الحرية السياسية أساس التنمية الشاملة
بقلم د. أحمد موفق زيدان
أدركت دول العالم الحر مبكراً، أن أساس التنمية الشاملة هو الحرية السياسية، فسعت إلى بذل جهودها بشكل كبير وواسع ومكثف، من أجل تعزيز أسس الحرية وبناء الأطر التي تقويها وتعززها، من دساتير متطورة وبرلمانات متعددة ومؤسسات مجتمع مدني رديف تمنع تغول الدولة ومؤسساتها، فكانت الأحزاب السياسية والصحف الحرة والقضاء المستقل وغيرها من المنظومات الحرة، تأخذ بعضها بتلابيب بعض نحو التنمية الشاملة، لتشعر المواطن أنه حر في اتخاذ قراره، فتحول بينه وبين التفكير في الهروب من وطن لا يشعر أنه وطنه، ولعل هذا هو الفرق بين دول الاستقرار السياسي، حيث تتراكم فيها الخبرات، فتكون جاذبة للكوادر والطاقات، وبين دول الفوضى السياسية وعدم الاستقرار، فتكون نابذة للطاقات وطاردة لها، ومع بواكير الربيع العربي وانتفاضة الشعوب العربية أدركت الشعوب أن بداية التحرر الاقتصادي والسياسي وغيره من أشكال التحرر، إنما تكمن في انتزاع حق الحرية السياسية من استبداد شمولي دمر كل شيء في عالمنا العربي، وهو الذي سيُبنى عليه كل شيء، وبدونه فكل عمل تحرري عبث في عبث.
شكّلت تركيا أنموذجاً فاقعاً لما نقوله، فكلنا يعرف كيف كانت الصورة النمطية لتركيا قبل تولي حزب العدالة والتنمية ووصول شخصية كـ «رجب طيب أردوغان» إلى السلطة، فقد كانت صورة تركيا النمطية سلبية لدى المواطن العربي وغير العربي، ولنأخذ مثالاً بسيطاً وهو الطلبة المتخرجون من تركيا، حيث كان يُنظر إليهم على أنهم متخلفون عن دول عربية كسوريا وغيرها، فكان لا يُنصح بذهاب المريض إلى خريج الطب من تركيا، والآن نرى كيف تم تصنيف جامعات تركية ضمن المائة الأولى عالمياً، ونرى إقبالاً غير عادي من الطلبة ومن كل أرجاء العالم على الجامعات التركية والالتحاق بها، لتشكل أنموذجاً ليس في التطور والتقدم فحسب، وإنما حتى في تنوع اللغات التي تدرس بها.
لم يكن للاستثمار العربي وغير العربي أن يتدفق على تركيا لولا شعور المواطن والمستثمر بالحرية السياسية وحرية التحرك والتعبير، فأكثر ما يخيف المستثمر هو التقلبات السياسية والانقلابات غير المحسوبة، بينما حين يعلم المستثمر أن هناك حزبين أو أكثر من المرشحين للحكم، ويعلم تماماً مواعيد الانتخابات، لا كمواعيد الانقلابات وهي أشبه بمواعيد الزلازل والبراكين، التي لا يمكن التنبؤ بمواعيدها ومواقيتها، فعلم المستثمر بمواعيد الانتخابات يجعله يدفع بماله وباستثماراته إلى دول كهذه، وبالتالي لا يخشى من تقلبات غير محسوبة كحال البلاد العربية المحكومة من قبل عقول مزاجية، تذهب إلى اليمين لتعود إلى اليسار ثم الوسط، وقد تجلى ذلك بسياسات دول الحصار التي استفاق العالم فجأة على حصار مفاجئ لدولة عضو في مجلس تعاون خليجي، لتساوم لاحقاً على إفلاتها من عقوبة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، بالتلويح بفك الحصار عنها وغيرها من السياسات الحمقاء الخرقاء التي انتهجتها لاحقاً ولا تزال. طرح البعض لوزارات التنمية السياسية لا يمكن أن يكون باستحداث وزارات، وإنما لا بد أن يكون فعلاً واقعاً على الأرض من أجل الدفع بتنمية سياسية حقيقية لا افتراضية، وأسّ ذلك كله بإطلاق حرية سياسية حقيقية واقعية، تشمل تأسيس دساتير حقيقية تعكس حال البلدان وطموحات الشعوب الحقيقية التوّاقة للحرية، مع تشكيل أحزاب سياسية وإطلاق صحف ووسائل إعلام تعكس واقع الجمهور وحاله، ليكون هناك برلمان وقضاء مستقلان حقيقيان، يقلع بالبلدان المنكوبة بحياة سياسية متعفنة نتيجة الاستبداد والانغلاق، هذا الإقلاع السياسي سيكون قاطرة لكل أشكال الإقلاعات والانطلاقات اقتصادية واجتماعية وغيرها.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)