بقلم د. بندر الشويقي – عضو رابطة علماء المسلمين.
قبل أن نتحدث عن فصل الدين علن الدولة، لا بد أن نوضح أولاً : أي دينٍ نقصد؟
أقول هذا لأن هناك إشكالاً لدى من يتناول هذه المسألة، حين يتحدث يطريقة توحي بأن الأديان كلها على مرتبة واحدةٍ، فيظن أن فصل الدين -أي دين- عن الدولة، لا بد أن يعطي النتيجة نفسها. وهذا منطق مغلوطٌ يجعل العقل يخطئ في تصوره وحكمه.
حين نعزل الدولة المسلمة عن تعاليم القرآن الكريم وعن هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فسوف نخطئ خطأً بالغاً إن اعتقدنا أننا سنحصل على النتيجة نفسها التي حصل عليها الغربيون حين فصلوا أنظمة دولهم عن دينهم النصراني المحرف الذي أدرك الأوربيون أنه لم يكن سوى ستار لسلطةٍ بشرية يستعملها رجال الكنيسة لتغطية استبدادهم وجورهم.
الصورة عندنا مختلفة تماماً…
فإذا كان حال الغربيين الدنيوي تحسن وتطور حين فصلوا دينهم عن نظام دولتهم، فإن تاريخنا يقول إننا لم نعرف العلو والرقي إلا في الفترات التي كان ديننا يحكمنا، ثم لم يذهب سلطاننا ونتخلف عن الأمم إلا حين تخلينا عن ديننا وأعرضنا عن الاحتكام إليه. فتدين المسلمين وتحضرهم مرتبطان تاريخياً بصورة واضحة وجلية، في حين أن تدين الأوربيين ارتبط بتخلفهم وضعفهم.
الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة لا بد أن يسبقها قناعة بأن الدين سبب لتخلف الدولة، وهذا ما قنع به الأوربيون والغربيون، فاتجهوا نحو العلمانية. فهل يوجد لدينا قناعة مشابهة؟
المسلم الذي يريد ان يفصل الدولة عن الدين، عليه أن يسأل نفسه أولاً: هل يمكن أن تكون تعاليم القرآن الكريم سبباً لتخلف المسلمين؟
ثم إن كل دولة في الدنيا لا بد لها من دين يحكمها. وهذا الدين قد يكون ديناً سماوياً، وقد يكون ديناً أرضياً من نتاج البشر. فالنظم العلمانية الغربية لما لم تكن تملك ديناً سماوياً صحيحاً يحمل أحكاماً ونظماً مقنعة لم يكن أمامها سوى تبني العلمنة التي هي في الحقيقة دين أرضي من نتاج البشر. أما المجتمعات المسلمة فهي لا تعاني من مشكلة دين محرف، بل هي تعرف وتوقن بأن بين يديها ديناً محكماً، وشرعاً سماوياً عالياً لا تشك في كونه منزلاً من عند الله -سبحانه-.
لهذا فإن الدعوة إلى فصل التشريع الإسلامي عن الدولة هي في الحقيقة دعوة للرجوع إلى الوراء، فضلاً عن كونها دعوة للخروج دائرة الإسلام.