التوازن الدولي وأمل العالم الإسلامي في النهوض
بقلم وليد ظاهري
كتب صامويل هانتغتون في تسعينيات القرن الماضي كتابه المثير للجدل -صدام الحضارات، منبها للصراع القادم في قيادة العالم الحضارية كمحاولة منه لإعطاء حقنة انعاش لأمريكا لمواصلة قيادة العالم سياسيا واقتصاديا وحضاريا ومن حقه ذلك ككاتب أمريكي مهموم بوطنه، وقد لمح الكاتب في كتابه ذلك أنه من المحتمل أن يحدث تقارب إسلامي كونفشيوسي بحكم النظرة للوجود لصناعة وإبداع نوع من الحداثة الجديدة التي سترث حداثة العالم الغربي التي استمرت كثيرا مخالفة كل قوانين الحضارات التاريخية.. وفي المقابل كتب الكاتب الأمريكي الياباني فرنسيس فوكوياما كتاب نهاية التاريخ كمحاولة لتقديس الديمقراطية اللبيرالية الرأسمالية العولمية الغربية كأنها سقف لتطور الإنسانية كنوع من الغرور المفتعل آنذاك.
ماذا يحدث الآن.. يظن البعض أن الصين كقوة اقتصادية ستقود العالم حضاريا وهذه مغالطة تاريخية كبيرة، فالمشكل الذي تعانيه اللبيرالية العولمية أن مركزها قد يتغير من أمريكا إلى الصين، كما تغير سابقا من أوروبا إلى أمريكا، لكن الملاحظ أن أحسن عصور الحداثة الغربية كان أوروبيا بامتياز وقبل القرن العشرين، ثم تغير مركز الحداثة إلى أمريكا واختفت كل مثاليات الحداثة وانتشرت الفلسفة البراغماتية والنظرة الرأسمالية المتوحشة ومدارس التفكيكية التي قضت على كل معنى في هذه الحياة. هل يمكن للعالم الغربي أن يقبل بأن ينتقل مركز اللبيرالية إلى الصين وتتفق معها على قيادة جماعية للعالم تكون الصين مصنع العالم بالعقل الأمريكي الأوروبي.. هنا هو الإشكال والذي قد يؤدي إلى اختلال كبير كون أن الاختلاف بين الصين كحضارة وثقافة كبير مع الولايات المتحدة الأمريكية وليس كما حدث سابقا لأن أمريكا هي ابنة أوروبا المدللة لكن الصين لا تقارب بينها وبين الغرب.
لست أنا فقط من يقول إن الحضارة التي سترث الغرب هي الحضارة الإسلامية، لكن ليست الإسلامية التقليدية بل نظرة وفلسفة إسلامية حديثة ستغطي كل سلبيات الغرب والصين نفسها.. وربما في التوازن الدولي الجديد سيشهد العالم الإسلامي نوعا من التحديث الذي كان متوقفا وممنوعا بسبب نظرتنا نحن للغرب فلم نستطع الشجاعة لنقول أن الغرب جاء بأشياء جميلة جدا كما أتى العرب سابقا بأشياء جميلة. وبالتالي عقدة النقص عند العقل الإسلامي ستزول وسيجد المفكر والمواطن الإسلامي أريحية كبيرة في أن يأخذ أحسن ما في الغرب من قيم فلسفية عميقة وكذلك يحدث ويتنج هو قيما إسلامية دينية ستقوم ذلك التوائم المنشود بين الإنسان وبين الله وبين المصلحة وبين الأخلاق.
فلا ننسى نحن كعرب ومسلمين ومنذ الصدمة الحضارية مع الغرب خاصة في غزو نابوليون مصر واكتشف حينها المسلمون كما اكتشفت شعوب أخرى أن الغرب عاد يعيش حالة من التقدم ومن الإبداع تختلف جذريا مع الحياة الحضارية للشعوب.. لكن في المقابل من ذلك سيطر تيار أصيب بنوع من العقدة النفسية أو الحضارية إن صح التعبير فلم يقبل بتاتا تفوق الغرب عليه في قرون طويلة كان يظن العرب أنهم هم أسياد الحضارة في العالم من فكر وفلسفة وثقافة إذا بهم يكتشفوا فجاة أن الآخر الذي كانوا يودون إدخاله في حضارتهم كما دخلت شعوب آسيا وشرقها، وكانت تلك ردة فعل طبيعية في التاريخ لكن المشكل في تلك العقدة أنها لم تحدث ردة فعل إيجابية لدى العالم العربي والإسلامي ليعيد صناعة شرارة نهضة جديدة تصلح وتتدارك ما أخطأ فيه هو وتستفيد من كل ما أنتجه الغرب من أفكار ومن أشياء.
وعاد كل من يخالف المتمسكون بالنسخة الحضارية الكلاسيكية عندنا يشيطنون ويعتبرون إما ملاحدة مرقوا عن الإسلام أو علمانيون يسعون لجعل الشرق غربا وفقدنا توازننا الحضاري لأكثر من قرنين من الزمان. لكن حينما تتغير خارطة العالم الحضارية إن استطاع محركوها الجدد فإن العالم الإسلامي والمفكر الإسلامي حتما سيجد أريحية كبيرة في أن ينتقد حضارتنا الكلاسيكية ليس ليخنقها بل ليحقنها بحقنة فكرية تعيد لها الحياة من جديد..
ولن يجد المفكر المسلم حينها تلك الفؤوس التي كانت تهاجمه مرارا وتكرارا في كل ما يفكر فيه لأن الأخر قد تغير والحداثة الغربية ستصبح نوعا من التاريخ والإرث الإنساني نأخذ منه ما يفيد ونرمي ما يستحق ذلك بكل ثقة بالنفس.. لأن أي حضارة منافسة للحضارة القائمة لن تنجح إلا إذا تعرقلت الحضارة السائدة وكدث مع الغرب في نهوضه فلم يستطع النهوض حتى نام العالم الإسلامي واستفاد منه الكثير ولم يعترف إلا بالقليل وكذلك سيكون الدور والمسؤولية على الحضارة الإسلامية الجديدة التي لا ترفض الحداثة كأساسيات وخطوط عريضة بقدر ما أنها ترفض انحرافاتها عن الأخلاق والإيمان الذي لن يكون إلا عند الشرق الدائم التواصل مع السماء منذ آلاف السنين.
وربما في رأيي البسيط أن الصين لن تقود العالم حضاريا لأن ثقافتها وقيمها ليست عالمية وليست مبهرة للإنسان، وإنما ستقود العالم كمرحلة انتقالية اقتصادية تكنولوجية فقط.. في تلك الفترة تتبلور معالم الحداثة الإسلامية لتكون مبهرة للعالم شرقا وغربا.. على الأقل حسب رؤيتي المتواضعة.. والله أعلم.
(المصدر: مدونات الجزيرة)