الدراسات الاستشرافية في العالم الإسلامي (الجزء 1 من 5)
إعداد أ. أحمد طومان
تمهيد:
من أبرز سمات العالم المعاصر أنه عالم يموج بالتغيرات المتلاحقة في شتى ميادين العلم والتقنية والاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة. إن أنواعاً كثيرة من التشابكات والتداخلات بين الظواهر والأحداث المختلفة، صارت تجري في العالم متجاوزة للحدود الوطنية.
ومع ازدياد كثافة هذه الأنواع من التشابكات والتداخلات، أصبحت هناك نسبة غير صغيرة ومتزايدة من القرارات التي تمس حياة الناس في مختلف الأوطان، تُتَّخَذ على نطاق غير وطني من جانب كيانات مختلفة، لا سيما المنظمات العالمية والشركات متعدية الجنسيات. وتلك بعض خصائص ما أصبح يشار إليه بزمن العولمة أو الكوكبة [1].
ومما لا شك فيه أن الأمة التي لا تمتلك خريطة واضحة المعالم والتضاريس لهذا العالم سريعِ التغير شديدِ التعقيد، والتي لا تمتلك بوصلة دقيقة تعينها على تحديد مسارها الصحيح على هذه الخريطة، هي أمة تُعرِّض مستقبلها لأخطار عظيمة وتتحكم في تشكيل هذا المستقبل قوى خارجية لا يهمها من مستقبل هذه الأمة إلا أن يخدم مصالحها هي، سواء أكانت هذه المصالح متوافقة مع مصالح الناس في هذه الأمة أم لم تكن كذلك.
الدول المتقدمة والنظر للمستقبل:
يندر أن تجد دولة متقدمة لا تستند إلى دراسات لاستشراف المستقبل في صنع قراراتها (الاقتصادية، أو السياسية، أو العسكرية). كما يندر أن تجد شركة كبرى -وبخاصة إذا كانت تنتمي إلى فصيلة الشركات متعددة أو متعدية الجنسيات- لا يشتمل بنيانها التنظيمي على مركز أو قسم للدراسات المستقبلية والتخطيط الإستراتيجي.
إن هذه الدراسات وإن كانت تتطلب بالضرورة قدراً من الخيال والقدرة الذاتية على التصور المسبق لما هو غير موجود أو غير معروف الآن، إلا أن أنشطتها تختلف نوعياً عن الأنشطة التي تقع في حقل الخيال العلمي أو في ميدان التنجيم والرجم بالغيب؛ فما يطلق عليه اليوم الدراسات المستقبلية إنما يتمثل -على العموم- في دراسات جادة تقوم على مناهج بحث وأدوات درس وفحص مقننة أو شبه مقننة، وتحظى بِقَدْر عالٍ من الاحترام في الأوساط العلمية، وتنهض بها معاهد ومراكز بحثية وجمعيات علمية ذات سمعة راقية[2].
_______________________________________________________
الحواشي:
[1] للمزيد انظر: إسماعيل صبري عبد الله، توصيف الأوضاع العالمية المعاصرة، الورقة (3) من أوراق مصر 2020م، منتدى العالم الثالث، القاهرة، يناير 1999م.
[2] من أشهر الجمعيات العلمية في هذا المجال جمعيتان: الأولى هي: World Future Society، التي تصدر مجلة The Futurist، ودورية Futures Research Quarterly، ودليل للمنظمات والدوريات في مجال البحوث المستقبلية Futures Research Directory: Organizations and Periodicals، وكذلك دليل للأفراد المشتغلين بالدراسات المستقبلية: Futures Research Directory Individuals. للمزيد راجع موقع الجمعية على الإنترنت: www.wfs.org.
أما الجمعية الثانية فهي: World Futures Studies Federation، ولها نشرة ربع سنوية بعنوان: Futures Bulletin وكذلك كتاب دوري بعنوان World Futures Studies Federation Newsletter وعنوان موقعها على الإنترنت هو: www.worldfutures.org.
المصدر: مستقبلات الأمة