مقالاتمقالات مختارة

الدولة المدنية بين الإسلام ومكتسبات الحضارة المعاصرة .. نظرة تاريخية

بقلم فضيلة د. خالد صقر ( عضو رابطة علماء المسلمين )

إن كلمة “المدنية” ليس لها أصل لغوي في اللغة العربية، ولكن أقرب كلمة لها – كما جاء في القاموس المحيط هي “تمدين” و تعني التنعم، فكلمة “مدنية” تشير لغوياً فقط إلي نسبة الأنثى إلي المدينة المنورة، ولا تشير إلي المعني المتداول الآن والذي يكتنفه الكثير من الغموض الذي ستوضحه السطور التالية إن شاء الله. “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع‏”.
هذا هو النص الرسمي للمادة الثانية من الدستور المصري، والتي خضعت مؤخراً ومع قيام ثورة 25 يناير لجدل غير مسبوق ومطالب لحذف هذه المادة، أو على أقل تقدير لتعديلها، وقد سبب هذا الجدل حتى الآن قدراً لا بأس به من المواجهات الفكرية بين المجموعات السياسية التي شاركت في الثورة، وهي تنقسم إلي ثلاث مجموعات يمثل أولها الشباب الثائر، أو من يطلقون على أنفسهم “شباب ثورة 25 يناير” وثانيها يضم تجمعاًً للأحزاب السياسية الرسمية، وثالث هذه المجموعات هي حركة الإخوان المسلمين وبعض الأطياف الإسلامية الأخرى، وقد دارت هذه المواجهات الفكرية بشكل غير مباشر في صورة تصريحات متبادلة بين المنتمين إلي المجموعتين الثانية والثالثة، ووقف شباب الثورة في موقف محايد أو قل إن شئت حائر بين تأييد مطالب الأحزاب بحذف المادة الثانية وبين الوقوف في صف الإخوان المطالبين ببقاء هذه المادة.
ويرجع المطالبون بإلغاء المادة الثانية مطلبهم هذا إلي التعارض المقترح بين المقتضيات التشريعية لهذه المادة وبين نموذج “الدولة المدنية” الذي تطالب به الثورة المصرية من خلال أطيافها السياسية المختلفة، ولكن حتى الآن لم يطرح على هامش هذا المطلب أي مناقشة تاريخية أو موضوعية لماهية “الدولة المدنية” ومنظوماتها السياسية والفكرية والثقافية حتى يتمكن الجمهور من تكوين رأي عام مناسب للتعاطي مع هذه الأطروحات بموضوعية، فكان هذا هو الدافع الرئيسي لكتابة هذا المقال.
1- نشأة مصطلح الدولة المدنية: إن كلمة “المدنية” ليس لها أصل لغوي في اللغة العربية، ولكن أقرب كلمة لها – كما جاء في القاموس المحيط هي “تمدين” و تعني التنعم، فكلمة “مدنية” تشير لغوياً فقط إلي نسبة الأنثى إلي المدينة المنورة، ولا تشير إلي المعني المتداول الآن والذي يكتنفه الكثير من الغموض الذي ستوضحه السطور التالية إن شاء الله.
كلمة “مدنية” هي بلا شك كلمة معربة من الكلمة الإنجليزية Civil، والتي بدورها كلمة مستحدثة في اللغة الإنجليزية وتعني في أصلها “الحضارة” وعندما نقول مستحدثة نقصد أنها ترجع لبضعة مئات من السنين فقط، فأقدم كتابة معروفة لكلمة “الحضارة” Civilization باللغة الإنجليزية ترجع إلى عام 1767 ميلادية في مقال لآدم فيرجسون [1] بعنوان “تاريخ المجتمع المتحضر” ومن الملاحظات المثيرة للجدل، بل والتعجب، في هذا المقال التاريخي أن الكاتب كان يستخدم مصطلح “الحضارة” كمقابل لغوى لمصطلح “التوحش” أو “البربرية” وليس للدلالة على المعنى المتداول الآن تحت هذا المصطلح، ولا يزال هذا هو المعني المسيطر على كلمة Civil في أهم القواميس الإنجليزية كقاموسي أكسفورد وكامبريدج.
إذاً كلمة “مدنية” ليس لها أصل لغوي في العربية، ومعناها الاصطلاحي مشتق من أصلها الإنجليزي والذي يعني “التحضر” الذي يقابل الهمجية أو الوحشية، وهذا المعني تمت صياغته في عصر الاستعمار الأوروبي حيث كان يستخدم كمبرر لاحتلال البلاد الأفريقية والعربية من أجل نشر هذه “المدنية” فيها، ويقصد بالمدنية منظومة قيم المجتمع الغربي في ذلك الوقت بشكل عام، وهذه المنظومة القيمية Value System بدورها نتجت عن ما يسمي “بعصر التنوير” الذي رفض فيه الأوربيون سلطة الكنيسة على الحياة العامة والخاصة ورفضوا فكرة “قدسية” العهدين القديم والجديد وانعكاس هذه القدسية على مظاهر الحياة، وحدث هذا الرفض نتيجة التعارض المفرط بين مكتشفات العلوم الطبيعية كالفيزياء والفلك في ذلك الوقت وبين نصوص العهدين القديم والجديد، كما سيتضح بشكل أكثر تفصيلاً في السطور التالية.
2- عصر التنوير الأوروبي وأسباب الثورة ضد سلطة الكنيسة: من الضروري أن نعرض بعض المعلومات التاريخية الأساسية عن دوافع ما يسمي ‏‏”بحركة التنوير” التي أشعلت وقود الثورة بين الشعوب الأوروبية وبين الكنيسة ‏الكاثوليكية في القرون الميلادية الوسطي، مما أفرز لنا المنظومة الخلقية التي أطلق ‏الأوربيون عليها “المدنية” وسعوا لنشرها في البلاد التي استعمروها في تلك ‏الحقبة وما تلاها من خلال تحويلها إلي نظام سياسي في بلادهم وفي البلاد التي قاموا ‏باحتلالها. ‏ ‏
– “وكل دبيب الطير الماشي على أربع فهو مكروه لكم” سفر اللاويين 11 20 ‏ ‏
– “وبعد هذا رأيت أربعة ملائكة واقفين على أربع أركان الأرض، ممسكين أربع ‏رياح الأرض لكي لا تهب ريح على الأرض، ولا على البحر، ولا على شجرة ما” ‏سفر الرؤيا 7 1‏ ‏ ‏ ‏
– “الذي أمسكته من أطراف الأرض، ومن أقطارها دعوته، وقلت لك: أنت عبدي. ‏اخترتك ولم أرفضك” سفر أشعياء 41 9‏ ‏ ‏ ‏
– “ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض: جوج وماجوج، ليجمعهم ‏للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر” سفر الرؤيا 20 8‏ ‏ ‏ ‏
– ” فيرسل حينئذ ملائكته ويجمع مختاريه من الأربع الرياح، من نهايات الأرض إلى ‏نهايات السماء” إنجيل مرقس 13 27‏ ‏ ‏ .
كانت مثل هذه النصوص التي يمتلئ بها العهدين القديم والجديد بمثابة الوقود الذي ‏أشعل نار الحرب بين العلماء الأوربيين في القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين ‏وبين الكنيسة الكاثوليكية، حيث وجد هؤلاء العلماء استنادا على مشاهداتهم ‏وتجاربهم أن مثل هذه النصوص تتعارض مع اكتشافاتهم العلمية، ‏وبالتالي فيستحيل أن يعتقدوا أنها “إلهية” ‏Devine‏ أو “مقدسة” ‏Holy‏ بينما اتهمتهم الكنيسة ‏في المقابل بالهرطقة والإلحاد والخروج على تعاليمها وإنكار عصمة الكرسي البابوي، ‏وبالطبع فإن مناقشة تلك الحرب بالتفصيل ليس من أهداف هذا المقال، ‏وللقارئ أن يستعين بالكثير من الكتب التي فصلت هذا الصراع وبينت مواقف الكنيسة ‏من العلماء مثل جاليليو وكوبيرنيكوس مثل كتب جيري بروتون[2]‏ وجاك ريبشيك‏‎ ‎[3] والتي تعرض بالتفصيل كيف كان رد فعل الكنيسة، وهى في ذلك الوقت الذراع اليمنى ‏للملكية الأوروبية، تجاه هؤلاء العلماء.
أما بعد أن بعد أن بدأ صوت هؤلاء العلماء ‏يعلو فوق صوت الكنيسة فقد بدأ رجال الدين الكاثوليكيين ينقسمون بين محافظين ‏يرون أن حرق هؤلاء العلماء أحياءاً فى محاكم التفتيش هو الحل الناجع للإبقاء على ‏سلطة الكنيسة، كما حدث لكوبيرنيكوس، وبين متحررين يرون أن الحل هو إعادة ‏صياغة أو تأويل هذه النصوص الإنجيلية والتوراتية لتتوافق مع مستجدات العلم ‏التجريبي الناشئ، ولكن سرعان ما انهزمت الطائفة الثانية وبقى الكاثوليك متقوقعين ‏ذاتيا على نصوص تناقض الواقع والحس والمشاهدة، مما دفع بالجماهير الأوروبية ‏المنبهرة بالاكتشافات العلمية والاختراعات الجديدة إلى الانبهار بمارتن لوثر ودعوته ‏الاعتراضية ‏Protestantism‏ على سلطة الكنيسة، ورغبته في فصل الحياة عن ‏الدين وعزل الكنيسة عن العلم المادي. ‏
يقول القس جيمس ماكفرى في كتابه “تاريخ الكنيسة الكاثوليكية من عصر النهضة إلى ‏الثورة الفرنسية‎”‎‏ [4] ‎ ‎حاصراً الأسباب التي أدت إلى (الإنكار العالمي) للعقيدة المسيحية ‏في تلك الحقبة، وهى في اعتقاده نفس الأسباب التي أدت إلى ظهور البروتستانتية ‏كعقيدة موازية في ذلك الوقت: ‏ ‏” لقد كانت الأسباب الرئيسية التي مهدت الطريق أمام هذا الإنكار العالمي للعقيدة ‏المسيحية هي: ‏
‏1. ‏ الانتشار الواسع للجاليكانية ‏Gallicanism‏ والجانسينية ‏Jansenism‏ وما ‏استتبعه من إهدار للطاقة في الصراع الذي دار حول هذين المنهجين.
‏2. ‏ حالة السبات الفكري التي سببها الاستعباد الكنسي والبابوي للشعوب الأوروبية.
‏3. ‏ انسحاب أعداد هائلة من الطلبة الدارسين للعلوم الإكليركية.
‏4. ‏ القمع التي تعرضت له “جماعة اليسوعيين” ‏Society of Jesus‏ وهم من أشد ‏المؤيدين والمؤمنين بالعقيدة الكاثوليكية”‏.
ويستطرد ماكفرى واصفا الحالة الفكرية والعقائدية في تلك الحقبة قائلا: “لقد كان ‏انتشار النظريات المنطقية ‏rationalist theories‏ أكبر النجاح في إسقاط الهيبة التي ‏كانت قد عقدت في قلوب المسيحين في ذلك الوقت تجاه العهد الجديد الذي كانوا ‏يعتبرونه الوحي الإلهي للبشر والمصدر الأوثق للعلوم، وقد استمرت هذه النظريات ‏في الانتشار، تبعاً لتعاليم مارتن لوثر، بغض النظر عن مدى تأثر كل منها أصوليا ‏بتلك التعاليم، داعية لإخضاع نصوص العهدين القديم والجديد لسلطة العقل والإدراك ‏البشريين بدلا من سلطة الكرسي البابوي” أ. هــ.
يتضح لنا من النقاش السابق، بما لا يدع مجالاً للشك، أن ثمة صراع حضاري ‏وثقافي دار في أوروبا بين نخبة من العلماء الطبيعيين والفلاسفة من جهة وبين ‏الكنيسة والسلطة الملكية التي تستمد شرعيتها من الكنيسة من جهة أخري، استمر هذا ‏الصراع مدة تقارب المائتي عام، سميت هذه الفترة وما تلاها بعصر “التنوير” ‏Enlightment‏ أو عصر “النهضة” ‏Renascence‏ وذلك لأن رؤية تلك النخبة من ‏العلماء والفلاسفة لسلطان الكنيسة ممثلة في عصمة البابا وقدسية العهدين القديم والجديد كانت ‏تتمحور حول كون تلك هذه السلطة وتلك القدسية “ظلاميتين”، تدعوان إلي الجهل ‏والتخلف ونبذ العلم وهجر المعرفة، وكان هذا نابعاً من الصدام القاتل الذي حدث بين ‏الاكتشافات العلمية في ذلك الوقت وبين نصوص كثيرة من العهدين. هذا الصراع ‏الحضاري والثقافي استمر حتى ثقلت كفة العلماء والفلاسفة في نهاية الأمر، وبدأت ‏الجماهير في أوروبا في الالتفاف حولهم وحول مارتن لوثر أيضاً؛ لأن دعوته كانت ‏تتواءم إلي حد ما مع مقتضيات العصر في ذلك الوقت، حيث دعا إلي فصل الدين ‏عن الحياة العامة وعن العلم بشكل خاص، ودعا إلي صياغة تفسيرات “متغيرة” ‏لنصوص العهدين بحيث لا تصطدم مع مكتشفات العلوم، فبدأت المجتمعات ‏الأوروبية في التخلي تدريجيا عن “المنظومة القيمية” و”الإطار الأخلاقي” الذي كان ‏مستمداً من تعاليم الكنيسة الكاثوليكية‏‎، وبدأ في استحداث منظومة قيمية جديدة، ‏وصياغة تعريفات جديدة لبناء “إطار أخلاقي” يتماشي مع رغبة الإنسان الأوروبي في “الاستغناء ‏عن الدين” متمثلاً في النصرانية، وتبعت هذه الثورة الخلقية مباشرة الثورة الصناعية ‏في إنكلترا التي واكبت عصر الاستعمار في أوجه.
‏ وعلي هذا، وفي خلال ما يقارب المائة عام، تم صياغة المفاهيم الأساسية التي تشكل “الدولة المدنية” التي أراداها الأوربيون، وهذه المفاهيم هي:
1. الاستغناء بشكل كامل عن أي قوانين أو منظومات اجتماعية أو سياسية مستمدة من العهدين القديم والجديد.
2. تحكيم الأغلبية العددية الديمقراطية كمنظومة لصناعة القرارات السياسية المؤثرة على الحياة العامة في المجتمعات الأوروبية لتجنب الصدام بين الجماهير وبين الحكام.
3. وضع مكتشفات العلوم الطبيعية كبديل للدين من حيث الإجابة عن الأسئلة الأساسية في الفلسفة، كماهية الكون وبدايته وهدف الحياة وطبيعة الجنس البشري…إلخ، ومحاربة أي محاولة للعودة لتعاليم العهدين القديم والجديد كمرجع للإجابة على هذه الأسئلة، وكان هذا الربط بين العلوم الطبيعية التجريبية وبين الفلسفة ضرورياً لضمان استمرار حرية البحث العلمي وتأمين مكتشفاته.
3- مشكلة الطرح المعاصر لفكرة الدولة المدنية: بدأت المؤلفات الفلسفية والاجتماعية الأوربية في هذا الوقت بالإشارة إلي المنظومة الأخلاقية والقيمية التي تكونت بعد الإطاحة بالكنيسة والعهدين باسم “الحقوق المدنية” وبدأت الإشارة إلى هذه الحضارة الناشئة باصطلاح Civilization، وبدأ تصدير هذا المصطلح إلي العالم الإسلامي مع جحافل المستغربين الذين زج بهم محمد علي وأبناؤه إلي أوروبا، وظهر لأول مرة في الأدب العربي في كتابات رفاعة الطهطاوي الذي ربما يكون أول من أدخل هذا المصطلح إلى العربية في عام 1870 في كتابه “مناهج الألباب”، وبينما بذل الطهطاوي جهداً جهيداً في ترجمة ونقل المصطلح والعديد من المصطلحات الأخرى المتعلقة به، فإنه لم يتطرق على الإطلاق في مغزاه من ترجمة ونقل هذه النظريات والأفكار إلي العربية، ولم يتطرق إلي وجه التشابه بين الصراع الدامي الذي خاضه الأوربيون ضد سلطة الكنيسة الفاسدة والقدسية الزائفة للعهدين القديم والجديد وبين المجتمعات الإسلامية التي لم ولن تخوض صراعاً مماثلاً مع الإسلام! وسكوت الطهطاوي عن مثل هذه المقارنات القاتلة يوضح بما لا يدع مجالاً للشك حالة الانبهار والانسلاخ من الهوية التي كان يعاني منها الطهطاوي، ومعه الكثير من أقرانه أيضاً، بعد عودتهم من فرنسا.
ومنذ ذلك الحين، فالكتاب المعنيون بالشأن السياسي العربي مع اختلاف توجهاتهم الأيديولوجية يقومون بطرح فكرة “الدولة المدنية” بمفهومها الأوروبي – المستمد من الصراع بين مكتسبات الحضارة الإنسانية وسلطة الكنيسة الكاثوليكية في الأدبيات السياسية العربية، بدون التعرض بالشرح والمقارنة لأوجه التشابه بين النصرانية وكتابها المقدس والإسلام بمصادره التشريعية، بما يمكن أن يسوغ مثل هذا الطرح. فنري العديد من المقالات الآن للكثير من الناشطين السياسيين المصريين يطالبون بإلغاء المادة الثانية من الدستور لأنها تعارض قيام “دولة مدنية” في مصر بدون أن يكلفوا أنفسهم أدني جهد لبيان التعارض بين الشريعة الإسلامية وبين مكتسبات الحضارة البشرية بما يوجب اللجوء لمثل هذه المنظومة السياسية! وبذلك يحدث نوع من “التجهيل” المنظم للرأي العام الذي ليس له دراية كافية بالمغزى الثقافي والعمق التاريخي لفكرة الدولة المدنية، بل ويعمد بعض الكتاب إلي الخلط بين مفهوم “الدولة المدنية” السياسي ونظامها التشريعي وبين مبدأ اختيار رئيس ووزراء من “المدنيين” أي من خارج المؤسسة العسكرية!.
المفاهيم الأساسية للدولة المدنية، كما صاغها الأوربيون لهجر الدين النصراني والبعد عن مقتضيات تعاليم كتابهم المقدس، لها في الشريعة الإسلامية بدائل لم ولن تتعارض مع مكتسبات الحضارة، فمنظومة القوانين الاجتماعية والسياسية في الإسلام تبلغ حد الكمال من حيث تأمين العلاقة بين الأفراد والمجتمعات في كل الظروف، ونظام اقتصادي متكامل يتناول كل المعاملات الاقتصادية بالتفصيل، و”الشورى المقيدة” التي تساهم في الرقابة على الحاكم تقوم مقام الديمقراطية، بينما لم ولن يوجد أي تعارض بين نصوص الوحي وبين مكتشفات العلوم الحديثة.
4- الخلاصة:
من الواضح تماماً أن الإسلام لا يتعارض مع مكتسبات الحضارة البشرية المعاصرة، سواء في ذلك المكتسبات العلمية أو الاقتصادية أو الثقافية، بل على العكس، فالشريعة الإسلامية ازدهر في ظلها أرقي حضارات على مر التاريخ كان المسلمون فيها والعرب بشكل خاص يقودون قافلة التقدم الحضاري البشري، كما كان الحال في دمشق وبغداد والأندلس وتركيا، بينما كانت النصرانية منذ معرفة الأوربيون بالحضارة الحديثة من خلال اختلاطهم بالمسلمين في الأندلس وإيطاليا وغيرها [5] [6] في عداء دائم مع مكتسبات الحضارة البشرية، وظهر ذلك جلياً واضحاً من خلال محاكم التفتيش وصكوك الحرمان التي كان العلماء الأوربيون يعاقبون بها على اجتهادهم العلمي. وبهذا فلا يفترض أن يكون هناك ثمة تعارض بين بقاء المادة الثانية من الدستور المصريّ للتأكيد على الهوية الإسلامية للمجتمع المصري وبين تطوير الدولة والرقي بالمجتمع على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والتنموية.
* هذا المقال نشر في مجلة “المنار الجديد” المتخصصة في فلسفة الدين وشئون الاجتماع والعمران في عدد أبريل 2011 الصادر بالقاهرة..
المراجع:
[1] Adam Ferguson (1768) An essay on the history of civil society، Printed for A.Millar & T.Caddel.Available from New York Public Library
[2] Brotton، Jerry The Renaissance:A Very Short Introduction ISBN 0-19-‎‎280163-5‎
[3] Repcheck، Jack (2007) Copernicus’ secret:how the scientific revolution ‎began، Simon & Schuster Press
[4] McCaffrey، James (1914) History of the Catholic Church:From ‎Renaissance to the French Revolution، Republished:Forgotten Books ‎‎1970
[5]Ahmed Essa and Othman Ali (2010) Studies in Islamic Civilization:The Muslim Contribution to the Renaissance، Int.Institute of Islamic Thought، Cromwell Press Group، UK
[6] George Saliba (2007) Islamic science and the making of the European Renaissance، MIT Press، USA

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى