مقالاتمقالات مختارة

الحرب على شريعة الإسلام بين نباشي الفتاوى ومتفقهي العناوين

الحرب على شريعة الإسلام بين نباشي الفتاوى ومتفقهي العناوين

بقلم زهير سالم

( إقرار المتغلب ) أنموذجا

حرب عالمية ساخنة وباردة تشن على المسلمين كما على الإسلام العقيدة والشريعة ومنهج الحياة . وتتستر هذه الحرب بذرائع متكاثرة يأتي في مقدمتها الحرب على الإرهاب والحرب على التطرف والحرب على التشدد والحرب على الانغلاق والحرب على الجمود والحرب على العادات والتقاليد والحرب على الهوية بكل تجلياتها ، رجاء أن يتحول الإنسان إلى هلام أو هيولى بلا لون ولا طعم ولا رائحة يروق منظره ومخبره لأعداء الإسلام والمسلمين ..

وفي سياق هذه الحرب المتعددة الجبهات ، ابتلي المشهد الإسلامي بأناس من بني جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتا وظفوا أنفسهم في مشروع الآخر ، أو انساقوا معه بلا وعي ولا تمييز، فسلكوا طريق ( تدمير الذات ) ، وكان جل همهم ، وأكبر جهدهم ، أن يينبشوا عن فتاوى ( ظرفية ) كانت لها سياقاتها الاجتماعية أو السياسية ، فيعيدون بثها بعد تأطريها وإذاعتها بالمانشيت العريض . طلبا للتشويه والتشويش والإثارة والإغراب وقديما قال سلفنا الصالحون : شر العلم الغرائب.

وآخرون ما زالوا يخطفون الخطفة من عناوين مسائل الشريعة ، أو من أفواه علمائها ، فيطيّرونها في الآفاق تنديدا أو تشويها ، أو يراكمونها جهلا على جهل ، أو يجعلون من الفتوى المنبتة عن سياقها مركبا إلى الشهوة ، كل ذلك رغبة في شهرة ، وحرصا على أن يقال ( مفكر ..أو مجدد ..أو حداثي …) وما أشقاهم يوم يقال لواحدهم إنما فعلت ليقال ( …) وقد قيل ..!!!

فتاوى ومسائل كثيرة كانت مطوية في كتب الفقه ، لها مبادئها ولها مقدماتها ولها مساقاتها ، ولها حيثياتها ، ولها مستنداتها ، ولها حجمها ، ولها مكانها ومكانتها حتى إذا وقعت بيد أحد هؤلاء ( المشنعين ) على الإسلام وشريعته وأهله فما أسرع ما يحولها إلى عنوان تشويه ، ومانشيت إثارة وتسفيه ؛ وكم سمعنا جميعا في السنوات الأخيرة من هذه العناوين الطيارة ، ما يضطر للإعراض عنه الحليم ، والتحذير من مثله الحكيم …

وكان من أكثر ما وقع التشنيع عليه من مسائل الفقه الإسلامي ، بعد التشنيع المستدام على قانون العقوبات ، قضية إقرار الفقهاء المسلمين لولاية المتغلب ، إقرار مندمجا بسياق ، مقيدا بمقدمات ، معقبا عليه بما يجوز فيه من احتمالات ..وقد غدا التشنيع على هذه المسألة تشنيعا تمارى فيه السفهاء ، ودب في بعض الأحيان إلى أقلام الجادين على سبيل المجاراة طورا ، والمشاكلة حينا ..

حتى اعتبرت المسألة أم الخبائث السياسية ، ومفتاح التعليل والتحليل والتقويم ، فكل الشرور منها بدأت وكل الشرور إليها تعود !!

وأصبحنا حيث يممنا نجد أشخاصا إذا كتبوا في التاريخ أو في السياسة أو في الشريعة أو التبصر بأحوال المسلمين ، وما ينزل بهم من بلاء ، أو يحيط بهم من مكر ؛ مالوا على العنوان المذكور فحملوه آثام القرون ، وتراكمات الوهن والقنوط ، وقرروا أن كل ما تعيشه الأمة من مبتداه إلى منتهاه إنما سببه النظرية الفقهية في ( إقرار ولاية المتغلب ) التي لم يدرك منها كثيرون من الذين يتكئون عليها غير عنون مجتزئ مبتسر منفصل عن سياقه وعن أصله .

وتبلغ بالبعض الجرأة على الله وعلى الناس ، فمدوا أعينهم من الجرأة على الأحكام إلى الجرأة على الأئمة الأعلام ، والفقهاء الأثبات ؛ مستصغرين من علماء هذه الأمة كل جهبذ قوال بالحق ، شاهد عليه لا يخاف في الله لومة لائم ..فيرمونهم ببعض سخيمة أنفسهم ، ويعكسون عليهم بما في مرايا ذواتهم ..

بعض الناس مثلاإذا ذكر الإمام (الماوردي ) ، الإمام الفخم الضخم صاحب الأحكام السلطانية ، استخف بلسانه ، وزوى حاجبيه ، ومط شفتيه ، وتمعر وجهه ، وأشار بيده هكذا ، كأنه يذب عن وجهه ذبابا ؛

وما درى ، هذا المسكين ، من هو الماوردي…من هو صاحب الحاوي ، ومن هو الماوردي سفير أهل الإسلام إلى أباطرة الروم ، وما درى من هو الماوردي العالم الثبت القائم بالحق والشاهد عليه والذي أخذ على ( نظام الملك ) السلجوقي أن يتلقب بملك الأملاك ، وخرج من مجلسه غاضبا لحديث رسول الله ( إن أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى ملك الملوك أو ملك الأملاك ) . خرج الماوردي من مجلس نظام الملك مستعدا ليدعى إلى النطع والسياف ، ولم يعط الدنية في فتوى تخالف حديث رسول الله ..

لسنا ندعي العصمة لسلف هذه الأمة ، ولا لعلمائها وفقهائها وإنما ندعو كل من يريد أن يقارب ويعيد النظر أن يقترب من بساط العلماء بوقار العلماء وبمنهجهم وعلى طريقتهم ..

ثم نعود للحديث المجمل على ما زعموا واجتزؤوا أن مدرسة الفقه الإسلامي قد أقرت تسلط المتغلب على الأمة ، وطالبت بطاعته ، والخضوع له ، وحرمت الخروج عليه ، وإن أكل مالك وجلد ظهرك كما زعموا ..

لنقول إن عرض المسألة بهذا الشكل فيه اجتزاء مخل ، وفيه ما يدعو إلى حمله على سوء الظن ، ومن تتبع المسألة في مظانها في كتب السياسات الشرعية المفردة ، وفي مجاميع الكتب الفقهية للمذاهب الأربعة لوجد أن الفتوى مقترنة في أكثر السياقات بالقدرة خوف اجتثاث المسلمين أو اصطلامهم حسب تعبير صاحب الغياثي ، أو الوقوع في فتنة انتهاك الدماء والأعراض والأموال دون قدرة على الرد والحفاظ ..

ويذهب صاحب الغياثي إلى أكثر من ذلك ، مفتيا بأن على كل صاحب نجدة أو كفاية في الأمة التي تغتصب إرادتها أن يتقدم فيجمع الناس، وأن على كل مسلم حوله أن يطيعه وينضم إليه ، وأن ينصره ليتعاون الجميع على إسقاط المتغلب الكافر أو الفاسق الذي غلب على أمر المسلمين على غير مشورة منهم ، ..

ونعود للقول إن اجتزاء عناوين المسائل الفقهية في أبواب الفقه الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي هو جزء من حملة ظالمة ممنهجة تسعي إلى النيل من الشريعة الإسلامية ، والتنفير منها ، وتشويه مرتسمها في أذهان الجيل المسلم ل، لا يجوز لمسلم عاقل صادق أن يخوض فيها مع الخائضين .

وإن الذي ندين الله بها وندعو كل العقلاء إليه أن فتوى إقرار المتغلب على ولايته في إطارها في الفقه الجمعي لعلماء الأمة واعتبار أقولهم مكملة لبعضها من غير اجتراء ولا اجتزاء ولا تحريف ، ولا موقف مسبق رغبة في الإدانة ، وحبا في الارتفاع على أنقاض الآخرين. دعوة علمية منهجية تنتهي بنا إلى استخلاص نظرية الفقهاء المسلمين في التعامل مع واقع سياسي قاس دام كل ما فيه ..

ستؤكد لنا الدراسة أن الفقهاء قد أناطوا الموقف العام بالقدرة ، وأنهم دعوا إذا فقدت القدرة إلى تحصيلها ، والتعاون عليه ، وأنهم ميزوا بين حال متغلب ومتغلب ..

كثيرون يراودهم حلم طوباوي وردي جميل عن ديمقراطية حالمة توفرها آمال وأماني وينسون ونحن في القرن الحادي والعشرين وفي أعتى ديموقراطيات العالم ..ما يزال رأس المال هو المتغلب الأول بمخالبه الناعمة وومداخله الخفية ..

ينسى هؤلاء أن نظرية الإقرار الأولي للمتغلب ، وليس المستدام ، هو نوع من الواقعية السياسية ..استبدل بها آخرون نظرية ( التقيّة ) التي تدرجوا بها من السياسة إلى الاجتماع إلى الاعتقاد فوجدوا أنفسهم في قاع فتنة عمياء .

هلموا ندرس ، ونتعلم ، ونتفقه بعقل واع ، وقلب مفتوح ، ورغبة في الخير . وإن يكن في مقررات بعض الفقهاء هنات أو ثغرات أحدثها تغير العصر واختلاف ظروف الزمان ، أو بعض النقص والضعف الذي لا يخلو منه إنسان فهذا مما ينبغي أن يقلرب بكل الأناة والحلم والعلم والوقار والاحترام ..

ليس في شريعتنا ما يعاب ، ولا في قواعد ديننا ما نستحي منه ، ومن درس عرف ، ومن اختطف أو انتبذ ضل وأضل ..

” وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ “

 

 

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى