مقالاتمقالات مختارة

الدراما.. وغياب الحركة الإسلامية في الخارج!

الدراما.. وغياب الحركة الإسلامية في الخارج!

بقلم عزة مختار

ليس مستغربا ردة الفعل الهائلة التي اتخذها الكثيرون من المتابعين للدراما المصرية التليفزيونية الرمضانية في جملة من الأعمال المزورة للتاريخ والموجهة لخدمة عدة أفكار بعينها منها على سبيل المثال لا الحصر، إلباس العسكر في مصر ثوب بطولة تتنافى مع ممارساتهم تجاه الشعب المصري. وتزييف الحقائق حول العمليات التي تدور في سيناء وتشويه تيارات اختارها الشعب في استحقاقات انتخابية شهد العالم بنزاهتها، ومنها كذلك تشويه التراث الإسلامي لينقسم الناس إلى صنفين في عملية التلقي ، الأول لا ينشغل بتلك الأهداف المستترة ويركز على الأداء الدرامي ويتفاعل معه ، هروبا من الواقع المؤلم الذي تمر به البلاد وكأنه يبحث عن بطولة حتى ولو كانت وهمية يدرك تماما أنها مجرد أدوار يؤديها الممثلون نظير أجر يتقاضونه ثم تنتهي التمثيلية ، فتجده يمجد الشخصية ويلبسها ثوب البطولة ويدافع عنها وعن مرجعيتها العسكرية .

وأما الصنف الثاني فينتبه للغرض الخبيث من العرض الذي يذكر ابن تيمية ويستحضر آراءه الفقهية فيقلب في التاريخ ويبحث عن سيرة الرجل لتضج مواقع التواصل الاجتماعي بالدفاع عن ” التراث “الإسلامي جملة ، وتخرج ملابسات تلك الفتاوي للنور ، وينشب الصراع الفكري بين طرفي ” التلقي ” بعيدا عن تلك اليد التي تتلاعب بالجميع في هدوء خلف الكواليس ، بل وتستغل ما يدور لتستمر في سياسة الفشل المتعمد لتكمل مهمتها التي أتت من أجلها

اللعب من طرف واحد

وأما المستغرب فهو أن تكون الساحة فارغة تماما للنظام العسكري في مصر للتلاعب بعقول البسطاء وتشكيل عقولهم وقناعاتهم وسلوكياتهم، وتزييف معارفهم، وتشتيت أذهانهم، دون أدني منافسة، حتى لو كان هذا المنافس مهاجرا آمنا بعيدا عن القبضة الأمنية الشرسة داخل البلاد، غير أنه ينشغل بأعمال أخرى، ربما لم يعد من بينها مقاومة الانقلاب العسكري

لقد استخدم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي كافة أشكال القوة الناعمة  في الإعداد لانقلابه طوال عام كامل هو مدة حكم الرئيس المنتخب الراحل الدكتور محمد مرسي، تحت سمع وبصر الجميع دون محاولة للتصدي له ، وكأن تلك القوة الناعمة قد أثرت في الجميع إلا القليلين ، فوقعوا تحت تأثر مغناطيسيتها ،  ذلك مع وجود أصوات تحذر من هنا وهناك غير أن رد الفعل دائما كان التقليل من شأنهم ، بل ووصل الأمر في بعض الأحيان لتخوينهم أو اتهامهم بقصور الفهم وإبعادهم عن أي موطن قد تسمع فيه أصواتهم ، وظل السيسي ينفرد بمشهد القوة الناعمة حتى تمكن من الأمر بخداع المسؤولين تارة ، وخداع الشعب تارة أخري ، وها هو اليوم يكمل ما بدأه بنفسه بعدما انكشف أمره ولم يعد صالحا لأداء الأدوار ، ليسلم الأمر لهيئة فنية ، فيلم أو مسلسل تقليدي رمضاني ليسكت النظام ويترك تلك القوة تعمل في صمت ، دون أن يرد عليها أحد بقوة مثيلة كنوع من رد الفعل ، وكأن القوم نيام ، أو ما عاد يعنيهم الأمر

لا أحمل الحركة الإسلامية في الداخل أي عبء، ولست أوجه لها أي اتهام، فالمعتقلون يزيد عددهم كل يوم رغم التحذير الحقوقي العالمي من تكدسهم في الأماكن غير الصالحة للحياة الحيوانية والنظام يضرب بها عرض الحائط مطمئنا إلي أنه لا صاحب لهم ولا مدافع عنهم، والقبضة الأمنية الشرسة تطارد جميع الأطياف دون رحمة ودون تفرقة، إنما اعتب على من هاجروا، ويمتلكون أدوات العمل، ثم هم يعطلونها متعمدين أو كسالي

أين الحركة الإسلامية من الحرب الناعمة على وجه العموم؟

 أما رسالتي ، فهي  لأولئك المهاجرين الذين حملوا رسالتهم معهم ، وفقدوا القدرة على التفكير في حلول عملية وتوقفت بهم محطات العمل عند عدة برامج مشوهة وأصوات تخفت يوما بعد يوم حتي كادت تتلاشي ، ليتوقف الأمر عند عدة تغريدات أو منشورات  وبما أنهم يصرون على قيادة الحركة الإسلامية ، وما زالوا يتحدثون باسمها ، ويهاجمون أي صوت ينازعهم تلك القيادة ، وبموجب تلك الزعامة أوجه حديثي إليهم، إذا كانت الحركة الإسلامية قد اتخذت السلمية سبيلا ، وقد انقذت البلاد من دمار شامل ودماء لا حصر لها بخيار السلمية ، فلماذا يتوقف ذلك الخيار على كونه خيارا سلميا سلبيا ، ومنذ متى والشعوب تتحرر دون معركة وعي شاملة تخرجها من تبعيتها وتوضح لها سبيلها خاصة وسط تلك الرسائل الممنهجة التي تتعرض لها ليل نهار على أشكال فنية مختلفة دون عمل فني واحد يقابل كل تلك الجهود ، ولتكن حربا أمام حرب ، حربا مشروعة لأنها تقاتل الجهل بالمعلومة ، والزيف بالحقيقة ، لماذا توقف الانتاج الفني التي اتخذته الحركة عند عمل أو اثنين دون اعتبار لذلك الكم الذي لا ننكر تأثيره الكبير في الشارع المصري ، رغم الجوع والمرض والتضييق والفشل الحكومي المركب ، ثم تجد من يردد تلك الرسائل بقناعة كبيرة ، ويدافع عنها باستماتة ، ليصير بطل المسلسل الذي يقدسه ، هو نفس الضابط الذي يضرب إخوانه في سيناء وليبيا والمعتقلات ، ويوجه له الاهانة بشكل يومي على طرقات البلاد وشوارعها وكمائنها ، ثم هو ينسى كل هذا ويتابع عملا دراميا يعجبه ويتفاعل معه ؟

 لماذا اكتفت الحركة الإسلامية بالنقد اللاذع لمن يوجه لها نصحا، أو مقترحا لأي حلحلة ولو كانت حربا فنية ليس من الضرورة أن تتكلف الكثير على غرار العسكر الذين ينفقون من دماء الفقراء، وكم من أعمال بسيطة وتم تصويرها في أماكن مغلقة وسجلت نجاحا كبيرا ، منها أعمال ما زالت خالدة في السينما المصرية حتي اليوم ، وما زالت تستهوي الناس ، فما الذي يمنع أن تدخل ذلك المجال الذي نادي به الكثيرون ، وحبذه الشيخ البنا رحمه الله في أدبياته وشجع عليه ؟ إن التعلل بقلة المال لم تعد مقبولة خاصة أن هناك حلولا أخري مثل الاكتتاب والمساهمة الجماعية، أي أن الإشكالية يمكن أن تحل فقط إن توفرت الإرادة الحقيقية والوعي المعتدل والرغبة الكاملة في الخلاص من الوضع القائم على الأقل في توعية المواطن البسيط الذي يهرب من واقعه رغما عنه.

الفن الممكن والإبداع المتاح

وسط تلك الأصوات الشاذة والساحة الهابطة ، تجد بعض الأصوات الخافتة تخرج من هنا وهناك على استحياء ، ثم تثبت جدارتها لتعطينا الأمل في أن الساحة الفنية التي هي رأس القوة الناعمة يمكن أن تغتسل وترتقي لتؤثر إيجابا في مشاعر الناس وأذواقهم وتدعيم هوياتهم ، ليس هذا فقط ، بل إن الساحة مهيأة لاستقبال الثمين أكثر من استقبال الغث ، وأن القول بأن الناس قد فسدت بطبيعتها وتختار الفاسد بطبيعته هو عين الفساد ، فهناك أعمال جديدة على الساحة رغم ندرتها نجدها تجتذب ملايين المشاهدين دون ضجة إعلامية ، لكن تشير إليها وتنبه لأهميتها نسبة المشاهدات بالرغم من أن تلك الأعمال لم تحظَ بدعاية كافية كتلك التي تنفق فيها الملايين لتغطي سوءة نظام قد تكشفت عورته من كل جانب ، من هذه الأعمال على سبيل المثال الدراما التركية التاريخية التي غطت احتياجات جانب من المشاهدين لعدة أعوام على المستوي العالمي وليس العربي والإسلامي فقط ، والدراما النظيفة الهادفة التي تعرضها بعض الوجوه المصرية كأعمال يوسف الشريف وآخرها ” النهاية ” الذي قدم فيه بجرأة أهم القضايا المطروحة علي الساحة العربية والإسلامية ، بل والعالمية ، واستطاع أن يحجز له مكانا على منصة الفن المحترم الذي يقدره الناس ويشاهدونه وهم مطمئنون أن هناك فكرة سوف تعالجها تلك الأعمال الفنية ، وأصبح له متابعون ينتظرون مفاجأته كل عام ، وهناك الكثير من القضايا التي تهم الجماهير ويمكن معالجتها عبر أعمال فنية يمكن أن تغير المعادلة ، مثل تعاطي النظام مع مشكلة صحية كفيروس كورونا المستجد ، والذي يوشك أن يترك البلاد لتهوي في جحيم انتشار المرض مع التعامل المخزي معه ، وهناك قضايا مثل الفقر والتعليم يمكن تغطيتها بشكل فني جيد يكسب تعاطف الناس الذين يكتوون بناره في كل وقت وحين ، وليس فقط قضايا المعتقلين هي التي تشغل الرأي العام ، والأذكياء وحدهم هم الذين يعرفون أقصر الطرق إلى الجماهير الواهنة التي تضع في أولوياتها مسألة احتياجاتها اليومية ، وليس احتياجاتك أنت كمعارض

إن الساحة مهيأة لاستقبال الفن البديل ، لكن أين من يقومون على ذلك وقد تم ترك الساحة فارغة لنظام يوشك على السقوط لولا سكوتهم وحمايتهم له بالإعراض كل إلى وجهته مدبرين غير مقبلين.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى