مقالاتمقالات مختارة

الربيع العربي وأثره على التيارات السلفية والجهادية (1)

الربيع العربي وأثره على التيارات السلفية والجهادية (1)

بقلم عبدالله العامري

صدق من قال إن الربيع العربي فاجأ الجميع.. إسلاميين وليبراليين! فاجأهم في التوقيت والمضمون والمخرجات وكذا منعطفاته!
هذا الأمر ظهر جلياً في ما آل إليه وضع تلكم المجاميع.. فلنبق داخل الصف الإسلامي الذي نعرفه جيداً، وبالتحديد داخل التيارات السلفية والجهادية، محاولين رسم أهم لوحات مشهد التشظي الذي حدث لها.

أولاً: السلفية التقليدية

سلفية بني سعود ومؤسساتهم الدينية ومن دار في فلكهم، من سلفيي مصر والمغرب واليمن، كانوا شبه متفقين على أغلب القضايا، بدءاً من تحريم الخروج على الحكام إلى تقليد المؤسسة الدينية في الحجاز في جل اختياراتها الفقهية.. هذا الأمر كان واضحاً ومشاهداً في حلقاتهم وفضائياتهم المنتشرة.

إلى أن أتى الربيع العربي فقلب الأوراق؛ فالمؤسسة الدينية في الحجاز كانت تُعد إلى وقت قريب مرجعيتهم الأولى في الحكم والفتوى، ومع تقلبات السياسة تقلبت فتاويهم فأصبحوا بدل الدوران حول الدليل يدورون مع ما وافق هوى الحاكم.. ولا شك أن هذا أثر على أتباعهم في باقي بلدان العالم العربي بحكم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ودورها المحوري في كشف الحقائق وتعرية آل سعود؛ فانبثق على ضوء هذه المعطيات تشظٍ وانشطار في البيت السلفي التقليدي، فأصبح قطاع كبير منهم في كثير من البلدان يرون خلع الحاكم الظالم الفاسد، وجواز خروج الناس في مظاهرات تعبر عن مطالبهم المشروعة.

وامتد الأمر إلى مراجعة هؤلاء آراءهم في مشروعية المؤسسة الدينية في بلاد الحرمين؛ لما رأوا من وقوفها مع الظلمة وتطويع النصوص الشرعية لجعلها مطية لأغراض بني سعود الخبيثة.. وثالثة الأثافي والتي كانت بمثابة آخر ورقة تستر عورة آل سعود، هي العلماء والدعاة، إذ انقلب آل سعود عليهم وزجوا بهم في السجون، مع العلم بأن أغلب هؤلاء العلماء لم يعرف عنهم تنظير ودعوة للجهاد والكفر بالطواغيت وغير ذلك مما اختص به التيار الجهادي. وبهذه المعطيات أصبح التيار السلفي التقليدي شذر مذر.

ثانياً: التيار السلفي الجهادي

هذا التشظي لم يسلم منه بطبيعة الحال التيار السلفي الجهادي! والذي على النقيض تماماً من التيار الآخر. وأول انشطار برأيي ما حصل إبان الربيع العربي، وما نتج عنه من ترنح رؤوس لطالما ظن الناس عدم تنحيها إلا بموت طبيعي!

هبات شعبية لم تستعمل فيها طرائق الجهاديين في قلب نظام الحكم! فظن البعض أن هذه البلدان أصبحت دار دعوة لا قتال وأن الأصل عدم خوض صدام مسلح بإزاء هذا الوضع، أو أي شيء من شأنه أن يزعزع الوضع إلى آخر غير مرجو. وبطبيعة الحال لم يرق هذا الأمر لباقي التيار الجهادي فكانوا يصرون على عسكرة الثورة إن صح التعبير، والقول بأن ذلك هو الوضع مناسب لقيام الدولة الإسلامية، بحكم تهلهل النظام القائم واشتعال الشارع.

وتراوح الأمر بين مد وجزر حتى كان ما كان (تونس ومصر نموذجان).

وفي الطرف الآخر من بلاد الربيع العربي، سوريا.. حيث تطورت الأمور فيها إلى العسكرة، وامتشق كل فصيل سلاحه وأبان كل طرف عن مشروعه، وكان التيار الجهادي متصدراً المشهد العام؛ بل كان يخيل للمشاهد من بعيد أنهم متفقون على جل القضايا، ولم يدرِ أغلب المتابعين أن التيار وخاصة تنظيم القاعدة قد تبلور فكره كثيراً وأعاد النظر في عديد من القضايا المهمة خاصة بعد تجربتي قيام ما عرف حينها بـ”دولة العراق الإسلامية” وتجربة المحاكم في الصومال.

ومن اطلع على وثائق (أبوت أباد) يتجلى له الأمر؛ حيث يظهر أن التنظيم لم يعد يرى إنشاء إمارة والتفرد بحكمها وإقصاء الأطراف التي تشاركه القتال والمبدأ وإن بَعُدَ قليلاً!

أيضاً من شأن إنشاء إمارة في ظل ما تعيشه الأمة من استضعاف أن يجر على التنظيم والساكنة والبلد الحاضن حرباً ضروس لا تبقي ولا تذر، وبهذا سيخسر التنظيم جدوى فكرة الخلافة وقيام الدولة التي ينادي بها، ويرتد الضرر على الناس وبذلك لن يجدوا حاضنة تأويهم. والأخطر من هذا كله إعطاء ذريعة للعدو بأن يفرض الأمر الواقع بعدم جدوى إقامة الدولة.

مع كل ما بيناه أصبح التنظيم يرى أن دوره يقتصر على الحشد والإعداد وتهيئة الأمة لتحمل مسؤوليتها والانخراط مع ألوان الطيف الإسلامي في حرب استنزاف للعدو، وإن حصل وتمكن من منطقة ما فإن إدارتها تكون:

(أ) بتوافق أو ما يعرف بمجلس الشورى (درنة وبنغازي نموذجا)

(ب) وهذه فكرة عطية الله الليبي، أن تُعطى الإدارة لهيئة مستقلة، شريطة أن تكون أعمالها تتسق مع أعمال المقاتلين ورؤيتهم العامة (اليمن نموذجا)، وفي سوريا يبدو في ظاهر الأمر أن “هيئة تحرير الشام” تحاول ذلك، لكن الأمر برأيي لا يعدو كونه واجهة لحكم الهيئة نفسها فقط (حكومة الإنقاذ نموذجا).

هذا هو ما يبدو أنه فكر تنظيم القاعدة الجديد، استيعاب المخالف ودرء المفاسد وتقليلها، مع محاولة جلب المصلحة العامة.. تنقيح الرسائل والخطابات من إطلاقات التكفير وإسقاط العلماء المخالفين، كل هذا متوفر في وثائق أبوت آباد، ومن يرى ويشاهد سيرى الأمر أمامه واقعاً.

على ضوء هذه الأفكار التي استقر عليها فكر القاعدة وقع الخلاف مع تنظيم الدولة في العراق، واستمر الأمر عبر مراسلات قادة القاعدة له ومحاولة إقناعه بما استقروا عليه لكن دون جدوى، فأتت حادثة إعلان التمدد للشام من طرف أمير تنظيم الدولة، وكان ما كان من تشظي في التيار في الشام وغيرها بل امتد الأمر إلى السجون!

فانقسم الأتباع إلى قسمين: قسم استوعب المنهج الجديد في الإدارة والقتال من طرف القاعدة، وقسم رأى إعلان التمدد فرصة لجمع الشمل وتوحيد الكلمة وقطف ثمرة الثورة قبل سرقتها واستنساخ تجربة البوسنة ومعاهدة “دايتون”.

تدخلت على إثر هذه المعطيات قوى من هنا وهناك، قسم منها كان غرضه الإصلاح بين الطرفين ومحاولة إيجاد أرضية للتحاور والعمل لكن الفشل كان حليفه! لسبب رئيسي وهو أن تنظيم الدولة أقسم على عدم العودة إلى الخلف وأن الفصيل الذي ضمه وأعلن التمدد من خلاله يتبع إليه بالأساس “فكيف نرجع إلى العراق ونحن من صنع وأرسل ومول وخطط”.. هذا لسان حاله.

وعلى هامش هذا تناسى تنظيم الدولة أنه مجرد مشارك في الثورة الشامية ليس إلا! وليس فصليه (الذي ينازع على أحقيته فيه) وحده المقاتل.. امتد الأمر إلى أن حصل اقتتال قتل فيه المئات إن لم أقل الآلاف! وتراشق الطرفان بدعاوى الخارجية والبغي، إلى أن استقر الأمر بتكفير “الدولة” للآخرين، وأن “الدولة” خارجية وعميلة عند الفصائل المقاتلة..

ثم سارت الثورة السورية في دروب مظلمة، وكأي حركة في التاريخ حصل انشقاق وانشطار بل وتشظي في الفصائل المقاتلة، فأصبحوا حجراً متفجراً إلى مئات الحصوات! ولم يسلم تنظيم الدولة من ذلك قطعاً.. فانقسموا إلى بنعلية نسبة لتركي البنعلي، وحازمية نسبة للحازمي أحمد، واستحر القتل في أنصار البنعلي، وآل الأمر في قيادة الدولة إلى الحازمية المغالية في التكفير والقتل.

هذه أبرز محطات ما بعد الربيع العربي داخل التيارات السلفية والجهادية وما نتج عنها، وهناك تيارات إسلامية أخرى بالطبع لا يتسع المقام للحديث عنها، كالتيار الإسلامي الديمقراطي إن صح التعبير، فهذا التيار وبالرغم من تجربته في لعبة الديموقراطية ومراكز الاقتراع وانقلاب القوى المتحكمة عليه (جزائر التسعينات ومصر 2013 نموذجان)، إلا أنه لا زال يؤمن بجدوى الحل السياسي التوافقي، ويرفض مجرد فكرة عسكرة الثورة، ويرى أن السلمية تحقق ما لا يحققه (العنف)..

أرجو أن أكون قد وفقت في توصيف ما آلت إليه التيارات السلفية والجهادية بإيجاز بعد موجة الثورات العربية. وللحديث بقية إن شاء الله.

 

[حمل العدد الجديد لمجلة كلمة حق:http://bit.ly/2WDaNls حمل هدية العدد:http://bit.ly/2YHFQOT ]

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى