مقالاتمقالات مختارة

الدوافع الحقيقية وراء الإساءات إلى الإسلام والرسول محمد صلى الله عليه وسلم

الدوافع الحقيقية وراء الإساءات إلى الإسلام والرسول محمد صلى الله عليه وسلم

بقلم الشيخ د. تيسير التميمي

الحملة الحاقدة ضد الإسلام وأركانه ورموزه المقدسة ليست جديدة ، لكن الجديد صدورها عمن يدعون بأنهم رواد حرية الرأي والتفكير والتعبير ، وصدورها عمن يتبجحون بأنهم يعترفون بالآخر ويحترمون رأيه ووجوده وحقوقه ، وصدورها عمن يوهموننا باتباعهم أسلوب الحوار وتجنب العنف أو الاستخفاف بثقافة المخالف وهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن ذلك . فحملتهم المكشوفة هذه تأتي في سياق اتهام الإسلام والمسلمين زوراً وبهتاناً بالإرهاب.

     لم تأتِ هذه الحملة الشعواء العنيفة التي تشن ضد الإسلام من فراغ ، بل كانت نتيجة عدة عوامل دفعت الغربيين إلى هذا السلوك المنافي للقيم الأخلاقية والمثل العليا التي أجمعت عليها الحضارات الإنسانية ، من أبرزها :

1–  الجهل بحقيقة الإسلام والفهم المغلوط لأسسه ومبادئه وتعاليمه وتفصيلاته ، وهذا تسبب في معاداة الغرب الذي يستمد معلوماته عن الإسلام من وسائل الإعلام والمصادر الأخرى المعادية  إما عن جهل وإما عن تحيز وتحامل متعمد تجاهه ، وكان الأولى بهم وهم المدعون بأنهم أهل المنهج العلمي والبحث والدراسات المعمقة أن يستمدوها من الإسلام ومصادره الصحيحة ومرجعيّاته الوثيقة ومنابعه الأصيلة .

– عدم تجرد المستشرقين وخبراء الدراسات الإسلامية من روح التعصب الديني ، فتأثرت آراؤهم بأفكارهم المسبقة المعادية للإسلام ، وافتقرت دراساتهم إلى الأسس العلمية أو استهداف الحقيقة الموضوعية المجردة والفهم الصحيح لمضمونه ، بل هدفت إلى خدمة الأهداف التبشيرية والاستعمارية لتسهيل السيطرة على بلاد المسلمين ومقدراتهم واستعمارها لنهبها . ومن هنا يبدو أثر التراكمات الثقافية المعادية للإسلام .

– ظهور منظمات دينية لليمين المسيحي المتصهين تتعمد الافتراء على الإسلام وإلصاق تهمة الإرهاب به مستغلة كثيراً من الأحداث وبالأخص ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر وما شابهها لتحقيق أهدافها السياسية الخبيثة ، فأطلق أقطابها حملة شرسة ضد رموز الإسلام متجاهلين إدانة واستنكار كل العلماء المسلمين لها لمخالفتها أحكام الإسلام وتعاليمه ، بل إن كثيراً من هذه المنظمات جندت مشبوهين لتنفيذ غاياتها ومخططاتها الإرهابية وألصقتها بالإسلام والمسلمين .

4–  إطلاق الأحزاب السياسية اليمينية حملة عنصرية ضد الإسلام خدمة ودعاية لبرنامجها السياسي المضاد للمهاجرين المسلمين في بلدانها ، فتعمدت تشويه صورته واعتباره خطراً على الحضارة الغربية بذريعة رفض الجاليات الإسلامية في أوربا الاندماج في مجتمعاتها ، واتهامها بمحاولة فرض معتقداتها على تلك المجتمعات وأهلها ، وفي سبيل ذلك تطالب بترحيل المسلمين وبعدم استقبال المهاجرين الجدد ، وتسهم في حملة الإساءات هذه بهدف تأجيج النزاعات الطائفية والدينية ، وتستثمر احتجاجات المواطنين لتعزيز برنامجها السياسي .

– اعتماد الغرب سياسة الكيل بمكيالين في تعامله مع قضايا الإسلام والمسلمين في ميادين السياسة الخارجية وبالأخص تجاه القضية الفلسطينية العادلة ، فإذا ارتكب مثلاً أحد المسيحيين أو اليهود أو البوذيين أعمالاً إرهابية وصفوها بأنها اعمال فردية ، أما لو ارتكبها مسلم فينسبونها إلى الإسلام دون تقصٍّ للحقائق ، وما حصل في فرنسا مؤخراً من قتل الأستاذ الرسام والاعتداء على السيدتين المسلمتين أكبر وأحدث شاهد على ذلك ؛ حيث إننا لم نسمع الإدانة المطلوبة منهم على هذا الإرهاب . وكذلك تفسير الإساءة إلى الإسلام بحرية التعبير والصحافة وفي ذات الوقت تفسير الإساءة إلى اليهودية بمعاداة السامية ، وتبدأ الاستنكارات الدولية والملاحقات والتحقيقات القانونية .

6–  دور الصهيونية العالمية وإسرائيل بالوقوف وراء تأجيج الصراعات الدينية بين القوميات ، فقد دأبوا على تشويه صورة العرب والمسلمين وتضخيم خطر الإسلام ، وقاموا باستغلال العمليات الإرهابية في العالم لإقناع الغرب بأن التصفيات الدموية التي يرتكبها الاحتلال الغاشم ضد الفلسطينيين جزء من الحرب ضد الإرهاب ، ساعدهم في ذلك هيمنتهم على وسائل الإعلام وسيطرتهم على مراكز صنع القرار في كثير من الدول الكبرى المهيمنة على العالم .

– دور الإعلام الغربي في التجني على الإسلام وتشويه مبادئه وقيمه ، وتجاهل الرأي الآخر ومواقفه الإيجابية ، وعدم نقل الأخبار وتغطية الأحداث بأمانة أو حيادية .

8–  تقصير المسلمين حكومات وشعوباً وأفراداً في تصويب الفهم المغلوط للإسلام ، فلم يبذلوا الجهد الكافي لتوضيح صورة الإسلام المشرقة وتجلية مفاهيمه البناءة ، وتركوا الالتزام به في تعاملهم اليومي وسلوكهم الحياتي في الداخل والخارج ، فلم يترجموا نصوصه إلى واقع إيجابي مشهود للآخرين كما فعل الأسلاف ، فأسهموا بذلك في الإساءة إليه وتشويه صورته بممارساتهم المخالفة للإسلام ولنصوصه القطعية كعادة الثأر وكعادة القتل دفاعاً عن الشرف ، مما تسبب في الخلط بين الإسلام وبين هذه العادات والتقاليد التي تناقلتها الأجيال منذ أيام الجاهلية ، فنسبها الغربيون إلى الإسلام جهلاً أو تحاملاً ، فلا يجوز لنا التسبب في الإساءة إلى ديننا ، فما من واحد منا إلا وهو قائم على ثغرة من ثغر الإسلام فمن استطاع ألا يؤتى الإسلام من ثغرته فليفعل ، والثغرة هي موطن الضعف من الحدود .

9–  الخلط في الغرب بين الإرهاب وبين النضال والمقاومة المشروعة ضد العدوان على الأرض والهوية والحقوق لدحر الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال باعتباره حقا مقدساً لكل شعوب العالم لا يقبل التنازل عنه ، فالتضييق الذي يمارسه الغرب على حركات المقاومة في العالم الإسلامي ووصفها بالإرهابية ـ وإنكار حقها في رد العدوان عن الأوطان ـ يعمق شعور المسلمين بالظلم وبعداء الغرب لهم ولدينهم وحقوقهم وقضاياهم .

10–  يضاف إلى ذلك النظرة الفوقية الاستعلائية الغربية ضد كل حضارة ليست غربية والناتجة عن شعورهم بغرور التفوق العلمي والعسكري والسياسي ، متناسين ما للحضارة من جوانب إنسانية وأخلاقية أهم من المادية ، ومتناسين أن استعمار الشعوب ونهب ثرواتها وإبادة الملايين منها يتناقض مع القيم الإنسانية للحضارة ، وأين ذلك من عالمية وإنسانية الحضارة الإسلامية التي تساوي بين القوميات والأعراق والأجناس دون تمييز أو استكبار ! قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات 13 ، فما من دين أو امة في العالم استطاعت مضاهاة الإسلام في تحقيق فكرة جامعة الأمم .

     ويعتبر الدافع النفسي الشعوري لدى المسيئين وضمائرهم أقوى دافع ، فقد أجرى الدكتور رامز طه ـ استشاري الطب النفسي ورئيس قسم الطب النفسي بالمستشفي السعودي الألماني في أبها بالسعودية سابقاً ـ دراسة علمية للرسوم المسيئة اعتمدت أسلوب التحليل النفسي للأسباب الكامنة وراء اتخاذ الكاريكاتير وسيلة إساءة ، فكشفت الدراسة أن الرسامين أسقطوا انفعالاتهم المريضة وأفكارهم المشوهة التي تصنف ضمن الاضطرابات النفسية والتعبير اللاشعوري عن الانحراف النفسي ، إذ يشعر هؤلاء بنشوة عند استفزاز مشاعر الآخرين واستثارتها ، علاوة على اتصاف الرسومات بالركاكة وضعف المستوى الفني . ويشير تفسير دلالات هذه الرسوم إلى نزعات عدوانية وتعصب واغتراب وأخطاء في التفكير كالمبالغة والتعميم والتصلب ، وأكد الدكتور رامز طه تحول الغرب من مرحلة الإسلاموفوبيا التي تعبر عن الخوف من الإسلام وافتعال الإحساس بخطره المتخيل إلى مرحلة الإسلاموكوست التي يتعمدون فيها حرق مشاعر المسلمين والتحريض عليهم بالاستهزاء والسخرية والاهانة لأسمى رموزهم ، فمحاولات إحراق نسخ القرآن الكريم ومحاولات قتل واستفزاز المسلمين عمداً والاعتداء عليهم وطردهم في بعض المدن الغربية مثال على ذلك .

     أظهرت كثير من هذه الرسوم المبالغة في حجم الرأس وتأكيد ملامح الوجه بصورة قبيحة ، وفي ذلك دلالة على اهتمام الرسام بالمظاهر الخارجية ، وانعكاس لعدوان مكبوت يصاحبه في ذات الوقت اعتراف لا شعوري بقوة الشخص المرسوم ومكانته .

     وظهر في رسوم أخرى عدم وجود الفم رُغْمَ وجود باقي ملامح الوجه مما يدل على ميل الرسام لرفض الاستماع إلى الآخر هرباً من قوة الحجة والاستمرار في رفض الحقيقة وتركها، وقد يكون من الدلالات أيضاً على تضخم الذات والشعور بعظمتها ورفض التواصل مع الآخر.

     وفي رسوم أخرى ظهر الفم بشفاه سميكة غليظة، مما يعتبر إسقاطاً لخبرات جنسية فموية للرسام، يؤكد ذلك أن بقية الملامح في تلك الرسوم لا تتسق مع هذه الشفاه الغليظة ، وفى أكثر من رسم أظهر الرسام الفم بخطوط بيضاوية أو منحنية مع إبراز الأسنان وتأكيدها مما يعتبر دلالة على الميول السادية والنزعات العدوانية للرسام .

     إذن؛ لقد رسم المسيئون أنفسهم المريضة، وأسقطوا على رسومهم ما يدور في خبايا ضمائرهم وعقولهم الباطنة من علل واضطرابات وانحرافات.

     إن الإساءة إلى الإسلام وإلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليست بالجديدة ، فهي من ضمن سلسلة الابتلاءات التي يتعرض لها هذا الدين الحنيف وأتباعه من المؤمنين ، حدث هذا قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من كفار قريش ومنافقي المدينة المنورة ومن اليهود المجاورين كما ذكرتُ في الحلقات السابقة ، ووقع كذلك من كل المكذبين لرسل الله جميعاً الذين بعثهم الله هداة ومبشرين لأقوامهم قبل سينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان من السهل أن يغفل القرآن الكريم هذا النوع من الأحداث والإساءات أو يتجاهلها من باب إسكات وإخفاء أصوات المخالفين ، لكنه عرضها في آيات تتلى أبداً آناء الليل وأطراف النهار ، وترك المجال مفتوحاً للأجيال المتلاحقة إلى أن تقوم الساعة لقراءتها وسماعها ووعيها وتدبرها والتفكر فيها ،

     فأين الشرك والمشركون! وأين المنافقون! لقد طوى التاريخ صفحتهم ومحى ذكرهم واستأصل شأفتهم ، فلم تبقَ لهم باقية ، وكأنهم لم يروا نور الحياة ولم يتنسموا عبيرها ، وكأن أقدامهم لم تطأ الثرى يوماً ، قال سبحانه وتعالى {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يوسف 21، وهكذا سيكون مصير كل المسيئين للإسلام ورسوله ورموزه وأتباعه حتى وإن دالت لهم الأيام وأصبحت لهم صولة ، حتى وإن طغوا وبغوا فنعلم أن للباطل جولة ، ونوقن أن الحق سيدمغه يوماً فإذا هو زاهق ، قال سبحانه وتعالى { لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } آل عمران 196-197.

________

* الشيخ الدكتور تيسير التميمي: عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقاضي قضاة فلسطين ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً وأمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى