا في غير محلها، لا سيما بعدما وقع من كوارث بسبب هذا الانقلاب.. كان يمكنه أن يقول: إن الاستمرار في الرئاسة المصرية مع وجود هذه العقبات كان غير منطقي، وغير قابل للاستمرار؛ لأن الإخوان لم يكونوا مؤهلين للحكم، أو أن الإدارة الحقيقية للدولة لم تكن في أيديهم، ونحو ذلك من عبارات معبرة ومناسبة.

مراد الريسوني بكلامه:

وقد وضح الأستاذ الريسوني مراده بما قال حينما هوجم هجوما حادا، وكتب مقالا منشورا ومتداولا في شبكة الإنترنت نشر قبل عامين تماما، بعنوان: (مزيد من الإيضاح لأسباب الارتياح)، وذكر فيه ثلاث نقاط واضحة، ومما قاله فيه عن الشعور بالارتياح: ((إنه فهم منه بعض الفضلاء أنني بذلك أزكي وأسوِّغ الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب… ودفعا لأي التباس أو سوء فهم، أود تقديم هذه التوضيحات.

1. الارتياح والسرور المعبر عنه، إنما هو لفائدة محمد مرسي وجماعته وحزبه، حبا لهم، وإشفاقا عليهم مما كانوا قد تورطوا فيه؛ لقد حمدت لهم إعفاءهم ورفع العبء عنهم؛ لأنهم كانوا قد تحملوا ما لا طاقة لهم به، ودخلوا فيما ليسوا مؤهلين له. وأنا أعلم أن مرسي كان من المعارضين مبدئيا لدخول السباق الرئاسي، ولكنه في النهاية قبِلَ قرار الجماعة، ثم فجأة وجد نفسه هو “مرشح الإخوان”، وذلك بعد أن رُفض ملف المرشح الأول خيرت الشاطر.

2. الوضع في مصر كان – ولا يزال – لا يسمح بالنجاح، ولا بالعمل الطبيعي لأي رئيس منتخب من الشعب، ولأي حكومة منتخبة من الشعب، بل الشعب نفسه، وفي عمومه، لا يزال إلى الآن في غيابات الجب. وأما الدولة المصرية بكل مؤسساتها ومرافقها وتوابعها داخل المجتمع، فيحكمها ويتحكم فيها تحالف العسكر والمخابرات والاستبداد والفساد والبلطجية والغدر والمكر. والرئاسة الفعلية لهذا التحالف توجد بأيدي “تنظيم الضباط الأشرار”، الذي كان يسمى قديما “تنظيم الضباط الأحرار”. فهذه هي مشكلة مصر الحقيقية، ومعضلة مصر العميقة. ولا يمكن تجاوزها بين عشية وضحاها، لا في سنة ولا عشر سنين. والاعتقاد بإمكانية التجاوز السريع لهذه المعضلة، هو اعتقاد مغرق في الغفلة والسطحية. وقديما قال حكيم مصر ابنُ عطاء الله السكندري: “ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يُظهر في الوقت غير ما أظهره الله”.

3. أما موقفي من الانقلاب المصري، ومن سائر الانقلابات، فقد كتبت في ذلك ما يكفي. وبعض مقالاتي في الموضوع لم يجف مدادها بعد، وأنا أعتبر أن أي انقلاب على الوضع الشرعي والاختيار الشعبي، يشكل في حد ذاته، وفي لحظة وقوعه، سلسلةَ جرائم وجنايات، فكيف إذا تأسس على الدماء والسجون والسلب والنهب؟ وكيف إذا طال أمده وامتد ليله؟)). انتهى كلام الأستاذ الريسوني.

ومن العجيب وصف الريسوني بأنه “جامي”، وهي فئة من المسلمين تتبع الأنظمة وتطيعها مهما فعلت، حتى لو جلدت الظهور وأخذت الأموال وانتهكت الأعراض، وسفكت الدماء وأزهقت الأرواح!!  وهو الفكر الذي كان يرعاه آل سعود أنفسهم، وقول بعضهم في مجموعات التواصل: “أحمد الريسونى لا يختلف عن الجامية وجماعة طاعة أولى الأمر: رسلان وبرهامى والمدخلية فى فكره مطلقا وإن زخرفه بلون ريسونى!!”.

مواقف الريسوني ضد الاستبداد وكتاباته عن الحرية:

رغم أن الريسوني كتب مقالا بلغت شهرته الآفاق وترجم للغات عديدة، بعنوان: “الإسلام السعودي من الانتشار إلى الانهيار”، وهو الذي رفض فكرة الحاكم المتغلب قطعا، وهو صاحب الجرأة الاجتهادية والدعوة للتجديد من أهله وفي محله، وهو الذي قاد مظاهرة مشهودة في المغرب ضد أحكام الإعدام التي صدرت بحق الرئيس مرسي والإخوان (موجودة على اليوتيوب)، وأغنى المكتبة الإسلامية بكتب وكتابات عن الحرية والشورى وفقه الثورات، كل ذلك من تجربته الواسعة وخبراته العميقة: علميًّا وعمليًّا.

وهو رجل يجمع مع العلم الشرعي الوعي بالواقع والسعي لإصلاحه، فقد عمل على توحيد حركتين في المغرب ودمجهما في حركة واحدة سميت بـ “حركة التوحيد والإصلاح”، وهي حركة مغربية دعوية تهتم بشئون العلم والفكر والدعوة والتربية، لا علاقة لها عضويا بالإخوان وإن تربت على فكر أعلامهم، وتولى رئاستها فترة من الزمان، والجماعة لها رؤية مناسبة للمغرب يتمايز فيها العمل الحزبي “حزب العدالة والتنمية المغربي” عن العمل الدعوي والتربوي، وفكرة منازعة الرئاسة أهلها هناك غير واردة لكن هذا لا يعني السكوت على الخطأ والمنكر الذي قام الريسوني نفسه بانتقادات للسلطة المغربية.

وأحسب أن الانتقادات الحادة التي وجهها للإخوان المسلمين في مصر بأنهم لا يتجددون ولا يجددون، ولا يُعملون الشورى بحق، وأصبحوا طاردين للكفاءات الفكرية، كما قرر أنهم رسبوا في احتبار الشورى والحرية في إدارتهم للتنظيم.. هذه الانتقادات الحادة هي التي استفزت نفرا منهم ومن الصحفيين الجهلاء لتوجيه حملة واسعة لتشويه الرجل لم يحملوها علة مقولة “صديقي العزيز بيريز” التي انتقدتُها شخصيًّا وقتها، ولم يحملوها على التصريح بأن إسرائيل “دولة” بهدف التقريب بين الشعوب وحكامهم!

انهيار المرجعيات الدينية والواجب نحو الاتحاد:

إننا نعيش في وقت انهارت فيه كل المرجعيات الدينية: الرسمية والشعبية، وآل سعود الذين كانوا يصدرون أنفسهم باعتبارهم حامي الحمى ومرجع الإسلام قد انهارت مرجعيتهم أيضا، ولم يبق للأمة مؤسسة علمائية يمكن أن تقوم بشيء سوى اتحاد علماء المسلمين وما حوله من روابط وهيئات، لا سيما بعد التطوير الذي حدث للاتحاد، فقد أصبحت الرئاسة فيه مؤسسة، والأمانة مؤسسة، والتطوير والتجديد مؤسسة، والبحث والفتوى مؤسسة، وكذلك بعد التحضير الكبير والتنظيم الرائع الذي شهدته جمعيته العامة مؤخرا في اسطنبول.

إن تشويه صورة رئيس اتحاد علماء المسلمين على هذا النحو المشين والمتعمد، وتحميل المواقف والعبارات ما لا تحتمل أمر غير مقبول، كما أن الكلام الذي لا يلائم الموقف يجب الاعتذار عنه، وإن جاء في سياقات مفهومة ومعقولة.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى