الحراك الشعبي في الجزائر نحو طريق مسدود
بقلم قلمين محمد هشام
من كان يظن أن استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سوف تكون بداية دخول الجزائر في نفق مسدود، في وقت كان يعتقد المتتبعون أنها سوف تكون مفتاح انفراج الوضع في الجزائر، فهذا دليل على أنه دليل على أنه لم يفهم جيدا مطالب شباب الحراك والذي يكرر في كل جمعة من الجمعات الثمانية شعار ترحلو يعني ترحلو ثم شعار تتناحو قاع بمعنى ترحلو كلهم، والتي كانت القراءات الأولى تؤكد على أن جوهر هذه المطالب يكمن في التخلص من القوى الغير الدستورية والتي تدير البلاد منذ الأزمة الصحية للرئيس في منتصف 2013، تقرر في مكانه، وتستعمل ختمه، وتكتب رسائله، وتخطط مسار البلاد، وهذت وفقا لما أكده السيد صديق شهاب، الذي هو الناطق الرسمي لحزب التجمع الوطني الديموقراطي، أحد أحزاب الموالاة للرئيس.
وهذه الجماعة يطلق عليها اسم جماعة زرالدة، نسبة لمقر إقامة الرئاسة في منطقة زرالدة في العاصمة، وتضم أشقاء الرئيس، ورئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحي، ورئيس المجلس الدستوري المعروف بقربه وولاءه للرئيس بوتفليقة، بالإضافة إلى رجال أعمال مقربين من محيط الرئيس، والذين كانوا هم من يخطط للسياسة الاقتصادية للبلاد، بما يخدم مصالحهم، ولكن وبعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يوم 02 أفريل بضغط من المؤسسة العسكرية، والتي خيرته بين الاستقالة أو تفعيل المادة 102 المتعلقة بعدم قدرة الرئيس مواصلة مهامه لأسباب صحية، فاختار الاستقالة مع تفعيل نفس المادة ولكن بالذهاب مباشرة إلى الفترة الانتقالية ب 90 يوم بعد إعلان شغور المنصب بالاستقالة.
كان يظن أغلب المراقبين أن هذا سوف يدفع الملايين من الجزائريين إلى العودة إلى حياتهم العادية والتوقف على مسيرات الجمعة، ليتفاجئ الجميع وأنه بمباشرة إعلان شغور المنصب الرئاسي، وتنصيب السيد عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا يوم 09 أفريل، بخروج الشباب خاصة طلبة الجامعات والذين يمثلون المكون الأساسي لهذا الحراك إلى الشارع ولكن هذه المرة بشكل يومي، وذلك راجع إلى عدم ثقتهم بمن سيسيرون المرحلة الانتقالية، ومن هنا خرج شعار نريد رحيل الباءات الثلاث، ويقصدون بهم السيد نور الدين بدوي رئيس الحكومة، والذي كان من بين أهم أهداف الحراك منذ توليه رئاسة الحكومة خلفا للسيد أحمد أويحي، وحسب المتظاهرين فإن السيد بدوي له مسيرة كوزير للداخلية لت تشفع له بالامساك بمسؤولية من حجم رئاسة الحكومة، فالرجل له سوابق أولا في قمع المظاهرات، والكل يتذكر كيف قام بقمع مظاهرة الأطباء العام الماضي في نفس المكان ( يعني ساحة البريد المركزي )، بالإضافة إلى كونه مسؤولا على نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2017، أين يرى المتتبعون أنها شهدت عمليات تزوير لصالح الحزب الحاكم أو أحزاب الموالاة والتي فازت ب بواحد وسبعين بالمئة من مقاعد البرلمان.
أما السيد الطيب بلعيز أو الباء الثانية فهو رجل موالي للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأكد من خلال أحد تصريحاته أن ولاءه الأول هو للرئيس، بالإضافة على تعديه للدستور بقبوله ملف ترشيح الرئيس بالنيابة من طرف رئيس حملته، وهذا ما هو منافي لأحكام الدستور وهذا رغم معارضة رئيس هيئة مراقبة الانتخابات السيد عبد الوهاب دربال، أما الباء الثالثة وهو عبد القادر بن صالح والذي هو أحد رموز النظام، باعتباره رئيسا للمجلس الشعبي الوطني خلال الفترة 1997 – 2002، ثم رئيس مجلس الأمة منذ 2002، وخلال فترة توليه رئاسة مجلس الأمة تم تمرير العديد من القوانين والتي انهكت كاهل المواطن الجزائري كقوانين المالية المصادق عليها منذ 2015، أي منذ أزمة انهيار أسعار النفط بفرض ضرائب ورسوم على كاهل المواطن، ومنح رجال الأعمال وطبقة الأثرياء تحفيزات جبائية، ما رأى فيه المواطن تغييب لأهداف المجلس والمتمثلة في المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية لدى المواطن. كل هؤلاء حسب شباب الحراك لا يملكون المصداقية اللازمة من أجل قيادة المرحلة الانتقالية، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، بل يرون أنهم سوف يحاولون سرقة مكتسبات الحراك والاتيان ببوتفليقة جديد تماما مثلما حدث عام 1999.
ولكن الجديد خلال الجمعة الثامنة ل12 أفريل 2019، هو رفع سقف المطالب إلى ضرورة التخلص من رئيس الأركان السيد محمد القايد صالح، ومن خلال قراءة اللافتات الداعية لتنحيته نلاحظ أيضا تنديدا بالدور الذي يقوم به وهو المراوغة والمناورة حتى يقوم بايجاد مخرج لأشقاء الرئيس والمقربين منهم من رجال الأعمال الفاسدين من المحاسبة، فالشباب لا يريد فقط ذهاب واستقالة الرئيس وإنما محاسبة من قام بنهب المال العام، وأوصل بلاد بخيرات الجزائر النفطية إلى حال أشبه بالشيخ العاجز والذي لا يستطيع القيام بوظائفه العضوية، فنهبت الغلة التي تم تكوينها أيام البحبوحة المالية خلال فترة ارتفاع أسعار النفط من بداية 2006 إلى جوان 2014، والتي تقدر بمئات الملايير من الدولار، مع عدم قدرة مسؤوليها على ايجاد حلول لتنويع اقتصادها وإخراجها من دائرة الاقتصاد الريعي القائم على صادرات المحروقات، صرفت مواردها في تمويل مشاريع تابعة لشخصيات تابعة لدائرة محيط الرئيس، ما نجم عنه بزوخ نخبة رجال الأعمال والذين كونوا ثروتهم بسرعة مع تعطيل كافة الأجهزة الرقابية التي تراقب تسيير المال العام، كجهاز مجلس المحاسبة والذي حاربه بوتفليقة شخصيا كونه مسؤول على مذكرة توقيف بحقة راجعة لعام 1983 والتي اتهمته أثناء قيامه بمهامه كوزير للخارجية من 1963 إلى 1978 باختلاس 60 مليون دينار من الاعتمادات المخصصة لتسيير المؤسسات التابعة لوزارة الخارجية.
الاشكال المطروح في الحراك الشعبي في الجزائر هو تعنت السلطة والمماطلة وأحيانا الموارغة في تنفيذ والخضوع للمطالب الشعبية، وهو ما يقابله ردة فعل من شباب الحراك بتوسيع رقعة تلك المطالب، ففي 22 فيفري كانت المطالب كلها تتلخص في توقيف عملية ترشيح الرئيس العاجز لعهدة رئاسية خامسة، ولكن ومن خلال رسالة الرئيس في 11 مارس 2019، أعلن عدم ترشحه ولكن أجل فيها الانتخابات، كانت ردة الفعل عنيفة من طرف الحراك، بالمطالبة بالاستقالة الفورية أو تفعيل المادة 102، مع عدم اعترافهم بحكومة السيد بدوي والتي هي حكومة تصريف أعمال مؤقتة، ومباشرة بعد استقالة الرئيس وتفعيل المادة 102 بضغط من الجيش وقف الشعب مساندا في غالبيته المؤسسة العسكرية، خاصة بعد المعلومات المسربة حول محاولة تخابر وتآمر محيط الرئيس مع رئيس الاستخبارات السابقة محمد مدين وهو الشخصية التي لا تلقى قبولا لدى الشعب وبتنسيق مع أجهزة استخبارات أجنبية والذي كان الهدف من ذلك الاجتماع محاولة ايجاد مخرج مشرف للرئيس والعمل على ضرب مصداقية المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى كسر الحراك الشعبي وذلك بالترويج للنعرات والاختلافات الجهوية بين الجزائريين.
ذلك التوافق بين الشعب والمؤسسة العسكرية لم يدم سوى أيام، فشباب الحراك المتعطشون لرؤية جماعة زرالدة تواجه المحاسبة، أصيبوا بخيبة كبيرة وهو يرون أشقاء الرئيس يزاولون أعمالهم بشكل عادي كناصر بوتفليقة أمين عام وزارة التكوين المهني الذي رافق الوزير الجديد في جولته الأولى حول الوزارة، بالإضافة إلى عدم اصدار أوامر بتوقيف رجال الأعمال الفاسدين، وحتى التهم التي وجهت إلى السيد علي حداد والتي يرى فيه الشعب رمزا للفساد في البلاد، كتهمة حيازة جوازات سفر مزورة، يرى شباب الحراك أنها تهم سطحية، وأن الرجل الموجهة له أصابع الاتهام في العديد من قضايا الفساد كقضية الطريق السيار شرق – غرب، وحصوله على صفقات عديدة في ميدان الأشغال العمومية بطرق مشبوهة، كون بها ثروة هائلة.
اليوم شباب الحراك رفعوا شعار تتنحاو قاع، أي ترحلوا جميعا، وحسبهم فإن كل من كان له علاقة مع النظام قبل 11 مارس عليه أن يرحل، والمعضلة في هذا المطلب أن شباب الحراك ليسوا واعين بآثار مطلب كهذا، آثار قادت دول شقيقة إلى الفوضى خلال فترة الربيع العربي، فالشباب ليوم الجمعة الثامنة، ومن خلال تحدثي إليهم هم يطالبون بحل البرلمان، حل المجلس الدستوري، إعادة هيكلة المؤسسة القضائية، محاسبة الاطارات العسكرية، مصادرة أملاك رجال الأعمال الفاسدين، محاسبة كل الوزراء والمديرين الجهويين، حل أجزاب الموالاة والمعارضة والتي يرون أنها تريد استغلال الحراك لأخذ مكاسب سياسية لها، أي بصورة أخرى انهيار مؤسسات الدولة، وهذا ما فيه خطر على سلامة وأمن البلاد والسيادة الوطنية.
بالإضافة إلى عدم تقبلهم لأي رأي مخالف لهذا الطرح، وهذا ما أراه غريبا، فالانسان المناضل من أجل الديموقراطية، يجب أن يتعلم أسس الأداء الديموقراطي في تعاملاته اليومية، وتقبله لتفاعل الأفكار، وتقبل الأفطار المعارضة والمناهضة لأفكاره، والاحتكام إلى الصندوق ليكون الفيصل في ترجيح الكفة لمختلف الأفكار والمناهج والبرامج والايديولوجيات.
(المصدر: مدونات الجزيرة)