مقالاتمقالات مختارة

التكامل أولى من الصراع اليوم…

التكامل أولى من الصراع اليوم…

بقلم محمد سليم قلالة

نحن اليوم في حاجة إلى عقلانية أكثر من أي وقت مَضى، في حاجة إلى حِكمة أيضا. الأوضاع الصعبة التي يمر بها العالم تزيدنا مصاعب على أخرى. لذا فإنه بدل الاستمرار في تشخيص الأزمة التي نعرف، علينا التعاضد والتضامن والتكامل أكثر لاختيار أفضل الحلول، ذلك أنه لا يوجد حل واحد سحري، ولا توجد حقيقة واحدة مُطلقَة يَملكها هذا الطرف دون الآخر. جميع مكونات المجتمع اليوم مطالبة بالمساهمة في تقديم الحلول، أكثر من الزيادة في طرح المشكلات، ولو من زوايا مختلفة. لسنا في حاجة إلى صراع بقدر ما نحن في حاجة إلى إقناع، والإقناع يستلزم الحوار وتبادل الآراء والبحث في النقاط المشتركة. لن يُفيد التَّزمُّت في المواقف في شيء، بل لن يكون ذلك سوى سبب في زيادة الاحتقان والدفع بالفئات الهشة إلى مزيد من الهشاشة، ذلك أنها في الأخير، وككل التجارب السابقة، هي مَا يدفع الثمن! إن تضافر الجهود لإصلاح عطب السفينة أَوْلى من الصراع حول تغيير طاقمها. لا معنى للصراع حول الوجهة إذا كانت العربة لا تتحرك. ولعلنا اليوم في هذه الوضعية بالذات…

لا نستطيع إنكار أن هناك مَن يشتغل اليوم وفي الميدان، لنتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العالم ونمر بها نحن. لا يوجد بلد لا يعرف اضطرابات أو احتجاجات اجتماعية أو صعوبات في المعيشة، ولا يوجد اقتصاد لا يعرف انكماشا ولو جزئيا، ولا يوجد مكان في العالم إلا وزاد فيه تدهور أوضاع الناس الاكثر هشاشة والأكثر فقرا.. لذا ينبغي علينا بدل لَعْنِ الظلام تَثمين جهود الكثير من الفئات التي مازالت صامدة، ساهرة لأجل هذا الوطن في اكثر من مستوى: الفلاحون الذين مازالوا يحافظون على مستوى عال من الإنتاج، والسلك الطبي بجميع مستوياته الذي أبرز قُدرة عالية على التضحية والصبر للتصدي لهذا الوباء، والمعلمون، والتجار، وأصحاب المهن الحرة، والناقلون الذين مَسَّت الجائحة نشاطهم، والعاملون باليوم والساعة والبطّالون الذين لم يتمكنوا من إيجاد فرصة عمل، وإلى جانبهم قوات الأمن المختلفة التي ما فتئت تسهر على سلامة كل هؤلاء… جميعهم إنما يُمكِن القول أنهم قدّموا أفضل سلوك لمواجهة الأزمة التي تعرفها بلادنا رغم الصعوبات التي يعرفها كل منهم.

هل نحن في حاجة إلى تعزيز هذا السلوك، وبذل كل الجهود لتجاوز نقائصه؟ أم نحن في حاجة إلى الانطلاق من النقائص لتأجيج الصراع بزعم إعادة بناء علاقات جديدة على أسس جديدة تنطلق من مقدّمة خاطئة تقول أن كل ما في البلاد سيء وينبغي أن يزول…

يبدو لي أننا اليوم في حاجة إلى تصحيح زاوية النظر هذه، والانتقال من حالة الاستقطاب التي يُريد أن يضعنا فيها البعض إلى حالة التكامل التي نحن مضطرون لأن نكون عليها حتى وإن كانت صعبة المنال.

إن الاستقطاب والصراع لا يخدمان أي طرف في ظل الظروف التي تمر بها البلاد والعالم، وإذا كانت من فئة سَتستفيد من هذا الصراع فإنها بالضرورة تلك التي هي في أوضاع حسنة اليوم!! فلا داعي لنفرض على أنفسنا خيارات ضررها أكثر من نفعها، ولنبحث عن أفضل بديل للمستقبل يمكن تحقيقه بأقل التكاليف…

(المصدر: صحيفة الشروق الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى