مقالاتمقالات مختارة

الحاخامات اليهود يعبّدون طريق التطبيع بين “الخليج” وإسرائيل

الحاخامات اليهود يعبّدون طريق التطبيع بين “الخليج” وإسرائيل

بقلم عدنان أبو عامر

يمكن رصد جملة من السلوكيات الخليجية تجاه إسرائيل، المتأثرة بضغوط لا تخطئها العين من المؤسسة الحاخامية اليهودية، التي اتضح أن لها نفوذا في عواصم الخليج، وتمثل بعضها بإحياء الفاعليات اليهودية غير المسبوقة في هذه الدول المحافظة.

بات من الصعب على كل متابع لتطورات الساحة الإسرائيلية عموماً، وجوقة التطبيع الجارية مع دول الخليج خصوصاً، أن يتجاهل الدور الكبير الذي يضطلع به الحاخامات اليهود في تعبيد الطريق نحو التطبيع الخليجي-الإسرائيلي، سواء من خلال نفوذهم المتنامي لدى ملوك وأمراء الخليج، أو وجودهم القوي داخل الإدارة الأمريكية، وهو ما تجلت مؤشراته وشواهده عشية توقيع الاتفاقيات الأخيرة بين إسرائيل والإمارات والبحرين.

في سلوك ديني بحت، بعيد عن الدبلوماسية الليبرالية الأمريكية، قدم مستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنير، هدية خاصة فريدة من نوعها إلى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، هي عبارة عن نسخة ملفوفة من التوراة اليهودية، خلال استقباله في المنامة قبل التوقيع على اتفاقات واشنطن، وأعلن كوشنير أن “لفيفة التوراة هذه كُتبت تكريماً لملك البحرين، وسوف تستخدم في معبد يهودي محلي في بلاده”.

وفي مظهر ديني آخر، وفور توقيع اتفاقية واشنطن، كشفت إسرائيل أن رجال الأعمال فيها على اتصال فعلي بفنادق الإمارات، بغرض توفير الطعام اليهودي أمام السياح الإسرائيليين، وقد أصدرت وزارة السياحة الإماراتية، بطلب إسرائيلي، تعميماً لكل مطاعم الدولة بضرورة أن تجعل في مطابخها وجبة “كوشير”، وإعدادها وفقاً لمتطلبات قوانين التغذية اليهودية، جزءاً من المنظومة الغذائية المقدمة للزبائن.

وقد أعلنت قطر أيضاً، التي تتحضر لاستضافة مونديال 2022، أنها ستسعى لتوفير الأكل اليهودي الحلال بسبب وجود زوار إسرائيليين ويهود من كل العالم لحضور هذا الحدث الرياضي الكبير.

وفي مؤشر ثالث، تواصل الإمارات الترويج لبناء أول كنيس يهودي على أراضيها، وهو جزء من مجمع كبير للأديان في أبو ظبي اسمه “منزل عائلة إبراهيم”، يشمل كنيساً وكنيسة ومسجداً، ومن المقرر افتتاحه في 2022، رغم أنها تضم عددا قليلاً من الجالية اليهودية، ويستخدمون أحد المنازل في دبي باعتباره كنيساً مؤقتاً لأداء الصلاة والطقوس الدينية.

هذه عينة عشوائية من الشواهد الميدانية ذات الطابع الديني اليهودي التي تزامنت مع إعلان التطبيع رسمياً بين إسرائيل وبعض دول الخليج، وهي تشير إلى الدور الكبير الذي لعبه الحاخامات اليهود في تحقق هذا التطبيع، والانتقال به من الغرف المغلقة إلى المؤتمرات الصحفية العلنية.

نذكر في هذه المناسبة الحاخامين مارفين هاير وآبي كوبر، من مركز ويزنتال في لوس أنجلوس، حيث دُعيا في فبراير 2017، إلى قصر الملك حمد في المنامة، وأمسكا بيده، وهو ما لم يكن وفقاً للبروتوكول، ووجها التحية إليه باللغة العبرية، وفي ذلك الاجتماع، أصبح واضحاً أن الحاخام والملك سيعملان لصالح إسرائيل.

بعد ذلك مباشرة، نشر الملك “إعلان البحرين للتسامح الديني”، وأرسل نجله ولي العهد، الشيخ ناصر، لقراءة الإعلان أمام 400 عضو من جميع الأديان في لوس أنجلوس، وتم التعبير عن الاستمرارية بإنشاء كنيس صغير في المنامة لليهود الأربعين، الذين ما زالوا يعيشون في الجزيرة، ويفضلون بشكل عام الصلاة في منازلهم.

الحدث الأبرز في اليوم التالي لإعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، إذ وصل وفد من 24 رجل دين وشخصية من البحرين، بتشجيع من الملك، لأول مرة في زيارة مفتوحة لإسرائيل، صحيح أنهم تلقوا الشتائم في أثناء صعودهم إلى المسجد الأقصى، لكنهم اختتموا زيارتهم بإضاءة شموع “حانوكا” عند سفح سور المدينة القديمة.

التقدير الإسرائيلي أن هذا الدور الحاخامي سيجعل الوجود اليهودي في دول الخليج مطرداً، بحيث يفتتحون حسابات على وسائل التواصل، ويعطون مقابلات عن الحياة اليهودية بالخليج، ويطلقون على أنفسهم تسميات “الجالية اليهودية”.

من أبرز قادة اليهود في الإمارات الحاخامان ليفي دوشمان وسولي وولف، وقد شهدت الأشهر الأخيرة افتتاح المركز المجتمعي اليهودي في دبي، ويتضمن كنيساً ومساحة للطقوس اليهودية في منطقة أخرى من المدينة، ويبدو المركز مثل منازل طائفة “الحاباد” التابعة للحركة الحسيدية اليهودية حول العالم.

وهناك الحاخام يهودا سيرنا، المعروف في نيويورك، وناشط في العلاقات بين الأديان، ومعروف من كبار القادة اليهود حول العالم، بما في ذلك كبير الحاخامات في تل أبيب السفارديم شلومو عمار، والحاخام الأوكراني الأسبق جوناثان زاكس، ورؤساء المجلس الحاخامي الأمريكي وأوروبا، واللجنة الدولية للحاخامات.

وقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات بارزة، ومقاطع فيديو، وأغاني وترانيم لصلاة يهودية من أجل رفاهية الإمارات، وقادتها، وقوات الأمن فيها، حتى إن قناة العربية السعودية أشادت بهذا المقطع، رغم أنه باللغة العبرية، وظهر فيه رجال يرتدون ملابس يهودية تقليدية بالأسود والأبيض تسمى “تالايت”، ووصفه سفير الإمارات في لندن منصور أبو الهول بأنه “فيديو جميل من الجالية اليهودية في الإمارات”.

ليس واضحاً عدد يهود الإمارات بدقة، لكن التقديرات أنهم 1500 يهودي موزعون في جميع أنحاء الإمارات السبع، ويقدر آخرون أن العدد يقف عند بضع مئات، ويستخدمون لغة الإيديش للكنيس اليهودي، وتتميز حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمجتمع اليهودي، بانتشار صور محمد بن زايد.

مع العلم أن أعضاء الجالية اليهودية في الإمارات، يتكونون من اليهود الأمريكيين والأوروبيين الموجودين بالخليج، وبدؤوا في 2010 التجمع في الأعياد اليهودية في مكان يُعرف باسم “الفيلا”، وعلى مدى السنوات الماضية أقاموا احتفالات دينية كل سبت، ويديرون مدرسة لتعليم التلمود والتوراة بحضور 45 طالباً، مع طموح إسرائيلي بإقامة بعض المعابد اليهودية في الإمارات.

كما أن إيلي كريل، زوجة رئيس الجالية اليهودية، افتتحت “مطبخ كوشر” الحلال وفق الشريعة اليهودية، الذي حظي باهتمام وزيرة الثقافة الإماراتية نورا الكعبي، ورحبت به كفصل جديد في “تاريخ طعام الخليج”، وكتب سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة بيديعوت أحرونوت الإسرائيلية أنه “أُطلقت خدمة طعام كوشير جديدة في دبي لخدمة اليهود المتزايدين، وهو أول مجتمع يهودي جديد في العالم العربي منذ 100 عام”.

لم يقتصر الحضور الديني اليهودي على حاخامات الخليج، بل إن الحاخام الرئيسي لإسرائيل شلومو موشيه عمار أنهى زيارة خاصة للبحرين، للمشاركة بمؤتمر دولي لرجال الدين بدعوة من الملك البحريني، وبالتزامن مع وصوله إلى المنامة سبقه بعض الجهات الدبلوماسية الإسرائيلية إلى المملكة لترتيب الزيارة وتنسيقها، وحمايته، وقد وصل الحاخام مرتديا رداءه الذهبي التقليدي، وعليه نقوش فضية تحمل “الوصايا العشر” المحفورة، وفقًا لتقاليد اليهود خلال عبورهم إلى جبل سيناء.

عند الحديث عن الحاخامات اليهود، ودورهم الكبير في تعزيز العلاقات الإسرائيلية-الخليجية، تتوجه الأنظار إلى الحاخام اليهودي مارك شناير المستشار الخاص لملك البحرين، ويعتبر نفسه وسيطاً بين حكومات الخليج وإسرائيل، ودأب على عقد اللقاءات المتواصلة مع معظم زعماء الخليج، وهو مقيم بصورة شبه دائمة في قصورهم، في مساعيه من أجل إقامة علاقات علنية مع إسرائيل.

في المقابل قدمت المؤسسة الدينية الرسمية في بعض دول الخليج مؤشرات تجاه إسرائيل واليهود ذات صبغة دينية، وبالتأكيد فإنه ما كان لها أن تتم دون طلب أو تكليف من المؤسسة السياسية الرسمية، ولعل أخطرها زيارة محمد عيسى رجل الدين السعودي وسكرتير القمة الإسلامية العالمية، إلى معسكر أوشفيتس في بولندا الذي شهد تنفيذ المحرقة النازية، وهو الزعيم الإسلامي الأرفع الذي قام بمثل هذه الزيارة، ودعوته للمسلمين للاعتراف بها، وإحيائها في العالم الإسلامي.

وفيما دأب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على لقاء زعماء الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، فإن العديد من اللقاءات المتكررة يُعقد بين أوساط خليجية ويهودية عبر شبكات التواصل.

أخيراً، يمكن رصد جملة من السلوكيات الخليجية تجاه إسرائيل، المتأثرة بضغوط لا تخطئها العين من المؤسسة الحاخامية اليهودية، التي اتضح أن لها نفوذا في عواصم الخليج، وتمثل بعضها بإحياء الفاعليات اليهودية غير المسبوقة في هذه الدول المحافظة.

وفيما كتب رجال دين سعوديون عن المحرقة النازية ضد اليهود، فإن نسخة من كتاب التوراة موجودة في متحف بإمارة أبو ظبي، فيما يتم إحياء أعياد يهودية في البحرين، مما يدفع إلى التساؤل عمن يقف وراء هذه الموجة من التفاعل الخليجي مع قضايا يهودية بحتة، ذات طابع ديني صرف، ويشير بالضرورة إلى انفتاح خليجي غير مسبوق تجاه اليهود، في الوقت الذي تواصل فيه هذه الحكومات التضييق على مواطنيها، فقط لاختلافهم في الرأي!

(المصدر: تي آر تي TRT العربية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى