مقالاتمقالات مختارة

الخطوط العريضة لعقيدة ومنهج الفئة التي سميت بالجامية

الخطوط العريضة لعقيدة ومنهج الفئة التي سميت بالجامية

بقلم الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق

في الثلاثين سنة الأخيرة نشأت فئة أحدثت أقوالاً مبتدعة في الدين وأقامت عليها الولاء والبراء، ويمكن حصر هذه الأقوال في ثلاث دوائر:
الدائرة الأولى ما قالوه في شأن الحكام الذين يحكمون في بلاد الإسلام.
والدائرة الثانية في شأن الدعوة والدعاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والدائرة الثالثة في أخلاقهم وما أحدثوه من الشرور والفتن.
فأما في الدائرة الأولى فإنهم زعموا أن الحاكم لا يُنصح إلا سراً قولا واحدا، وهذا القول لا دليل عليه من كتاب أو سُنة أو من أقوال سلف الأمة، بل الحاكم في الإسلام يُنصح سراً وجهراً ويُأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وفق المصلحة الشرعية، فحيث تحققت المصلحة الشرعية من وراء النصيحة سرا أو علنا كانت النصيحة سرا أو علنا، شأنه في ذلك شأن جميع المسلمين، كما جاء في حديث “جابر” رضي الله عنه عند “الحاكم” وصححه “الألباني” قال صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ،ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).
وكما جاء في حديث “أبي سعيد الخدري” عند “الترمذي” وصححه “الألباني” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِن أعظمِ الجِهادِ كلمةَ عدلٍ عندَ سُلطانٍ جائرٍ)، وما درج عليه سلف الأمة منذ الراشدين في الإنكار العلني والنصح سراً للأئمة، والحاكم المسلم شأنه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كسائر المسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الأمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (سيكونُ عليكم أئمةٌ تعرفونَ وتُنكرونَ ،فمن أنكرَ فقد برئَ ،ومن كرهَ فقد سَلِمَ ،ولكن من رضيَ وتابعَ)…الحديث، وقالوا أيضاً بأن الحاكم إذا أظهر فسقه وفجوره ولو كان على شاشات التلفزيون كل يوم يزني ويشرب الخمر فإنه لا يجوز الإنكار عليه إلا لمن كان عنده، وهذا القول الشنيع لم يأت في قرآن ولا في سنة ولا من أقوال أحد من سلف الأمة، بل اتفق المسلمون والأئمة على أن الفاسق المجاهر بفسقه واجب نصحه والأخذ على يده ومنعه من المجاهرة بمعصيته صيانة ونصحا له ودفعا لعذاب الله، قال صلى الله عليه وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقاب من عنده ثم تدعونه ولا يستجيب لكم ) صححه الألباني، وهذا لعموم المسلمين، فكيف ينسب إلى دين الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوب السكوت عن فسق الحاكم وفجوره المُعلن وعدم جواز الإنكار عليه؟؟!. والحقيقة أنهم بهذا التأصيل أشد غشا للحاكم المسلم من غيره، فهم بطانة سوء له تأمره بالشر وتحضه عليه، وتنهاه عن المعروف ( قبول النصيحة ) وتصرفه عنه.
ومما أحدثته هذه الفرقة في هذا الصدد أن جعلوا كل إنكار بالكلمة على الإمام خروجاًَ ورتبوا على هذا ما يجب على الخوارج من قتلهم.
وأما في الدائرة الثانية فإنهم قالوا بالبدعة والضلال على كل علماء الإسلام ودعاتهم، وما أظن أحداً من أعلام الإسلام ودعاته الأحياء منهم والأموات إلا وقد ناله منهم السب والتشهير والتضليل، وكذلك قالوا بالبدعة والضلال على كل جماعة تدعوا إلى الله تبارك وتعالى مهما كانت هذه الجماعة بل جعلوا أصل التجمع والتحزب على أي خير ودعوة ضلالاً، وجعلوا هذه الجماعات فرق في النار وسموا هذا كله من باب الجرح والتعديل وسموا الذي تولى كبر هذا الأمر (حامل لواء الجرح والتعديل في العصر) والحال أنه لا يفقه جرحاً ولا تعديلاً، بل يقول بالمستحيل عقلا وشرعاً كقوله في جرحه إن فلاناً اجتمعت فيه بدع الاثنتي وسبعين فرقة وهذا الكلام لا يتصور عقلاً، فهل يتصور أن يكون إنسان “قدرياً وجبرياً” في وقت واحد، و”مشبهاً وجهمياً” في وقت واحد، و”رافضياً وناصبياً” في وقت واحد، و”مرجئاً وخارجياً” في وقت واحد، وكل هذه بدع متقابلة متضادة فكيف يجمع إنسان واحد بين الأضداد والجمع بين الضدين مستحيل عقلاً وشرعاً؟؟!.
فحامل لواء الجرح هذا يقول بالمستحيلات، وكذلك لا يُعرف أحدٌ عدّله وأثنى عليه إلا وكر عليه فجرّحه وسبه وشتمه، فجميع الذين عدّلهم يوما عاد وجرّحهم جميعاً وسبهم وشتمهم، وعامة ما قاله في هذا الصدد هي في باب السب والشتم والعيب، والحال أن الجرح والتعديل وهو أحد فروع علم الحديث الشريف أصحابه كالإمام “البخاري” و”يحيى بن معين” و”ابن حجر” وغيرهم كانوا يزِنون الناس بموازين أدق من موازين الذهب والفضة وقد حفظوا لنا علم الحديث لا يدخل فيه إلا العدول أهل الضبط من الأمة ويخرجوا من ليس كذلك، وأما هذا الذي أعطوه لواء الجرح والتعديل فإنه لم يترك أحداً من علماء الإسلام إلا بدّعه أو عابه وسبه وشتمه حتى مشايخ الإسلام العظام كالشيخ “ابن باز” و”الألباني” و”ابن عثيمين”، وكل الذين مدحهم ممن كان يوافقه الرأي يوما ما عاد وكر عليه بالتبديع والتفسيق وهذا ينقلنا إلى الدائرة الثالثة وهي أخلاق هذه الطائفة فإذا نظرت في أخلاقهم وأقوالهم وجدت الكذب وتحريف الكلام عن مواضعه والسب والشتم والتنابز بالألقاب فيما بينهم فمن ألقاب النبز فيما بينهم “العرعورية” و”المغراوية” و”الحدادية” و”الصعافقة” وغير هذا كثير من التنابز بالألقاب، ولا تكاد تجد فيهم أحدا مع أحد، وقد نشأ فيهم جيل جاهل قلدوهم وتعلموا منهم سوء الخلق وسب المسلمين.
ومن عجب أن هذه الطائفة لم تعاد أحداً من أهل البدع الحقيقية وإنما كان تبديعهم وسبهم وشتمهم لأهل السنة فقط وللسلفيين على الخصوص فكان بلائهم على أهل السنة والسلفيين وسلم منهم الكفار والمنافقون واللادينيون وأهل البدع الحقيقية الخارجين عن أهل السنة والجماعة.
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يقي المسلمين شرهم.

كتبه:
عبد الرحمن بن عبد الخالق

الاثنيــن 23 ذو الحجة 1439 هـ
الموافق 3 سبتمبـــــر 2018 م

 

 

(المصدر: صفحة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق على الفيسبوك)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى