الدجال مفتيًا
بقلم أ. د. جمال عبد الستار “الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة”
فعن عمران بن حصين – رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله – ثم ذكر الدجال – فقال: ( إني أنذركموه وما من نبي إلا قد أنذر ه قومه لقد أنذره نوح قومه ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور) متفق عليه.
الدجال داعية نشيط ذو همة عالية في نشر باطله، وتعميم سطوته، يستخدم ما أوتي من علم في الإضلال، وما أوتي من قوة في الإفساد، وما أوتي من ذكاء في الاحتيال.
وكل داعية يستخدم علمه في دعم الفساد ونشر الاستبداد إنما هو دجال بحجم فساده، ودجال بحجم إضلاله، وما أكثر الدجالين من الأفراد والرموز والأنظمة والتيارات!
فكم من عالم رزقه الله معرفة وحفظاً وعلماً فجعل علمه في خدمة أهواء الأنظمة، فبرر للباطل، وسَوَّغ للقتل ، وزين للإجرام، ودافع عن المستبدين، حتى صار القتل عند بعضهم عبادة، والتعذيب تهذيبا، والاعتقال تأديبا، والفسوق تحضرا، فلعمري ماذا تبقى له ليكون الدجال الأكبر إلا قلة الإمكانات وضعف الهمة!
فماذا يكون الدجال إذا لم يكن مفتياً يعتبر السفاح ألأثيمً أية من أيات الرب العظيم!! ويعتبر الخائن الذميم معجزة النبي الكريم !!!
كم من عالم رزقه الله معرفة وحفظاً وعلماً فجعل علمه في خدمة أهواء الأنظمة، فبرر للباطل، وسَوَّغ للقتل ، وزين للإجرام، ودافع عن المستبدين، حتى صار القتل عند بعضهم عبادة، والتعذيب تهذيبا، والاعتقال تأديبا.
ماذ يكون الدجال إذ لم يكن رجل دين يكذب على رسول الله، فيأتي بأحاديث ضعيفة أوموضوعة ليغسل بها سمعة القتلة اللصوص، ويلبس بها الشياطين مسوح العابدين وسمات المرسلين!!
بل هل تظن أن الدجال سيصل الى درجة أن يقول عن العلماء الأتقياء خوارج !! أوعن الخلافة احتلالاً ، أو عن مقاومة المغتصبين تطرفاً وإرهاباً ،وعن بيع الأوطان حكمة ووفاء!!
ماذا تركتم للدجال الأكبر حينما تقولون على الطاغية الفاجر نبياً، وتقولون عن الذي فتح قلبه وبلاده للمظلومين فأوى المطاردين والمهاجرين ، واعان المجاهدين للدفاع عن وطنهم وشرفهم مستبدا مجرما!!
إن الدجال قد أرسل غلمانه فأظهروا فينا مهارة الكيد، وإجادة التدليس، وتبؤاوا فينا أعلى المناصب، فملكوا دار الإفتاء، ومشيخة الأزهر، وأجلسوا أحد صبيانهم على كرسي الأوقاف !!
وقد استولى الدجالون على كل مفاصل الدولة وشتى منصات التوجيه.
فكم من إعلامي مكنه الله تعالى من مخاطبة الجماهير وأذاع صيته ووسع له في الإمكانات، فاستخدم إمكاناته في نشر الأكاذيب واستغل ذياع صوته في التضليل والتطبيل واستثمر خطابه في تجميل القبيح وتحسين السيء وتزيين الباطل، فهو دجال بحجم أثره وتأثيره ويمهد لخروج سيده الدجال الأكبر فهو من تلاميذه ومريديه.
وكم من حاكم مكنه الله تعالى ببعض القوى المادية والعسكرية والسياسية فاستغل الأموال في خدمة أغراضه وأهوائه وأكل أموال الأمة بغير حق، واستغل القوة العسكرية في القتل والتعذيب والتقطيع والتحريق والاغتصاب والاعتقال وكل صور الإجرام.
واستغل القوة السياسية في المكر والخداع وتشريع الفساد وخدمة الاستبداد، فهل يسع الدجال الأكبر إلا تكريمه؟! وهل هو إلا واحد من جنده أو من تلاميذه؟!
وكم من تيار ومجموعة وحزب على مدار التاريخ لبَّس الحق بالباطل فاستخدم الدين لتحقيق مآربه وليس متدينا! واستخدم الشرع للوصول لأطماعه وليس متمسكا! وأنزل الآيات في غير ما نزلت له وليس عالما!
وحارب بكل ما أوتي من قوة كل مفكر يدعو الناس إلى التريث، وكل مصلح يدعو الناس إلى التعقل، وكل ناصح يدعو الناس إلى نبذ التبعية المقيتة، وكان حنقه الأكبر على دعاة الوعي بأضعاف حنقه على الكفار والمجرمين! بل ربما يتصالح ويتحاور مع الأعداء السفاحين ولا يقبل المهادنة مع دعاة الوعي المصلحين! فهو دجال مهما تلقب بالألقاب، وتزين بالأوشحة الدينية والنياشين الدعوية، وتباهى بكثرة الأتباع وذيوع الصيت.
فإذا كان كل نبي حذر قومه من الدجال الأكبر؛ فإن على كل داعية صادق أن يفضح الدجالين الأصاغر ليحصن الأمة من دجلهم ويستنقذها من تحت سطوتهم.
إن التوجه الصحيح نحو الاستقرار والإصلاح لا يمكن له أن يتم قبل أن يحطم الناس أصنام الدجل وأوكار الدجالين، وأن يكشفوا للناس زيفهم دون تردد، وأن يفضحوا إفكهم دون تروي.
واذا كان الحديث ذكر أن فتنة الدجال ستحمل الرجل أن يربط ابنته وزوجته في شعاب الجبال حماية لهن من الدجال، فإن على كل صادق أن يبذل كل ما أوتي من قوة ليحمي أحبابه من الدجالين الذين يجلسون في كل ليلة على المنصات الإعلامية وفي كل يوم على المنصات السياسية، وفي كل حدث يرهبون الناس بقوتهم العسكرية، أو بسطوتهم الحزبية أو بأمدادهم الاقتصادية أو بالتلبيس والتجهيل والتدليس.
وأخيراً أقول:
إن التوجه الصحيح نحو الاستقرار والإصلاح لا يمكن له أن يتم قبل أن يحطم الناس أصنام الدجل وأوكار الدجالين، وأن يكشفوا للناس زيفهم دون تردد، وأن يفضحوا إفكهم دون ترو.
لذا فإن أكبر خطر على الدجالين هو قيام المصلحين بدورهم في التوعية والتوجيه والحماية والتحصين.
وإن شدة حنق الدجالين على المصلحين لهي أكبر دلالة على فزعهم من أصحاب الوعي وأهل الإدراك الذين يبطلون سحرهم، ويكشفون زيفهم ، ويفضحون باطلهم.
فلا تترددوا في الصدع بالحق، ولتعلموا أن حرق كل وكر للدجالين يعتبر خطوة صحيحة في طريق التمكين.
(المصدر: الجزيرة)