مقالاتمقالات مختارة

الدين وحماية المجتمعات الإنسانية.. رسالة إلى أصحاب الشطط العلماني!

الدين وحماية المجتمعات الإنسانية.. رسالة إلى أصحاب الشطط العلماني!

بقلم أحمد التلاوي

ما وضع الله تعالى قوانين العمران، بأشكال العمران المختلفة، سواء أكان الكون الفسيح، أو المجتمعات الإنسانية، أو أي شكل آخر، في يد البشر، أو في يد أي مخلوق آخر، لأنه أراد انتظام الكون، واستمرار التوازن الدقيق الذي وضع سبحانه عليه خلقه وملكوته، بأية صورة للخلق، إلى أن تشاء حكمته، وينهي الدنيا.

فكانت قوانينه الربانية خارج نطاق تحكُّم المخلوق بنقائصه وعوارضه المختلفة. ويستوى في ذلك قوانين الفيزياء والكيمياء والفلك، وما اتصل من قوانين المادة، وكذلك القوانين التي تحكم البشر وصيرورات حياتهم، وتفاعلاتهم المختلفة فيما بينهم، بمختلف مستوى هذه التفاعلات ومستوياتها، بدءًا بالإنسان ونفسه، وحتى مستوى تفاعل وتدافع المجتمعات والأمم.

لذلك فإن لله تعالى قوانين فرض حتميتها تعمل على ضبط أي ميل يظهر يمس بالاستقرار والتوازن القائمَيْن.

في هذا الإطار، فإن هناك الكثير من الملاحظات ذات الطابع الموضوعي التي يمكن أخذها على بعض المواقف التي تنقلها لنا وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وفي مجال الندوات واللقاءات المباشرة التي يعقدها الكثير من الشخصيات المحسوبة على التيارات الليبرالية والعلمانية في عالمنا العربي والإسلامي، في شأن قضايا تمكين الدين على المستوى السلوكي والأخلاقي في مجتمعاتنا العربية والمسلمة.

ولنأخذ على ذلك نموذجًا يوضح ذلك، وإن كنا لا نناقش القضية التي يتناولها هذا النموذج، وهي النقاب، ولكن النقاشات المتعلقة بجدل النقاب، كما يجري في مصر والجزائر أو في بعض البلدان الأوروبية في هذه الآونة، حول الأمر تثير الكثير من الأمور حول حدود فهم بعض التيارات لقضية التدين وأهميتها في حمايتهم هم أنفسهم.

مبدئيًّا؛ نشير إلى حقيقة مؤسفة تقول بأن سياقات وشعارات مثل “الحرب على الإرهاب”، و”مكافحة الفكر المتطرف”، و”تجديد الخطاب الديني” قد أتت بآثار سلبية على التدين ذاته، وعلى الموقف من الدين، في ظل اختلاط هذه المفاهيم بصراعات سياسية بين الأنظمة والحركات الإسلامية التي تستند إلى الخطاب الديني في سياقات سياساتها وخطابها العام للجمهور، وفي ظل عشوائية الحملات الإعلامية التي تتم في هذا الاتجاه، ووجود شخصيات ورموز من أشد غلاة المتطرفين الضد، ضمن هذه الحملات.

إن سياقات وشعارات مثل “الحرب على الإرهاب”، و”مكافحة الفكر المتطرف”، و”تجديد الخطاب الديني” قد أتت بآثار سلبية على التدين ذاته

كما أنه قد فتح المجال أمام الكثير من الأصوات التي اكتسبت “حماستها” في الهجوم على الدين وثوابته، من حالة من الانفتاح الإعلامي، وحملات تجد دعمًا من حكومات دولها، ضمن سياقات سياسية؛ لا فكرية وقيمية!

ثم إنهم وقعوا في فخ الخلط بين السلوك الطبيعي للناس، وبين سياسات ومواقف بعض الجماعات والشخصيات التي تقول بأنها إسلامية؛ حيث النظرية لا تتحمل ذنوب أخطاء التطبيق، ناهينا عن أن بعض هذه الجماعات والشخصيات يقف خلفها خصوم الدين والمشروع الحضاري الإسلامي من حكومات وعواصم غربية.

وظاهرة التطرف في الأوساط العلمانية والليبرالية في عالمنا العربي، معروفة، ومثيرة للانتباه؛ لأنه من المفترض أنها أوساط تهاجم التطرف الديني وغير الديني، ووقعوا في ذات السياق، في مغالطات منطقية تتنافى تمامًا مع مقتضيات خطاب العقل الذي يقولون إنهم يتبنونه؛ حيث خطابهم يناقض الأساس أو المرتكز التي تقول هذه الفئة إنها تنطلق منها، مثل الحريات؛ حرية الرأي والتعبير، وحرية الاعتقاد، وحرية الملبس، وكافة أشكال الحريات الفردية الأخرى.

إن خطاب التطرف في الأوساط العلمانية والليبرالية يناقض الأساس أو المرتكز التي تقول هذه الفئة إنها تنطلق منها، مثل الحريات؛ حرية الرأي والتعبير، وحرية الاعتقاد، وحرية الملبس، وكافة أشكال الحريات الفردية الأخرى

ولقد كشف ذلك عن خصومة أصيلة لدى هؤلاء إزاء الدين، وإزاء فكرة التديُّن بشكل عام، أيًّا كان الدين؛ وليس الإسلام فحسب؛ حيث هم في مصر على سبيل المثال، يهاجمون الكنيسة وهيمنتها على رعاياها.

وبعضهم لا يخفي هذه العداوة، لأصل الفكرة، ويقول بذلك صراحةً، وهو يجعل من النقاش معهم أمرًا غير مجدِ؛ حيث إن المناقشات معهم محسومة بمواقفهم هذه. هي مواقف خصومة، أي أنها مواقف مبدأية، وليست ناجمة عن أخطاء في الفهم والقياس؛ يمكن تغييرها من خلال النقاش المنطقي الصحيح.

ولكن في المقابل؛ أوقعهم ذلك في مشكلة كبيرة فتَّتْ في عضدهم، وهي أنهم يفتقدون إلى المنهجية السليمة في “دحض” أفكار الدين و”تفنيدها” – بمنطقهم – ودخلوا معه في خصومة لا تستند إلى سندٍ عقلي، وإنما قيمي بالأساس.

وبدا ذلك في الجدل الأخير الذي ظهر حول النقاب في مصر كذلك؛ حيث خاضت الأديبة والكاتبة فاطمة ناعوت، مناظرات عديدة هُزِمَتْ فيها بسبب أن موقفها مبدئي، وليس مبنيًّا على أساس منطقي كما تقدَّم؛ فسهُل تفنيد ادعاءاتها.

وهناك جانب آخر من الشطط الذي يحدث في أفكار وتناولات هؤلاء للدين ومرتكزاته، ولاسيما فيما يتعلق بالنواحي الأخلاقية والقيود التي يفرضها الدين على السلوكيات البشرية حفظًا لأمور عدة تنتمي إلى القوانين والحتميات التي وضعها الله تعالى في العمران البشري لضمان صيروراته واستمراره إلى أن يشاء الخالق سبحانه.

ويتعلق ذلك الشطط بنقطة الاندفاع إلى النقيض المؤذي كما نقول، فبعض الذين يقفون ضد تقييد الدين لحرية الجسد مثلاً؛ يدعون إلى الإباحية الصرفة، وهي حالة – ككل ما شاءته حكمة الله تعالى من قوانين في واقع الأمر – تقود إلى كوارث.

فما منع الله تعالى شيئًا فيه منفعة، وما دعا لشيء، إلا وفيه الخير . هذه حقائق أثبتتها القوانين العمرانية المختلفة، قبل أن تكون عقيدة بالنسبة لنا كمسلمين.

فحرية الجسد، تقود إلى انحلال خلقي يؤدي بدوره إلى أمراض مستعصية، وهو أمرٌ واضح حتى في المجتمعات الغربية المتقدمة في المجال الطبي.

كما أن أول المتضررين من دعوات تحرير المرأة بشكل عام، بما في ذلك حرية الملبس والحياة؛ هُن السيدات “الفيمينيست” من حَمَلَة شعارات: “المرأة القوية”، والمرأة المستقلة”، و”المرأة العارية”؛ حيث إن هذه الفئة – والمرأة من المعروف بشكل موضوعي أنها من الفئات الأضعف في المجتمعات الإنسانية، وهو اعتراف معتمد في تقارير المنظمات الدولية – سوف تكون أول من يتعرَّض لمآسٍ حقيقية لو اختفى الوازع الأخلاقي المبني على الدين من المجتمعات.

أول المتضررين من دعوات تحرير المرأة بشكل عام، بما في ذلك حرية الملبس والحياة؛ هُن السيدات من حَمَلَة شعارات: “المرأة القوية”، والمرأة المستقلة”، و”المرأة العارية”؛ حيث إن هذه الفئة سوف تكون أول من يتعرَّض لمآسٍ حقيقية لو اختفى الوازع الأخلاقي المبني على الدين من المجتمعات

وهو أمر واضح في المجتمعات “الراقية” “الغنية “المتقدمة” التي يتبنونها كنموذجٍ لما يدعون إليه؛ ففي هذه المجتمعات المتقدمة في المجال المعيشي والقانوني والسياسي وكذا؛ جرائم الاغتصاب والاعتداء على المرأة هي الأعلى في العالم، وأكثر بكثير مما يحصل ضد المراة في المجتمعات العربية والمسلمة من انتهاكات. على أقل تقدير، لم تعالج هذه الأفكار مآسي المرأة هناك.

إن هناك حاجة إلى جهد إعلامي واسع لمناقشة أهمية الدين ومنظومته الأخلاقية والسلوكية في حماية المجتمعات الإنسانية، وإقناع الناس بذلك ، وأن الأمر في مصلحتهم، ولا يتعلق بستار تتخفى وراءه جماعات تستخدم الخطاب الديني لأغراض سياسية لديها، كما بات الإعلام يكرر في وقتنا الراهن.

فإنه بكل يقين، لو سقط جدار الحماية الأخلاقي الذي فرضه الدين بالأساس للمرأة بشكل خاص، وللحقوق الفردية المطلقة، مثل حرمة النفس والمال؛ وقتها فإن “الفيمينيست”، والصحفيون والحقوقيون والساسة الذين ينحون النحو السابق؛ لن يجدوا مكانًا آمنًا لأفكارهم هذه، بل ووجودهم ذاته، في العالم كله.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى