الديموقراطية في خدمة الديكتاتورية!
بقلم أ. عبود العثمان
ما حدث اليوم في أمريكا، أمريكا التي طالما تباهت بنظامها الديموقراطي الذي يمتد عمره لما يقرب من ثلاثة قرون، والذي تتجسد فيه ديموقراطيتها من خلال منجزها الأهم ،المتمثل باختيار شعبها لرئيسهم ،وانتخابهم له مباشرة، عبر صناديق الاقتراع، بعد جولة من التنافس الشرس بين حزبين أحدهما: “ديموقراطي” اتخذ صورة “الحمار” شعاراً له كرمز للصبر والعناد، وآخر “جمهوري” اتخذ من صورة “الفيل” رمزاً له دليل المكانة العظيمة والقوة وحجم الثروة المالية.
الانتخابات الرئاسية في أمريكا هي الحدث الأكبر، لما يتمتع به الرئيس المنتخب من صلاحيات واسعة كفلها له الدستور تفوق في فاعليتها الكثير من صلاحية الأنظمة المستبدة التي تحكمها دساتير “صورية”، لذلك نرى الحاكم المستبد يضرب عرض الحائط بالدستور، ويتجاوزه بأساليب شتى، كي لا يقيد بأحكامه، فيلجأ إلى تطبيق أحكام قوانين الطوارئ التي تعلق العمل بأحكام الدستور الدائم، لتحل محلها الإجراءات والقرارات الحكومية التي تعطل أحكام المواد الدستورية.
الانتخابات الأمريكية ،منذ تاسيس أمريكا، جاءت ب”46″ رئيساً أمريكياً للبيت الأبيض حتى هذه اللحظة، ولم تشهد منغّصات ذات أهمية عُطّلت من خلالها عملية تداول للسلطة، بين “فائز” في الانتخابات وآخر “مهزوم”،وغالباً ما كانت تجري عملية دخول “الفائز” للبيت الأبيض وخروج “المنهزم”، أو “المنتهية ولايته”، بكل سلاسة، وبأجواء كرنفالية على الطريقة الأمريكية، تظهر للعالم مدى احترام النظام الأمريكي لإرادة الشعب ومؤسساته الديموقراطية.
لكن الذي جرى، ويجري اليوم في أمريكا ،أظهر حقيقة “ديموقراطية أمريكا”، وبأنها ديموقراطية قوى اللوبيات السياسية ،وبيوتات المال، والشركات والكارتلات العملاقة، ووكالة المخابرات الأمريكية، التي تعمل جميعها وفق مصالح هذه الجهات وتحت ظلال ما يسمى ب”المصالح القومية”،التي اهتزّت اليوم امام مصلحة أشخاص منها مصلحة الرئيس “ترمب” الذي بدا متشبثاً بأسدال البيت الأبيض حتى آخر يوم له فيه، بذريعة عدم سلامة العملية الإنتخابية، وبأن “بايدن” القادم ما هو إلاّ “لص” سرق منه الفوز من خلال عملية انتخابية مشكوك بنتائجها!!
هذا الحدث الذي جرى في أمريكا، وما اكتنفه من مظاهر احتجاجات جماهيرية “موجهة”، هي أقرب إلى الفوضى،والتي ستعطي مبرراً للأنظمة المستبدة في بلدان عدة، وستكون “حجة” للحاكم المستبد الذي سيعلو صوته مندداً بالديموقراطية وتبعاتها ، وبأن ما يجري في العالم المتحضر من انتخابات وتداول للسلطة فيها ليس أفضل حالاً مما يجري في بلده، بل إن تجربة حكمه هي الأفضل لما تتمتع فيه من مزايا أهمها الاستقرار وعدم الفوضى!!، وأن الحاكم الذي تعرفه، خير من الحاكم الذي تتعرف عليه!، وأن الديموقراطية المنفلتة تؤدي إلى تفتيت اللحمة الوطنية!، وخير دليل على ذلك أيتها الشعوب الطيبة:هو ما يجري اليوم في أمريكا!!
(المصدر: رسالة بوست)