مقالاتمقالات مختارة

الخطاب السُّني في تويتر

بقلم د. حمزة بن فايع الفتحي

بات تويتر مسرحاً للأحداث والتوجيه والنقد الثقافي والسياسي والاجتماعي والتسويقي والتعريفي الذاتي وغيرها من المقاصد المشهورة هذه الأيام .

ولحظتُ فيه دويلةً ومُروجا // ولحظت فيه العلم والتهريجا

هذا تويتر حِملُ كل حكايةٍ // وإذاعةٍ لا تقبل التهييجا

ودخله غالب فئات المجتمع نشرا وتعريفا ودعاية وتعليما وتثقيفًا، وتشويشا وتطبيعا، ليبيت مؤشرا قويا على التفاعل الإيجابي أو السلبي.

ولكونها أقلاما متفاوته ويسأل المرء عنها، ويندهش اذا رأى الإسفاف أو الانحطاط الكلامي أو الحواري فيها، لا سيما إذا ظهر في البيئات الإسلامية،… ومن ثم ، فقد جاءت السنة بخطاباتها التوجيهية، والتى تزم التجاوز، وتضبط الكلام، وتعلم الناس فنون الحوار والمحادثة (ليقل خيرا أو ليصمت).

مائة وأربعون حرفا، كشفت معادن الناس ومستواهم الأخلاقي من الانحطاطي والجيد من الردئ، والواعي من الاستغفال، والصادق من الكاذب .

• وباتت اللغة المنحطة والمسفة، أو البديعة الرائقة مئنة على المتابعة وعدمها. ومنها:


• ١/ المقولات الخيّرة الطيبة :
المصلحية المجدية وذات النفع والأثر الحسن، فقد قال صلى الله عليه وسلم(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )). ولو تخلقت أقلام تويتر بذلك، لقل الجهل، وطابت الحكمة، وعم الوعي، وسادت الأخلاق، وانكشف الأبالسة الأفاكون، والمرتزقة الجمّاعون ولكن…! قال علي رضي الله عنه( إذا تم العقل نقص الكلام ).

• ٢/ تجنب الطعونات البذائية:
والآن مواقع إعلامية وأفراد محسوبون على الكلمة والنشر والتنوير الإعلامي قد هبطوا هبوطا مسفا وفِي الحديث: (( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذئ )). ونغفل أنها في سجل محفوظ، ومخزون مرصود، ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) سورة ق.

• ٣/ الكف اللساني:
يسوق للخيرات ويعين المرء على ضبط نفسه ، وتسريحه سبب الحرمان والانحدار إلى دركات النيران والعياذ بالله، قال في الحديث الصحيح بعد أن علم معاذا رضي اللهِ عنه أبواب الخير ( أَلَا أُخبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلكَ كُلهِ ؟ قلت : بَلَى يَارَسُولَ اللَّهِ ؛ فَأخذَ بِلِسانِهِ وَقَالَ:” كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا! فَقُلت : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ! وَهلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وجُوهِهِمْ – أَوْ قَالَ : عَلَى مَنَاخِرِهِمْ – إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ). رواه أحمد والترمذي وهو صحيح ثابت .

• ٤/ الفُجر الخصومي:
إذ لا تخلو الساحة التويترية من جدليات عالية، واتهامات مبالغ فيها، وحجج مقابل توهمات، فينتهي المحجوج والغضوب إلى النُكر والجَحد، والتطاول اللفظي وفي الحديث جعلها صلى الله عليه وسلم من علامات المنافقين ( وإذا خاصم فجر ). ومن تداعي ذاك الشتائم والسباب واستعمال أسوأ الألفاظ وهو ما حرمته السنة الشريفة:

• ٥/ السباب الشخصي: قال صلى الله عليه وسلم:
( سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر ).قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: فسبّ المسلم بغير حق حرام، بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.

• ٦/ التكلف الكلامي والتشدق اللفظي :
كالثرثرة الكلامية بلا معنى سوى التعبير والفضفصة بلا قيم، أو المتفاصح توسعا وتشدقا، ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنَكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة، الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون) . قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون ).

• ٧/ التحذير من الشائعات:
وما أوسعها هذه الأيام، والتي باتت منفتحة على كل شيء وتلعب وسائل أجنبية ومغرضة، ومأجورة دورا في تطبيع الرأي العام على شاكلة معينة أو طابع مخصوص لتمرير شيء أو مخادعة ثقافية أو اجتماعية…! وفِي الحديث المشهور ( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ) رواه البخاري .

• ٨/ الاستنزاه النبوي :
فهو مدرسة صلى الله عليه وسلم في التأدب واللطف واستعمال أحسن الألفاظ حتى مع خصومه.. فقد وصفه صحابته الكرام( أنه لم يكن فاحشا متفحشا ). كما في صحيح البخاري، والفُحش: أي ناطقا بالفحش ، وهو الزيادة على الحد في الكلام السيئ…! وقد انجرفت فئات في تويتر واستخدمت الأعراض والنساء بشكل محرم ومجرّم، وتعف العرب والمعادن النفيسة في الجاهلية عنه، فضلا عن الإسلام .

• ٩/ تحري الصدق الخطابي:
وطلبه والحرص عليه عناية وتثبتا، والتباعد عن الكذب وأشكاله ومن يتحراه ، وهو درس للنشطاء والإعلاميين الذين ما فتئوا يتحرون كذبا ومبالغة وتزويرا وتزييفا، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم : ( إِن الصدْقَ يَهدِى إِلَى الْبِر وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَإِن الرجلَ لَيَصْدُقُ ويتحرى الصدق حَتى يكتب عند الله صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفجُور، وَإِنَّ الْفجورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرجُلَ لَيَكْذِبُ ويتحرى الكذب حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذابًا) أخرجاه في الصحيحين .

١٠/ الكلمة المسخوطة:
والتي تحمل معانٍ مستقبحة، أو ظاهرها ليس بضار ولا شائن، فيذيعها هزلا أو مازحا، أو تندرا فيهوبها للقاع، ويصاب بالحسرة الجاثمة، قال في الحديث ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ). وكم في تويتر من أذيات لفظية، ونبرات ردية، وتهكمات عصية، تلوكها ألسنة غير مبالية ولا متأنية،،،! بل بات التسابق معلنا ومعجبا لدى بعضهم والله المستعان . وقال الحكماء: (ليس مِن شيءٍ أطْيَبَ من اللسانِ والقلبِ إذا طَابَا، وليسَ مِن شيءٍ أَخْبَثَ منهما إذا خَبُثَا).
ووالله لو تأدبت الأقلام التويترية بأدب السنة لهانت المشكلات وتضوّعت الأخلاق، وغلب الحزم التويتري على السفه الشائع، والزغل الذائع، والله المستعان .

ومضة/
اتسعت التوجيهات النبوية لساناً، لاتساع ما يحدثه الناس من تطورات، وذاك إعجاز نبوي..!
١٤٣٨/١٢/١٩

(المصدر: موقع صيد الفوائد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى