الحرية الشخصية بين المفهوم الإسلامي والمفهوم العلماني
بقلم د. عدنان بن محمد أمامة
شاهدت مقطع فيديو للقاضي الشيخ خلدون عريمط مع الإعلامي طوني خليفة: صرح فيه أن الحجاب علاقة خاصة بين المسلمة وربها، لا أحد يملك إلزامها به وإجبارها عليه.
وقال: إنه يتقبل المرأة المسلمة غير المحجبة، ولا يفرض عليها الحجاب، واعترف أن بناته غير محجبات، مع أنهن ملتزمات جدا في سلوكهن ، وأنه ترك لهن حرية لبس الحجاب متى اخترن ذلك طواعية من غير أي ضغط”
ورغم الصداقة التي تربطني بالشيخ خلدون، والاحترام الذي أكنه له، إلا أن ذلك لا يمنعني من مناقشته فيما أثاره،
خاصة أن كلامه، عرض على شاشة يراها ملايين البشر.
وأود أن أقف مع كلامه الوقفات التالية:
أولا: صرح القاضي أن الحجاب فرض، وأن خلعه معصية، لكنه قرر أن ارتداءه من عدمه راجع للمرأة نفسه، ولا يلزمها به أحد،
وهذا الكلام من الشيخ بحق فريضة الحجاب، يُلزمه أن يسحب ذلك على كل فرائض الإسلام، فلو أن المرأة لم ترغب بأداء الصلوات المفروضة، أو أحبت أن تفطر في رمضان، أو أن تتزوج يهوديا، أو نصرانيا، أو تشرب الخمر، أو أن تترك الإسلام، وتلحد بالله، فيجب احترام اختيارها، ولا سلطان لأحد عليها، يلزمها بما لا رغبة له به، فهل يقبل الشيخ بهذا الإلزام؟ وهل هذه الحرية إلا الحرية عينها التي قامت عليها العلمانية؟
ثانيا: مفهوم كلام الشيخ أن الإسلام مجرد دعوة إصلاحية ترشد الناس إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة، ثم تترك لهم حرية أن يقبلوها، أو يتركوها،
وعليه نسأل الشيخ: كيف يمكن أن نفهم الآيات والأحاديث التي تدعو إلى جهاد البشر حتى يخضعوا لحكم الإسلام، مثل قوله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة- أي شرك- ويكون الدين لله؟
وقوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون؟
لماذا قتالهم وإجبارهم على الخضوع لحكم الإسلام ما دام الإسلام دعوة سلمية إصلاحية لا تلزم أحدا بشيء؟
وكيف يفسر الشيخ الفتوحات الإسلامية التي طبعت تاريخ المسلمين إلى ما قبل عصر الهزيمة الفكرية الأخيرة؟
وماذا عن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي أول مراتبها تغيير المنكر باليد؟ وإيجاب الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك على من يقدر عليه كما في قوله من رآى منكم منكرا فليغيره بيده؟ وقيامه صلى الله عليه وسلم بتحطيم الأصنام يوم فتح مكة، وإقرار الله لإبراهيم تحطيمه لأصنام قومه، بقوله: فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم، وثناؤه على موسى تحريقه عجل السامري، ونسفه في اليم نسفا؟
وماذا عن همه صلى الله عليه وسلم تحريق بيوت من تخلف عن صلاة الجمعة؟
وماذا عن حد الزنى، وشرب الخمر، وحد الردة؟
وماذا عن حروب الردة، وقتال الصحابة للممتنعين عن الزكاة؟ وإجماع فقهاء المسلمين قاطبة على عقوبة تارك الصلاة، وتارك الصيام، وتارك الزكاة؟
أكُل هؤلاء غفلوا عن سماحة الإسلام، وأدخلوا عليه ما ليس منه؟
ثالثا: أود أن أسأل الشيخ إن كان هذا التسامح الذي ينتهجه مع بناته وزوجته بشأن الحجاب، وأمورهن الدينية يسحبه معهن على سائر شؤونهن الدنيوية؟
فلو اختار ولد من أولاده أن يتعاطى المخدرات مثلا – لا قدر الله-، أو قرر الانتحار، فهل يقول له: أنا أنصحك ألا تفعل، ولا أجبرك على خلاف ما ترغب وتحب؟
بالتأكيد لا
وهنا نسأل فضيلة القاضي: أيهما أخطر على الولد هلاك الدين، أم هلاك الدنيا؟ وخسارة الأولى أم خسارة الآخرة؟
يا فضيلة الشيخ هذه الحرية الرومانسية لا وجود لها إلا في الخيال، وحتى الغربيين الذين يتشدقون بها، هم أكثر الناس نقضا لها حين تتعارض مع أهوائهم ومصالحهم، وما نشروها بيننا إلا ليبعدونا عن ديننا.
أخيرا: أسأل الشيخ أليست مجاهرتك أمام الملايين أن بناتك غير محجبات، وأنت قاضي الشرع، ومحل قدوة الناس يعد فتنة عظيمة للكثيرين تتحمل أنت مسؤوليها أمام الله؟
أين فقه الاستتار من المعاصي إذا ابتلي أحدنا بها؟
وأين فقه المصالح والمفاسد فيما ينبغي ذكره وما ينبغي كتمانه والسكوت عليه؟
أسأل الله أن يهدينا جميعا سواء السبيل
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)