مقالاتمقالات مختارة

الرد على الإلحاد .. بين العواطف والتقعيد (شبهة الرق نموذجا)

الرد على الإلحاد .. بين العواطف والتقعيد (شبهة الرق نموذجا)

بقلم منير المرود

بعض الإخوة الذين تصدروا للرد على الملاحدة قبل أن يستجمعوا الكفاءة العلمية اللازمة يفسدون أكثر مما يصلحون، ويعطون الفرصة للمخالف الغر كي يستأسد على الإسلام وأهله…

وقد أتممت اليوم صباحا الاستماع لرد لأحد الإخوة المتحمسين على “شبهة الرق” فوجدته بعيدا كل البعد عن العلمية والواقعية مع ما تضمنه رده من بعض المعلومات القيمة والنافعة ولا شك… لكنه في مجمله اجترار لما كتبه أو أذاعه بعض الإخوة قبله في دحض هذه الشبهة في تسجيلات سابقة على ما فيها من هنات… مع خروج عن محل النزاع ومناقشة المخالف بما لا يلزمه أصلا… وهذا من آفات المحاورة دون معرفة أساليب الملاحدة في المناورة، فالملحد لا يأبه بمن خالفه، إن قلت له أفلاطون قال بالعبودية، رد قائلا: فليذهب أفلاطون إلى الجحيم، وإن قلت إن أمريكا تستعبد الناس، أجاب فورا: فلتمت أمريكا ومن يدعمها، وإن حدثته عن السوفيات، أنكر ودعا عليهم بالممات… وهذا المعطى المهم يجب على من تصدر للرد عليهم أن يستحضره جيدا كي لا يظهر بمظهر الحشوي الذي لا يتقن أساليب النظر والاستدلال…

إن الإسلام يا إخوة جاء بالعتق ولم يأت بالرق، ووسع مجالات التحرر وأبقى على مصدر واحد للعبودية بشروط معينة، ولا يصح أن يقال: إنه أراد أن يحرمه وينهيه بالتدرج، لأنه ثمة فرق بين تجفيف المنابع والتحريم، والركون إلى التحريم تقوُّل على الدين بغير علم ولا دليل، لأن الرق باق إلى يوم القيامة إذا قامت أسبابه، كما أن النظر يقتضي رفعه إذا رفعت تلك الأسباب، وهو خاضع للمصلحة والمفسدة ونظر الإمام، وهو أيضا مصلحة كله إذا أقامه جماعة من المؤمنين على وفق مراد الشرع… ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه عن يهود بني قريظة بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم: ( لقد حكمت فيهم بحكم الملك ).

فيا طلبة العلم، إن الله ابتلانا بقوم لن يرضوا بتعاليم الله ولو اختزلت كلها في سجدة، فلا تستحوا من شريعة ربكم فإنها رحمة كلها، وارفعوا رؤوسكم بها، ولا تجعلوا المعركة في حصون المسلمين بل انقلوها إلى مواطن التناقض والتعارض في الفكر المنحرف لديهم…

وحرروا مواطن النزاع بيننا وبينهم، فنحن نتحدث عن أصل وجود الإله الخالق لا عن تشريعاته الحكيمة التي لا تدركها عقول الصبيان ممن يلوكون الشبه ويكررونها ولا ينتجون…

الرق أيها الملاحدة مصلحة وبركة للعقلاء من غير المسلمين، لأنهم يخالطون المؤمنين ويعايشونهم، ويرون منهم ما يطيب خاطرهم من عبادات ومعاملات، فيدخلون بذلك إلى رحاب هذا الدين العريق، فينجيهم الله من رق الكفر إلى سعة الإسلام وطمأنينته… مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ ) -البخاري- …

ألم تر أيها العاقل أننا نقود الأطفال في صغرهم إلى المدارس بالسلاسل، ونتركهم هناك ودموع الحزن والأسى والخوف والرهبة تسكب على خدودهم كالسيل الجارف، ثم ما يلبثون أن يستأنسوا ويفرحوا ويشتاقوا ويحبوا أساتذتهم ومعلميهم الذين يعلمونهم الخير… فلو تركناهم على أهوائهم لفضلوا اللهو واللعب في المنازل، ولزهدوا عن التعلم في المدارس، ولفسد حاضرهم، وضاع مستقبلهم… فنحن البالغون الراشدون العاقلون مسؤولون أمام الله ثم أمام الناس عن حسن اختيار ما يليق بهم…

وبناء عليه، فإننا معاشر المسلمين العاقلين مسؤولون عن هداية غير العاقلين من غير المسلمين الذين وصف الله طائفة منهم بالضالين، وأوجب علينا السعي لنكون سببا في إخراجهم من هذا الضلال الذي انغمسوا فيه.

وما الرق والعبودية في الإسلام إلا سبيل من بين السبل الكثيرة في هداية غير المسلمين وإدخالهم لهذا الدين القويم عن طواعية ودون إكراه…

(المصدر: هوية بريس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى