الحكم الفردي يملك دائماً أكبر جهاز للأكاذيب
بقلم الشيخ محمد الغزالي
« إن امرأة تحكم ومعها جهاز شورى دقيق ، أقرب إلى الله وأحنى على الناس من مستبد يقف الغراب على شواربه، ويزعم أنه أحاط بكل شيء علما، وهو لا يدرى شيئا.
لقد وصف القرآن الكريم المرأة التي حكمت فى نطاق الشورى، وسجل كلمتها لقومها: (مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ) .. إنها تستفيد من كل خبرة، وتناقش القضايا على رؤوس الأشهاد لا بالهمس الجانبى والتآمر المريب .. وبهذا المسلك لا تقبر فكرة، ولا يتوارى رأى، بل تستفيد الشعوب من كل قدرة نفسية أو عقلية.
أما في ليل الحكم الفردي فإن الكلمة للقادرين على الزلفى، والساعين وراء مآربهم الخاصة .. وقد استغربت كيف نشأ عالم من الأكاذيب في دخان الحكم المشئوم في بلادنا !
عندما كانت الصناعة لدينا تتعثر، وأهل الدربة والتجربة يطارَدون، وأصحاب الحناجر والمباخر يتصدرون، فى هذا الوقت وقف الرجل المسئول يخطب فى استعلاء وزهو يقول: إننا أصبحنا قادرين على صنع الإبرة والصاروخ!
وظهرت فى الصفحات الأولى لجرائدنا ومجلاتنا صور لصاروخى ” الظافر ، والقاهر” .. فلما جد الجد تبين أن الحكاية كلها هوس، نسج خبالها الطيش والكذب، ودفعنا الثمن من دمائنا وأشلائنا، وسمعتنا وكرامتنا. وكان الذى يعترض يُطوى ذِكره ويُمحى أثره!
ولقد حدثت مذبحة فى ميدان القضاء عصفت بعشرات من الرجال العدول ذوى الصلابة والنزاهة، فكيف عُرض الخبر على الناس؟ عرض على أنه أكبر حركة إصلاح بين رجال القضاء!
إن الحكم الفردى يملك دائما أكبر جهاز للأكاذيب.. الغريب أن حبل الكذب قصير، ولكنه فى “بلادنا” يطول ويطول حتى يباغت الناس بأنهم على الحضيض! .. وإن كبت الرأى الآخر جريمة، واستغناء الحاكم بنفسه وحواشيه فتنة كبرى وفساد عريض»[1[
« وﻓﻰ ﺭﺃﻳﻰ ﺃﻥ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻰ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺸﻠﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮﻯ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ، ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﻴﻨﺎً ﺃﻥ ﻳﺴﻴﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺧﺎﺋﻔﺎً ﻳﺘﺮﻗﺐ ، ﻓﻘﺪ ﺗﻬﻮﻯ ﻋﺼﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻡِّ ﺭﺃﺳﻪ ﺗﻮﺩﻯ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ ، ﺃﻭ ﺗﻨﺎﻟﻪ ﺻﻔﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻔﺎﻩ ﺗﻮﺩﻯ ﺑﻜﺮﺍﻣﺘﻪ ، ﺃﻭ ﻳُّﺆﺧﺬ ﺑﺘﻼﺑﻴﺒﻪ ﻓﻴﺮﻣﻰ ﻓﻰ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻻ ﻳﺪﺭﻯ ﺷﻴﺌﺎً ﻋﻦ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﻭﻟﺪﻩ !!
ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﻨﻔﺴﻰ ﻛﺎﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﺕ ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﻠﻴﻞ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻳُﻘﺪِّﺭُ ﺣﻘﻮﻕَ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻣﻌﺎً ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺄﺭ ـ ﻗﺒﻴﻞ ﺇﻧﺸﺎﺀ ﻣﻜﺔ – ( ﺭَﺏِّ ﺍﺟْﻌَﻞْ ﻫَﺬَﺍ ﺑَﻠَﺪًﺍ ﺁﻣِﻨًﺎ ﻭَﺍﺭْﺯُﻕْ ﺃَﻫْﻠَﻪُ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺜَّﻤَﺮَﺍﺕِ (
ﻭﺍﻟﺠﻨﺪﻯ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﺭ ﺑﻀﺮﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻻ ﻳﺒﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺴﺤﻖ ﺗﺤﺖ ﺣﺬﺍﺋﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﻣُﺦٍ ﻓﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﻣُﺦ ﻭﻣُﺦ ، ﻭﻻ ﻳﺪﺭﻯ ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻣﻜﻠّﻒ ﺑﺎﻟﻀﺮﺏ ، ﺇﻧﻪ ﺁﻟﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﻓﻰ ﻳﺪ ﺟﺒﺎﺭ !!..
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﻒ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔ ﻳﺴﻠﻚ ﺍﻵﻣﺮ ﻭﺍﻟﻤﺄﻣﻮﺭ ﻓﻰ ﻧﻈﺎﻡ ﻭﺍﺣﺪ : ( ﺇِﻥَّ ﻓِﺮْﻋَﻮْﻥَ ﻭَﻫَﺎﻣَﺎﻥَ ﻭَﺟُﻨُﻮﺩَﻫُﻤَﺎ ﻛَﺎﻧُﻮﺍ ﺧَﺎﻃِﺌِﻴﻦَ )»[2[
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)