مقالاتمقالات مختارة

الحرب في الإسلام

الحرب في الإسلام

بقلم الشيخ محمد أبو زهرة

والرحمة الإسلامية ليست هي مجرد الشفقة أو الرأفة أو الانفعال بالعطف نحو جريح أو مكلوم؛ إنما الرحمة الإسلامية تختص بأنها الرحمة بالجماعة أولاً وبالآحاد العادلين ثانيًا…
ولأن الرحمة الإسلامية تعم ولا تخص كان لها جانبان:
أحدهما: بث التآلف والتوادّ والتراحم بين أهل الإيمان وأهل الحق، والتعاون معهم على إقامته ونصرته و إعلاء كلمته. والجانب الثاني : منع الظلم ودفع الأذى والغلظة على الظالمين حتى يؤبوا إلى الحق، و على المعتدين حتى يكفوا عن الاعتداء.
وكان المسلمون حقًا بين جانبي الرحمة متصفين بما قاله رب العزة فيهم: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]. وكما قال فيهم تعالت كلماته: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54].
والرحمة والشدة في الآية الأولى كلتاهما تنبعثان من معين الرحمة ، كما أن الذلة والعزة في الآية الثانية كلتاهما تنزعان من منزع العزة؛ فعزة المؤمن أن يكون متطامنًا لأهل الحق مستعليًا على أهل الباطل.
ليست إذن رحمة الإسلام أمرًا سلبيًا بل هي أمر إيجابي.
ومن أنواع الرحمة السلبية ما يخفي في ثناياه قسوة على الجماعة كأولئك الذين يرحمون الجناة، فإن رحمتهم من قبيل الانفعال الذي يكون ظلمًا للجماعة وأهل الحق؛ إذ يُفزع الآمنين ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: “من لا يرحم لا يُرحم”. وقال تعالى في محكم كتابه: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. [البقرة: 179] ومن قانون الرحمة شرعت شريعة الجهاد؛ فالجهاد في الإسلام دفع الاعتداء، وإقامة الحق ورفع مناره، والقضاء على الظلم والفساد.
إن الرحمة بالإنسانية توجب وقف المعتدي عن الاعتداء ومنع الظالم من الظلم ودفع الفساد في الأرض وإقامة دعائم الحق، وذلك لا يكون إلا إذا قيل للمعتدي: قف مكانك لا ترم، وقيل للمظلوم إن معك من يحميك ومن يدفع عنك شر الظالم، فإذا كان في الحرب قتل ففيها منع لسفك الدماء إن قام بها العادلون.
إن الله خلق الإنسان وفيه نزوع إلى الخير ومعه نزغات الشيطان كما قال سبحانه: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}. [الشمس: 7،8] وإن الخير والشر يتنازعان في نفس كل إنسان وفي أنفس الجماعة وبين الدول، فمع الشر الاعتداء ومع الخير منع الاعتداء.
فإذا اعتدى الشر وجب على أهل الخير أن يدفعوا، وإذا كان العبث والفساد وجب على أهل الإصلاح أن يمنعوا، وإذا كانت الفضائل تُنتهك وجب على الفضلاء أن يكفوا الرذيلة عن غوايتها ويمنعوا استشراءها واستمرارها مع الفساد.
ولذلك كان الجهاد شريعة ماضية إلى يوم القيامة… لأن النزاع بين الخير والشر ماضٍ إلى يوم القيامة، فكان الجهاد أيضًا لابد أن يستمر ليمنع الشر من أن يسيطر. وليظهر الخير حتى لا ينزوي ولا يستخذي ولا يضعف ولا يذل، ولولا ذلك لعمّ الظلم ولطغى الشر وظهر الفساد في البر والبحر من غير أن يظهر خير بجواره {… وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}. [البقرة: 251]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من مقدمة الشيخ محمد أبو زهرة لكتابه: نظرية الحرب في الإسلام، ص8-11، سلسلة دراسات إسلامية، ط: وزارة الأوقاف المصرية، عدد 160، 2008م.

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى