مقالاتمقالات مختارة

الجهاد بالمال وتجهيز المجاهدين… فضله ودوره في نصرة المسلمين

الجهاد بالمال وتجهيز المجاهدين… فضله ودوره في نصرة المسلمين

بقلم كارم الغربلي

دعت كتائب الشهيد عز الدين القسام -الجناح العسكري المسلح لحركة حماس في الآونة الأخيرة- كل محبي المقاومة وداعمي القضية الفلسطينية العادلة لدعم المقاومة ماليّاً في محاولة جديدة لكسر الحصار المالي المفروض على المقاومة بغزة.

ولطالما سعت دولة الاحتلال -ومن ورائها الولايات المتحدة- لقطع كل سبل التمويل عن فصائل المقاومة الفلسطينية وتضييق الخناق عليها، لكنّ محبي المقاومة في كل العالم يحاربون هذه المحاولات، ويسعون لإيجاد كافة سبل الدعم الممكنة بالمال والنفس في سبيل الله وإعلاء كلمة المجاهدين.

فما فضل الجهاد بالمال على الإنسان؟ وما هو المغزى والحكمة من الجهاد بالمال في سبيل الله؟ وهل يكفي الجهاد بالمال عن الجهاد بالنفس؟ وكيف يكون الجهاد بالمال؟ وماهي سبل الجهاد بالمال في ضوء الظروف التي تعايشها الأمة الإسلامية؟

الجهاد بالمال والنفس:

في هذا الإطار، قال الشيخ والداعية “محمد العكلوك”: “إن المال نعمة من الله عز وجل، ومن آتاه الله مالاً فقد أنعم عليه، وللمال أهمية كبيرة في حياة الإنسان، حتى أنه لا يستطع العيش بدونه، فهو عصب الحياة، وكذلك لا تقوم الدول والجماعات وحركات التحرير والمؤسسات إلا عليه”.

وأضاف “العكلوك” لـ”بصائر”: “الجهاد في سبيل الله يحتاج إلى المال كحاجة الإنسان إلى الهواء ، وإلا كيف سيكون الإعداد والتجهيز والتدريب إلا به”.

الداعية محمد العكلوك: من لبّى نداء الله وأنفق في سبيله فقد نجح في الاختبار وفاز وربح، ومن تقاعس وبخل واستغنى فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة.

وأشار إلى: “أن الله تعالى قدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، فقال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة، آية:41]، فقدم المال على النفس، وهذا لأهمية المال وحاجة الجهاد والإعداد إليه, فعَنْ “زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ” عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا) (رواه البخاري ومسلم)”.

ولفت إلى: “أن الإنسان جُبل على حبِّ المال، قال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر، آية:20]، وهنا يُختبر المسلم في دينه وقوة إيمانه عندما يُدعى إلى الإنفاق في سبيل الله، موضحاً أن من لبّى نداء الله وأنفق في سبيله فقد نجح في الاختبار وفاز وربح، ومن تقاعس وبخل واستغنى فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة، مستدلاً بقوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة، آية:195]، فجعل الله عدم الإنفاق في سبيله إلقاءً إلى التهلكة”.

وأكد العكلوك أن في عدم الإنفاق في سبيل الله تعطيل للجهاد، وذلة للأمة، فيعمها الله بالعذاب ، فعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ، إِلَّا عَمَّهُمُ اللهُ بِالْعَذَابِ) (رواه الطبراني وصححه الألباني).

وتساءل “العكلوك”: “إذا كان الكفار ينفقون أموالهم، لكن لماذا ينفقونها؟ إنما ينفقونها؛ ليصدّوا عن سبيل الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}”.

تجهيز المجاهدين:

وأوضح: “أن من جاهد بنفسه وماله حاز على الأجرين معاً، وهما أجر الجهاد بالمال وأجر الجهاد بالنفس، حيث قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا)”.

وسرد “العكلوك” مشهد وقصة الصحابي “عثمان بن عفان” رضي الله عنه حين تخلّف عن غزة بدر التي كانت أول قتال قاتل فيه النبي المشركين، حيث لم يكن تخلفه يومها لتقاعس منه، وإنما لتمريضه زوجته “رقية” بنت النبي صلى الله عليه وسلم حيث نال أهل بدر شرفاً عظيماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأنهم: (لعلّ الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم إني غفرت لكم…)”.

وقال : “فات عثمان هذا الشرف العظيم، لكن يسّر الله له طاعة نال بها هذا الشرف العظيم، فما هذه الطاعة؟! وما هذه العبادة؟! إنها يوم أن نادى النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين لتجهيز جيش العسرة، حيث جاء عثمان رضي الله عنه وجهّز الجيش، وتصدّق بألف دينار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم…) وهذه الطاعة مفتوح بابها إلى يوم الدين”.

وأشار إلى: “أن الجهاد بالمال يكون بشتى أنواعه، سواء كان عينًا أو نقدًا أو سلاحًا أو كل ما يستخدم بالقتال والإعداد، ويدخل في ذلك ما يكون سببًا في تثبيت المجاهدين، كتجهيزهم، أو كفالتهم، أو تعوضيهم عن خسارتهم في معاركهم وحروبهم “.

ولفت إلى: “أنه يدخل في ذلك كلّ ما يحقق إعداد القوة، لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال، آية:60]”.

سبل الجهاد بالمال:

وحول سبل الجهاد بالمال قال الدكتور “صادق قنديل” -عضو لجنة الإفتاء في الجامعة الإسلامية-: “إن الجهاد بالمال له سبل عديدة، كالتجهيز العسكري للمجاهدين بالعتاد والسلاح، وإنفاق المال على أُسر وعوائل المجاهدين الذين خرجوا لتلبية نداء الله والدفاع عن حياض الأمة والإسلام، تاركين خلفهم أبنائهم –مستدلاً- بقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا) (رواه البخاري ومسلم)”.

د. صادق قنديل: من يسّر الله له هذا الباب من الطاعات فإنه والله لذو حظ عظيم، فقد جمع الله له بين أجرين، أجر الجهاد بالمال والغزو وإخلاف المجاهدين، وأجر كفالة اليتيم

وأشار إلى: “أن من سبل الجهاد بالمال كفالة الأيتام، وخاصة أبناء الشهداء –مضيفاً-: الشهيد الذي خرج مجاهداً في سبيل الله وبذل روحه وماله من أجل الله والدفاع عن بيضة الإسلام، ومن أجل أن يحيا المسلمون بأمن وأمان وسعادة واستقرار، ألا يستحق منا أن نكافئه بإخلافه في أهله وماله خيراً؟ أليس هذا من باب الوفاء ورد الجميل؟”

وتابع “قنديل” قوله: “ومن يسّر الله له هذا الباب من الطاعات فإنه والله لذو حظ عظيم، فقد جمع الله له بين أجرين، أجر الجهاد بالمال والغزو وإخلاف المجاهدين، وأجر كفالة اليتيم التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا) وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. (رواه البخاري ومسلم)”.

وأوضح: “أن المتأمل في كتاب الله تعالى يجد أن الله سبحانه وتعالى قرن بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس في عشرة مواضع، تسعة منها قُدم فيها الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس -مشيراً إلى- أن كليهما لا ينفك عن الآخر، فهما متلازمان”.

“وكما أن الجهاد بمفهومه العام هو بذل الجهد والطاقة في قتال العدو، وصدّ عدوانه، فكذلك هو أيضاً بذل المال في سبيل الله الذي هو عصب الحروب، ومداد الجيوش ، وهو بلا أدنى شك أو ريب من مقاييس القوة والضعف بين الجيوش وفي المعارك والحروب”، وفق قنديل.

وأكد أن: “الجهاد بالمال يستطيعه كل من آتاه الله مالاً، سواء كان رجلاً أو امرأةً، صحيحاً أو مريضاً، كبيراً أو صغيراً، بخلاف الجهاد بالنفس، فلا يستطيعه إلا الرجال الشباب الأصحاء، وسئل “ابن عثيمين” رحمه الله: “لماذا نجد أن الله تعالى في كثير من الآيات قدّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس؟” فأجاب رحمه الله: “لأن الجيش الإسلامي قد يحتاج إلى المال أكثر من حاجته إلى الرجال، والجهاد بالمال أيسر من الجهاد بالنفس”.

رسالة للأمة:

ووجّه “العكلوك” رسالة إلى الأمة الإسلامية بالوقوف إلى جانب أهل غزة ودعمهم وإمدادهم بالسلاح والمال، مشيراً إلى أن غزة الجريحة المكلومة المحاصرة تجاهد وتقاتل نيابة عن المسلمين في كل مكان.

وقال: “رغم ما تتعرض له الأمة من أعدائها، إلا أنها أمة حية لن تموت بإذن الله، ولن يُعدم الخير من أبنائها، فيا أبناء أمتنا إن لم تستطيعوا أن تشاركونا بالجهاد بالنفس، وفي قتال اليهود بأجسادكم وسواعدكم، فقد يسَّر الله لكم باباً عظيماً من أبواب الجهاد, وهو الجهاد بالمال”.

وأضاف: “هذا المال الذي بين أيديكم سائلكم الله عنه يوم القيامة، وسائلكم عن نصرة إخوانكم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب نصرته) (رواه أبو داود).

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى