الحاكم المسلم ودوره في جمع كلمة المسلمين
بقلم محمد مكركب
إن دور الحاكم والعالم ورجل الإعلام وكل من له كلمة وموقف في المجتمع المسلم أن يتعاونوا على جمع صفوف المسلمين في صف واحد معتصمين بحبل الله ذي القوة المتين، غير أن المسئولية الكبرى هي على عاتق الحاكم رئيسا كان أم ملكا أم خليفة. والمسلمون لايتحدون ويتآلفون إلا بكتاب الله واتباع رسوله عليه الصلاة والسلام، ولذلك فالحاكم وجب عليه أن يجمع المسلمين بماجمعهم الله حول خاتم النبيين. قال الله تعالى:﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال:62،63) فالرسول عليه الصلاة والسلام وهو يسعى جاهدا لقيام الدولة بكل أركانها في المدينة المنورة، برزت قرون العداوة اليهودية بشيء من الكيد والمكر، وبالتعاون مع مشركي ذلك الزمان، كما ظهر في المدينة النفاق على أشده، وفي تلك الظروف يخاطب الله نبيه بهذه الآيات، يطمئنه ويعلمه ويبين للناس كيف يجتمعون ويكونون أمة واحدة بقوة الإيمان وآليات القرآن. هو الذي أيدك بنصره، وأيدك بالمؤمنين معك من الأنصار والمهاجرين، الذين دافعوا عنك ونصروك، والله هو الذي ألف بين قلوبهم بالهداية التوفيقية والهداية الدلالية بالقرآن، وجمعهم على كلمة الحق والشهادة، وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها، كما جمع الله الصحابة على حبه وحب دينه وحب نبيه، مع أن النبي لو أنفق ما في الأرض جميعا ما ألف بين قلوبهم. ولكن الله الحكيم العليم ألف بين قلوبهم، وجمعهم على الصراط المستقيم، إنه عزيز حكيم.
ولما كان الرسول عليه الصلاة والسلام في وقته هو النبي الذي يبلغ رسالات ربه إلى العالم،كان هو أيضا صلى الله عليه وسلم رئيس الدولة يدير الشئون العامة بالإسلام، ينظم الاقتصاد، والإعداد، والجهاد، والسياسة الداخلية والخارجية، يقول له الرب تبارك وتعالى:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران:159)
1 ـ أن يسوس الحاكم قومه بالقرآن الكريم. قال الله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:[ بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً] وهذا الشرط في مهام الحاكم يقتضي أن يستشير العلماء المجتهدين. ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير العلماء من الصحابة رضي الله عنهم. والحاكم الذي لا يستشير العلماء ويجتهد بغير علم سيحاسب على الأخطاء السياسية والاقتصادية، ولو أن حكام المسلمين أقاموا مجالس الشورى من العلماء الحكماء الحقيقيين في كل التخصصات لنجحوا وأخرجوا شعوبهم من ظلمات التخلف والفساد إن نور الحضارة الراقية، وأمنت البلاد وسعد العباد، ولكن كثيرا من حكام المسلمين تركوا المناهج التربوية في يد القاصرين، وتركوا مجالس الشورى لمن لايحفظون سورة الشوى، وتركوا الإعداد والجهاد، فانتشر الفساد والإلحاد، في كثير من الأوطان الإسلامية.
2 ـ أن لايستعين حاكم المسلمين بغير المسلمين. قال الله تعالى:﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال:64) لايليق بالحاكم المسلم أن يستعين بغير المؤمنين، لا في الإدارة، ولا في التربية، ولا في الاقتصاد، ولا في أي مجال من مجالات مرافق الدولة أبدا ثم أبدا. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (آل عمران:118) قال الإمام العالم الفقيه المفسر القرطبي:{ نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم. ويقال: كل من كان على خلاف مذهبك ودينك فلا ينبغي لك أن تحادثه، قال الشاعر:{عن المرء لا تسل وسل عن قرينه … فكل قرين بالمقارن يقتدي.}ثم تدبر قول الله تعالى عن غير المسلمين.﴿ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾أي: يبذلون جهدهم في إفسادكم، بالمكر والخديعة، ثم ألم تقرأ قول الله تعالى:﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ فكيف يستعين الحاكم المؤمن بمن شهد الله فيه بأنه لايريد لنا الخير، والكافر عموما يسعى في الإفساد بين المسلمين؟ كيف؟ ثم كيف.
3 ـ إقامة المؤسسات المجتمعية الحافظة لكيان الدولة، منها:مؤسسة المجلس الأعلى للتربية والتعليم المسئول عن المنظومة التربوية. مؤسسة المفتي العام. ومؤسسة القضاء التي يفصل قاضيها في القضايا الكبرى، وتعتبر مؤسسة القضاء من أهم مؤسسات الدولة.﴿يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ﴾ (ص:26) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون. ومؤسسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه المؤسسات الثلاث عملا بقول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:104) ومؤسسة بيت مال المسلمين. ومؤسسة الدفاع.
4 ـ الواجب على حاكم المسلمين أن يعلم الناس الشريعة الإسلامية وأن يبين لهم الحلال والحرام، وهذا عملا بقول الله تعالى:﴿قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام:153) وقد بينا في مقالات سابقة كتاب عمر بن عبد العزيز رحمه الله لِوُلَاتِهِ وعُمَّالِهِ والموظفين السامين في الدولة. كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: [إن للإيمان فرائض، وشرائع، وحدودا، وسننا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص] (البخاري:8) فالواجب على الحاكم تعليم الناس دينهم بإخلاص.
وهذه الواجبات على كل مسئول من رئيس البلدية إلى الوالي إلى الوزير إلى الرئيس، وقد يقول المسئول: هذا واجب كبير ومسئولية عظيمة فمن يقدر عليها؟ حينها يقال له:[ لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة أكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها] (سلم:1652) [وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها] (مسلم:1825)
سأل محاوري: لماذا قلت: كل المسئولين يُسألون، مع أن المسئول الأول كما هو عنوان المقال، هو الحاكم فقط. قلت مأكثر ما تَنْسَى أو تُنَسَّى. ألم تقرأ حديث المصطفى: [أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ] ( مسلم:1829)
5 ـ ولتأكيد الموعظة السابق ذكرها، يتبين أن كل موظف وعامل يسأل عن عمله أو شهادته، أو توقيعه، ولا يبرر مخالفته لحكم شرعي أو قاعدة قانونية بأنه مطيع لرئيسه في العمل، فلو كان الآمر وزيرا أو رئيس دولة فلا يطاع فيما يخالف الشرع، أو في باب الاجتهاد مما أجمعت عليه الأمة وما يسمى بالقانون الوضعي، لأن القاعدة هنا:[لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق] ففي سنن الترمذي. باب في ما جاء (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أُمِر بمعصية فلا سمع عليه ولا طاعة] ( الترمذي:1707).
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)