الرياح والإعصار من جنود الله سبحانه وتعالى
بقلم الشيخ جلال الدين بن عمر الحمصي (خاص بالمنتدى)
الحمد لله مدبر الأمر من السماء إلى الأرض لا يسأل عما يفعل وهم يسألون يقضي بما يشاء له الحكم وإليه ترجعون والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وبعد:
إنه لمن أعظم الشرك نسبة الرياح والأعاصير والسحاب وغير ذلك إلى الطبيعة كما يدعي البعض والعياذ بالله؛ إنما هي بأمر الله سبحانه قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} (سورة الروم ٤٨).
وقال سبحانه: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (سورة البقرة ١٤٦).
روى الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره عن قتادة رحمه الله أنه قال قوله: ” وتصريف الرياح والسحاب المسخر ” قال: قادرٌ والله ربُّنا على ذلك؛ إذا شَاء جعلها رَحمةً لواقح للسحاب ونشرًا بين يدي رحمته، وإذا شاء جَعلها عذابًا ريحًا عقيمًا لا تُلقح؛ إنما هي عَذابٌ على من أرسِلتْ عليه”.
فالرياح والأعاصير من جنود الله مسيرة بأمر الله جل جلاله بحركة مقدرة لا تزيد ولاتنقص؛ وقد تكون هذه الرياح والأعاصير ومايرسله المولى سبحانه وتعالى رحمة على المؤمنين أو ابتلاءً وقد تكون عذابًا على الكافرين؛ وخاصة المحاربين المعتدين الذين يهددون بإحراق ديار الإسلام فالله سبحانه وتعالى أرسل الرياح والأعاصير عليهم عذابًا ونكالًا.
وإن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ويتفكرون
قال تعالى:{ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(سورة الجاثية ١٣).
ليتفكر بها أولوا العقول والألباب فيعتبرون ويتعظون.
والناس إذا رأوا الظلم فلم ينكروه
عمهم العقاب ونزل بهم العذاب ففي الحديث
” إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ ”
وفي رواية ” إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَهُمْ ، فَلَمْ يُنْكِرُوهُ ، يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ ” . رواه الإمام أحمد
وإن في آيات الله ابتلاء للمؤمنين ونذيرًا للكافرين وعبرة للناجين..
قال تعالى: { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } (سورة العنكبوت: ٤٠).
وكل ذلك من تأثير المعاصي في الأرض..
ولذلك روي عن كعب رضي الله عنه أنه قال: ” زلزلت الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي “.
ولما سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ ، فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ ، فَقَالَ : ” يَا عَائِشَةُ ، مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ ، فَقَالُوا : هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ” رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم .
وقال تعالى في سورة الحاقة: { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (٨)}.
روي عن مجاهد رحمه الله أنه قال الطاغية الذنوب وقال الحسن رحمه الله: بالطغيان. أي أهلكوا بطغيانهم وكفرهم.
قال ابن زيد وهو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ” هذه الطاغية طغيانهم وكفرهم بآيات الله. الطاغيَّة طغيانهم الذي طغوا في معاصي الله وخلاف كتاب الله”.
فثمود أهلكوا بسبب كفرهم وطغيانهم وذنوبهم وعاد سلط الله عليهم ريحًا لأيام حسوم متتابعة صرصر شديدة؛ عاتية عليهم فقهرتهم بلا رحمة ولا بركة.
فإن ما يحدث في لوس أنجلوس وكالفورنيا من أعاصير فيها نار ورياح عاتية، وماحدث في غيرها من تلك الدول التي يكثر فيها نزول عذاب الله عليهم؛ إنما ذلك بسبب طغيانهم وظلمهم وقتلهم للمسلمين والتآمر على ديار الإسلام فضلًا عن ولوغهم في المعاصي والآثم وتصديرهم للمنكرات وغير ذلك من الفسوق والفجور ..
بل وتحديهم للواحد القهار ..
فالمسلم يفرح مما لاشك بما حل من دمار ببلاد الكفر من وخاص المحاربة للإسلام وأهله..
قال تعالى: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ } (سورة التوبة).
وأما ما يردده البعض من شبهة أن هناك من المسلمين من تضرر ومنهم من مات فنقول العبرة بالغالب الشائع، لا بالقليل النادر..
ثم من قال لهم بأنه يجوز العيش بين المشركين
ففي الحديث الذي رواه أهل السنن؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول الله، ولم قال: لا تتراءى ناراهما”.
روي موصولًا وصوب إرساله العلماء، ولكن مع إرساله له شواهد ففي مسند الإمام أحمد رحمه الله لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آيات الإسلام؛ ذكر منها ” وتفارق المشركين إلى المسلمين..”.
وكذلك ماجاء في المسند وعند النسائي؛ عندما أراد جرير بن عبد الله أن يسلم اشترط عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفارق المشركين؛ ويتبرأ من الكافرين.
والحكمة في ذلك ليست بالضرورة أن تعقلها عقولنا..
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة:
“ولعلّك تقول: ما حِكمة هذا النبات المبثوث في الصحارى والقفار والجبال التي لا أنيس بها ولا ساكن، وتظنّ أنّه فضلَة لا حاجةَ إليه ولا فائدةَ في خَلقه، وهذا ومقدارُ عقلِك ونهايةُ عِلمك. فكم لباريه فيه من حكمة وآية!”.
اقرأ أيضا: إن في الطوفان لعبرة